المناهج التقليدية خلقت فجوة بين قدرات الخريجين واحتياجات سوق العمل:1,2 مليون معلم يعانون من أوضاع وظيفية ومعيشية بالغة السوء

477

كتبت نجوى ابراهيم:

كشفت دراسة حول التعليم فى مصر بعنوان”التعليم .. قفزات فى دوائر مفرغة” عن أن السياسات التعليمية المطبقة خلال العقد الماضى والجهود المبذولة فى سبيل تطوير العملية التعليمية، لم تحقق النتائج المأمولة لارتباطها بعيوب ومشكلات هيكلية فى مجال التعليم, فباستثناء هدف الاستيعاب الكامل للأطفال فى مرحلة الإلزام فإن أهداف السياسة العامة للتعلم والمتعلقة بضمان الاستمرار فى التعليم حتى نهاية مرحلة التعليم الاساسى واكتساب المهارات الاساسية فى مرحلة الالزام والمرحلة الثانوية لم تتحقق بالصورة المرجوة..وذلك وفقا لما جاء بالدراسة التى أعدها “عبد الناصر قنديل”مدير المجموعة المصرية للدراسات البرلمانية.

ذكر “قنديل”عددا من المؤشرات، وصفها بأنها الاساس الفعلى لأزمات التعليم فى مصر وعدم قدرته على الاستجابة لأهداف التنمية المستدامة منها :أن الدعم الذى حظيت به السياسات التعليمية فى مصر منذ بداية الاصلاح التعليمى لم يرق  فى تعامله الى مستوى قضايا الأمن القومى، لا من ناحية التمويل والدعم المادى ولا من ناحية توفير الاطر القانونية والمؤسسية,فضلا عن عدم مراعاة رؤية المؤسسة التعليمية ذاتها لعملية الاصلاح ,والاقدام على كثير من الخطوات المستحدثة والمفاجئة دون دراسة مسبقة وتقييم للنتائج المتوقعة .

وأكدت الدراسة، أن خلق مجتمع من المواطنين الاسوياء الذين يعرفون حقوقهم وواجباتهم ويقررون فيما بينهم قيما مثل الديمقراطية والمواطنة والانتماء والعمل هو المحصلة النهائية للعملية التعليمية الناجحة, ولان الدولة هى التى تقوم على العملية التعليمية فطالبت الدراسة ضرورة ترسيخ هذه القيم ليس فقط فى المناهج التى يتلقاها الطالب فى المدارس والجامعات بل ايضا عمليا  فى الواقع الذى يعيشونه ,ولابد من توفير الحرية والامكانيات التى تسمح لهؤلاء الطلاب بالحركة والانفتاح والاحتكاك واكتساب الخبرة لبناء الشخصية القوية ولن يتحقق ذلك إلا بالاصلاح السياسى والدعم الذى يجب ان تقدمه وتتعاون فيه كل مؤسسات الدولة .

مناطق محرومة

وذكرت الدراسة انه رغم من أن التعليم الاساسى إلزامى فى مصر حسب المادة 19 من الدستور الا أن اجمالى المناطق المحرومة من التعليم الاساسى يبلغ 10,3 الف منطقة,وللتغلب على هذا العجز يبلغ عدد الفصول المطلوبة لتوصيل الخدمات التعليمية للمناطق المحرومة حوالى 41,1 الف فصل بتكلفة  9,1 مليار جنيه,ومن وجهة نظر “قنديل”ان الكثافات العالية في المدارس والفصول والفترات التعليمية المتعددة في مصر من أخطر المشكلات التي تواجه المباني التعليميةحيث يبلغ عدد المبانى التى تعانى من كثافات عالية نحو 9,4 الف مبنى بنسبة 37,8%من اجمالى المبانى المدرسية الحكومية ,وهناك نحو 4,2الف مبنى يعمل بنظام الفترات بنسبة 16,7%,ويبلغ متوسط كثافة الفصول الدراسية فى مصر وفقا لبيانات وزارة التعليم نحو 45 طالبا لكل فصل ,رغم ان فى بعض قرى الصعيد والعشوائيات تصل الكثافة الطلابية الى 120 طالبا بالفصل الواحد ,وتحتاج مصر نحو 46,3 الف فصل بتمويل 10,2مليار جنية لتخفيض الكثافة الطلابية بالفصول ,بالاضافة الى نحو 50,1الف فصل للقضاء على ظاهرة تعدد الفترات بالمدارس الحكومية بتكلفة 11 مليار جنيه .

معدلات التسرب

وأكد “قنديل”، أن معدلات التسرب والغياب والرسوب واعادة الصفوف الدراسية تدل على عدم كفاءة النظام التعليمي في تقديم الخدمات التعليمية وبحسب نتائج مسح أجراه مجلس السكان الدولي بالتعاون مع مركز المعلومات ودعم القرار تبين أن متوسط غياب التلاميذ فى المرحلة الابتدائية 5,4يوم فى الفصل الدراسى ,فى حين بلغ فى المرحلة الاعدادية 6,6 يوم ,اما تلاميذ المرحلة الثانوية سجلو ضعف هذه النسب بمعدل 11,2 بالنسبة للثانوية الفنية و10,7 للثانوية العامة.

أما ظاهرة الرسوب واعادة الصفوف الدراسية تعد أحد مظاهر ضعف مستوى المدرسة واهدارا للموارد التعليمية، ففى المرحلة الابدائية يرسب 5,8%من التلاميذ فى السنة الدراسية الواحدة, وفى المرحلة الاعدادية يعيد 11,2% من التلاميذ الصفوف الدراسية , وتنتشر ظاهرة الاعادة فى الثانوية الفنية بنسبة 6,6, وفى الثانوية العامة بنسبة 5,2%وتتزايد احتمالات اعادة الصفوف الدراسية بالنسبة للتلاميذ المنتمين للشرائح الاكثر فقرا,والاقل دخلا,وأرجعت الدراسة أسباب رسوب الطلاب الى العوامل الذاتية التي تتعلق بالقدرات الذهنية للطالب والحالة النفسية والصحية بالاضافة الى العوامل المدرسية ومنها طبيعة المعاملة في المؤسسات التعليمية والتي قد تدفع الطالب لكراهية التعليم والعزوف عنه فضلا عن تعقيد المناهج وأساليب التقييم البالية ,وفيما يتعلق بمعدلات التسرب فتصل نسبة الطلاب الذين يتركون الدراسة خلال السنة الدراسية او فى نهايتها  13,5%-حسب بيانات مسح النشءوالشباب , ويرى “قنديل”أن عملية التسرب ترتبط بأسباب اقتصادية وقدرة الانفاق لدى الاسرة حيث تنخفض نسبة المتسربين من التعليم مع زيادة المستوى الاقتصادى ,بالاضافة الى استخدام الاطفال في العمل للحصول علي الموارد المالية وفي نفس الوقت توفير نفقات التعليم خاصة وأن العائد المالي للتعليم أصبح ضعيفا .

انخفاض الكثافة

وأكدت الدراسة أن أخطر التحديات التي تواجه التعليم في مصر انخفاض كفاءة التعليم خاصة التعليم الفني وعدم ملاءمة مخرجات النظام التعليمي مع متطلبات سوق العمل حيث نجد 42,9% من اصحاب الاعمال يرون أن قطاع التعليم العالي لا يزود سوق العمل بالتخصصات والمهارات والكفاءات المطلوبة,حيث يعانى التعليم الفنى من عدة مشكلات منها :ضعف الامكانيات وقلة المعدات , بالاضافة الى المناهج ذاتها التى ساهمت فى خلق فجوة كبيرة بين قدرات الخريجين احتياجات سوق العمل نتيجة لعدم ارتباطها بمجالات العمل المختلفة فى الصناعة,بالاضافة الى انعدام الخبرة لدى الكثير من العاملين بالتدريس في قطاع التعليم الفني ,وغياب برامج التدريب الحقيقى.

انتقدت الدراسة المناهج القائمة على مبدأ الحفظ والتلقين مؤكدة عدم قدرتها على تنمية الفكروالإبداع لدى التلاميذ,مؤكدة أهمية وضع قائمة معيارية حاكمة لرؤى ومخططات تطوير المناهج والمقررات التعليمية تتوجه نحو تعزيز شخصية الطلاب وتمكينهم من أدوات الفكر النقدي ومهارات الابداع والعمل الجماعى.

مجانية وهمية.

وكشف”قنديل” فى دراسته عن تحول التعليم فى مصر من المجانية الى  التسليع لافتا الى أن مجانية التعليم تعرضت لانتكاسة  عنيفة منذ بداية عام 1991 مع بدء تطبيق برنامج التكيف الهيكلى والذي كان مدخلا رئيسيا للسياسات النيوليبرالية التي اتبعتها الحكومة في رسم سياساتها الاقتصادية التي مالت نحو تقليل المخصصات المالية للانفاق علي الخدمات العامة وعلي رأسها التعليم والصحة ومن ثم انخفضت رواتب المعلمين وضعف وإهمال البنية التحتية التعليمية بالتزامن مع ارتفاع كثافات الفصول مما أدي الي تردي نوعية التعليم الحكومي الرسمي في الوقت الذي انفتح فيه مجال الاستثمار في التعليم أمام القطاع الخاص ليعوض غياب الجودة والمهارات بين جدران القطاع الحكومي لكن مقابل رسوم ومصروفات تقصر التعليم مرتفع الجودة علي الفئات التي تملك القدرة المالية لشرائه.

وطالبت الدراسة ضرورة أن تقف الدولة حائلا أمام تغول هذه الممارسات ,وألا تكون شريكا فيها بتوسيع الفجوات بين الطبقات الاجتماعية وتحويل التعليم من وسيلة لإتاحة الفرص المتساوية لجميع الأفراد إلي سلعة يحكمها العرض والطلب  فقط  لمن يستطيع الإنفاق عليها.

وأوضحت الدراسة الى أن المعلم هو اساس العملية التعليمية ,ولا يمكن الحديث عن تطوير العملية التعليمية دون الحديث عن مشكلات المعلمين وتدنى اجورهم ,فالمعلمون الذين يصل عددهم ـ وفق الجهاز المركزي للتعبئة العامة والاحصاءـ 1,19 مليون معلم يعانون من أوضاع وظيفية ومالية بالغة السوء,ولذلك اوصت الدراسة بضرورة تفعيل نص المادة 89 من قانون الخدمة المدنية بما تقدمه من حزم ايجابية لدخول المعلمين المالية في اطار تحسين الظروف المعيشية لهم .

وطالبت الدراسة مجلس النواب بضرورة تطوير القوانين والتشريعات التى تسمح بتحقيق عائد عادل للاستثمار فى مجال التعليم ,واعادة النظر في حزمة التشريعات المتعلقة بالتعليم وادخال تعديلات عليها تتناسب مع مستهدفات التنمية المستدامة خاصة قانون التعليم رقم 139 لسنة 1981, واقرار آلية وطنية للإشراف والرقابة علي تحقيق أهداف التنمية المستدامة ومراجعة تقاريرها بصورة دورية .

 

التعليقات متوقفه