ماجدة موريس تكتب:فورد وفيراري.. واللعب بالسيارات

766

فورد وفيراري.. واللعب بالسيارات

ماجدة موريس

وكأننا أمام صورة جديدة من اللعب الذي تمارسه أمريكا ولكن ميدانه هنا عالم السيارات وسباقاتها وليس عالم السياسة، وفيه كل الحيل والمؤامرات والخدع التي يمارسها رجال الرئيس، أي رئيس المؤسسة الأكبر في العالم لصناعة السيارات، فورد، والذي يعلن حالة الطوارئ، بل الحرب، حين يلاحظ صعود شركة أخري، جديدة وصغيرة، من خلال فوز سيارتها في مسابقات السيارات لعامين متتاليين، فيعلن حالة الطوارئ ضد (فيراري) ومن فيها(خاصة انها شركة إيطالية) يرفض رئيسها بيعها لفورد لأنه سيحرم من دخول السباق الدولي الاكبر الذي يفوز فيه في فرنسا(سباق لامان) وتعلو طبول الحرب الاقتصادية في فيلم ممتع بعنوان (فورد. ضد فيراري) يطرح القضية وهوامشها من خلال سيناريو محكم قوامه علاقة صداقة قوية بين شخصين يعيشان الحياة داخل عالم سيارات السباق وشطحاته، الاول هو(كارول شلبي) بأداء مات ديمون السلس والذي كان أحد محترفي قيادة سيارات السباقات المشهورين قبل ان يتقاعد، والثاني هو(كين مايلز )بأداء كريستيان بل. المبدع  في دور خبير إصلاح وقيادة تلك السيارات الذي يعيش لاجل هذه المهمة، ويربي أبنه المراهق بيتر علي حبها في فيلم أخرجه  چيمس مانجولد ، الذي يمارس الانتاج والكتابة ايضا منذ بدأ عمله في السينما والتليفزيون عام ١٩٩٧ اما كتابة الفيلم فقد شارك فيها ثلاثة هم (چيز باتروورث ) و (چون هنري  باتروورث) و( جرسون كيلر) والحقيقة ان القوام الدرامي والمعرفي للفيلم مستحق لهذا الجهد المبني علي هرم من المعلومات حول نوع آخر من الحروب التي عرفها العالم منذ خمسينيات القرن الماضي، ولَم تنتشر بالطبع مثل الحروب العسكرية لان ميدانها كان مجتمعات الصفوة في الدول المتقدمة، وملاعب السباقات الممتدة، وجمهورها الكبير (وان كان لا يقارن بجمهور كرة القدم ) وايضا المقصورة حيث يتواجد أصحاب مصانع السيارات لابسو البذلات الفاخرة، والاتباع ينتظرون الإشارة، ويتنافسون علي تلبيتها،بالإيجاب او السلب، ليكيدون لبعضهم البعض وهو ما يفعله المدير التنفيذي الجديد لفورد حين يحاول أفشال  مايلزالمتسابق بأسم الشركة بعد فشلها المتكرر امام فيراري، والذي صمم شيبلي علي وجوده بعد ان أخذ تفويضا من الرجل الكبير بذلك، وهنا يضعنا الفيلم أمام عالم من الدسائس يملأ هذه الشركات الكبري حين تستبد بمالكها الرغبة في تحقيق اي إنجاز، فقط لتأكيد غرور امتلاك القوة  والقدرة، فيقرر شراء الرجال والمعدات وكل شىء يجعله في موقع السيطرة علي هذا العالم، وهو ما يحدث بعد بداية الفيلم حين يتقاعد شلبي، بعد حادثة سباق كاد ان يفقد حياته فيها ويقرر ان يزاول نفس النشاط، من الجانب الآخر، اي  ينشئ شركة لتصميم وتصنيع سيارات السباق، وينجح بالفعل في صناعة سيارة سباق جديدة وإعلان وجوده في هذا العالم ، وهو ما يلفت اليه نظر فورد فيقرر شراءه لتحقيق رغبته.

الشيك والشرف الوطني

حين يقابل مساعد مستر فورد (چون برناثال في دور يعتمد أساسا علي انفعالات الوجه ) شلبي لشرائه، ويعرض عليه شيكا فارغا يضع فيه الرقم الذي يريده بلا حدود، يبادره القائد المحترف سابقا ويعطيه درس مهما قائلا إن المال يمكنه شراء السرعة، ولكنه لا يمكنه شراء المقدرة والخبرات اللازمة للقيادة أميال طويلة في الطرق الريفية، وفِي طرق مفتوحة بلا حواجز، وفِي زمن ليلي يخيم عليه الظلام،

(لا يمكنك شراء. الفوز لكن شراء الرجل الذي سوف يمنحك فرصة الفوز) وهكذا ينضم شلبي لفريق فورد بعد ان جن جنون مالًكها لأن شركة غيره هي (فيات)الإيطالية قد أشترت (فيراري) بمبلغ اكبر مما عرضه، ولان صاحبها وافق مرحبا بعد ان أهين شرفه الوطني كإيطالي من أسلوب فورد في العرض ورفضها أشتراك سياراته في السباق الكبير وبعدها يبدأ الاستعداد للفوز وتحقيق أمنية (الرجل الكبير) المقهور لان امبراطوريته تعجز عن إحراز الفوز ضد تلك الشركة الجديدة وسياراتها السريعة

الصديقان والغضب

العلاقة بين شلبي ومايلز بطلا الفيلم الأساسيان تنتقل من مرحلة لأخري مع تطور الاحداث، وفِي الوقت الذي يهتم البناء الفيلمي أساسا منذ البداية بالصراع في هذا العالم والذي يصبح شلبي أحد أبطاله المرموقين، كأي لاعب شهير حتي لو اعتزل، الا انه لا ينسي مايلز وصداقتهما القديمة، وعمله في محله لتطوير أجهزة سيارات السباق، وعلاقته الحميمة بزوجته مولي الشريكة القوية للحياة، وبابنه بيتر الذي يشرب الصنعة من أبيه، ومن هنا يصبح منطقيا ان يختار شلبي صديقه ليكون قائد سيارة سباقات فورد الجديد، وهو ما يرفضه معاون الشركة التنفيذي (لأنه-اي مايلز-لا يشبه سائقي شركتنا،) ويطعن في رجولته مما يستفز شلبي  ويدخله معركة حامية معه تستمر حتي بعد فوز مايلز بالسباق المحلي الامريكي، وذهاب الجميع الي فرنسا من أجل السباق الكبير، وليكتشف لنا الفيلم في جزئه الاخير عن كم التلاعب الذي يجري في هذه السباقات، بداية من اللعب في باب السيارة ليبقي مفتوحا أثناء قيادة مايلز، والي تعطل المحركات الخ  وحتي في النهاية حين يكسب الرجل السباق ويصل اولا الي الخط يحاول المعاون طرح فكرة ان يقلل مايلز سرعته حتي تصل سيارتا فورد الأخرتان معه، وكأنه أستعراض في عنصرية وتحيز واستعلاء يطرحها العمل هنا من خلال هذه الشخصية، الرئيس التنفيذي المعاون لفورد، والذي بهذه الحيلة ينجح في خداع الجميع ، ويسرق الانتصار من صاحبه بحجة ان الاثنين وصلا معا لكن طريق الفائز كان اطول من مايلز ويكاد شلبي يفقد عقله، لكن مايلز يهدئه هذه المرة فقد اصبح بطلا عالميا برغم هذه المؤامرة ونال سيارة السباق ومالا ولَم يكن يدري انه سباقه الاخير مع السيارة التي انفجرت به بعدها وتقديرا له وضعه عشاق هذه السباقات في قائمة المشاهير كما يذكر الفيلم، اما صديقه شلبي فقد اصبح اكبر مصممي السيارات نجاحا في تاريخ اللعبة، واصبحت السيارة التي صمماها معا هي الوحيدة في تاريخ امريكا التي فازت بسباق لومان أربع سنوات متتالية في الستينيات، ويبقي ان هذا الفيلم الذي يدخلنا عالما جديدا علينا يجتهد كثيرا في تقديم خفايا لعبة مهمة قد لا نعرفها هنا، وعلاقتها بعوالم البيزنس والاحتكارات والشراء والبيع والفساد في مواجهة بشر لا يملكون الا الجهد والاجتهاد ومحاولة التقدم وبالطبع فإنه يمتلك العديد من عناصر التفوق في مفرداته الفنية، لكنه رشح لأربع من جوائز أوسكار المنتظرة نتائجها مساء الاحد القادم، وهي جوائز أحسن فيلم عن عام٢٠١٩، وجوائز أفضل مونتاچ، ومونتاچ صوت، والدمج الصوتي (ميكساج صوت) ولكنه قبل كل هذا هو فيلم ممتع، وجدير بالمشاهدة.

التعليقات متوقفه