فريدة النقاش تكتب :حق ماسبيرو

840

قضية للمناقشة

حق ماسبيرو

فريدة النقاش

تتوالى منذ أسابيع الإعلانات عن تطوير لبعض برامج “ماسبيرو” وصرح “حسين زين” رئيس الهيئة الوطنية للاعلام قائلا إن التطوير الذي يجري الإعداد له سيطول المحتوي والشكل . وسوف يقوم أبناء الهيئة أنفسهم بإنجاز هذا التطوير لتحقيق المنافسة، وعودة المشاهد إلى شاشات الإعلام الوطني، وفي هذا السياق جرى توفير المزيد من الدعم الفني والتقني لإظهار إبداعات وتميز أبناء الوطنية للإعلام، أي أبناء ماسبيرو، وضاع مجده وتألقه.

وأشار “حسين زين ” – كأنما عرض – لقضية أساسية من قضايا هذا التطوير، أو أي تطوير حين قال: إن التطوير سوف يعمل أيضا على توفير المزيد من “الحرية المسؤولة” مضيفاً أن أحد أهداف هذا التطوير هو نشر “المزيد من الوعي” وتنوير العقول للتصدي للشائعات والأكاذيب، وإبراز ما تحقق على أرض الواقع من إنجازات وتنمية ” .

ولابد لنا من التوقف أمام المسألة الإيجابية في تصريح “زين” ألا وهي أنه طلب من رئيس قطاع التليفزيون تلقي مقترحات العاملين بأفكار برامجية جديدة لتطوير القناة شكلا ومضموناً.

ويعرف جمهور التليفزيون والعاملون في حقل الإعلام أن كل القنوات الخاصة التي نشأت كالفطر قامت على أكتاف العاملين في ” ماسبيرو” من مذيعات ومذيعين ومعدات ومعدين وإداريين، وهو ما يعني أنهم جميعاً قادرون على بلورة أفكار ورؤى وترجمتها في برامج رائعة لو صح أنهم سيشاركون حقا -لا شكلا – في التطوير المنشود، وتكون هذه المشاركة – لو حدثت – تخفيفا للقيود التي تكلبهم .

وللشك في حقيقة مشاركتهم أسباب وجيهة، وسوابق غير سارة إذ دأبت السلطة القائمة على طرح المبادرات، والشروع في تنفيذها دون مشاورة أصحاب المصلحة، وأدعت كثيرا أنها سوف تطرح موضوعا ما للحوار المجتمعي بعد أن تكون قد شرعت بالفعل في تنفيذ ما تراه هي دون حوار ولا يحزنون .

ونحن نعرف جيدا أنه ليس لعملية تطوير “ماسبيرو” طرفان فحسب هما الإدارة والفنيون، بل هناك الطرف الخفي غير المرئي على الخريطة بصورة مباشرة، وغالبا ما يكون هذا الطرف هو الأمن الذي تلعب مؤسساته أدواراً محورية في غالبية مجالات حياتنا .

ويعكس هذا التوجه للهيئة الوطنية للإعلام إدراكا لحقيقة المأزق الذي يعانيه الإعلام المصري الذي أنجرف بالتدريج في اتجاه الدعاية المباشرة وشبه البدائية، فتراجع الأداء وتشابهت البرامج، وكان طبيعياً أن ينصرف عنه الجمهور، ويذهب إلى القنوات الخارجية بعد أن ضاقت إلى أقل من الحد الأدني مساحة حرية التعبير، ولم تعد السلطة تجد فروقا بين النقد والتشهير، إذ أصبح أي اختلاف معها، أو نقد لبعض ممارساتها تشهيراً وتشكيكاً في الإنجازات، وانتقاصا منها يصب في خانة “العداء” لها .

ويعكس ضيق مساحة حرية التعبير وضعا أعم وأشمل من الإعلام، إذ تقلصت الحريات العامة، وأخذت الفجوة تتسع بين الباب الرابع في دستور 2014 الذي حصن هذه الحريات العامة ضد أي انتهاك، وبين الواقع الفعلي، الذي عرف أشكالا فجة من الانتهاكات يختبرها المواطنون يوميا فتزداد مخاوفهم وعزلتهم .

ولابد أن يشفق أي متابع يرى هذه الصورة في شمولها على العاملين المخلصين في الإعلام الذين يتطلعون بجدية لتطويره، ذلك أن العقبات التي تواجههم هي أكبر كثيرا من ما يتصورون، وسوف نلاحظ أن رئيس الهيئة الوطنية للإعلام قد أضاف “المسؤولة” وهو يتحدث عن الحرية التي سوف يعمل التطوير على توفيرها للإعلام، وبدا كأنه يخشى من إنفلات ما .

وربما تكون هذه الخشية الضمنية هي السبب وراء تجدد قوائم الممنوعين الشفاهية في “ماسبيرو” والتي يعرف الجميع بوجودها دون ” مستمسكات ” كما يقال، وهي قوائم تحد من حرية العاملين فيكبلهم حذر إضافي، ويتجاهل المسؤولون – حتي الآن – طبيعة التغيرات العاصفة التي حدثت خاصة في ميدان الإعلام بعد نشوء قنوات التواصل الاجتماعي وتطورها المستمر الذي يجعل الرقابة عملية شبه مستحيلة.

وجد المواطنون – وبخاصة المنشغلون منهم بالهم العام – منابر جديدة للتعبير عن أنفسهم وطرح أفكار ورؤى تخص مستقبل حياتهم ووطنهم ـ وبدلا من أن تنصت وتحلل وتحاور تعاملت السلطات أمنياً مع هذا التغير العاصف، إذ رأت فيه جوانبه السلبية فقط دون تقدير جدي للوعود الهائلة التي يحملها للبشرية كلها بعد أن إنتشر التدوين على نطاق واسع، وفتح المدونون آفاقا جديدة للخيال الإنساني وأصبح بإمكان كل مواطن أن يكون إعلاميا عبر الهواية .

وأتمنى أن يكون الأستاذ “حسين زين” قد وضع كل هذه الحقائق في اعتباره وهو يعمل على بلورة مشروع التطوير لنجدة “ماسبيرو”، فلو تطور “ماسبيرو” جديا سوف يكون هو الرافعة الأساسية لتطوير كل منظومة الإعلام في البلاد وإستعادة الجمهور المصري إلى الإعلام الوطني عبر الثقة والكفاءة والحرية .

تعلمنا أن من يدافع عن كل شيء لن يكسب شيئا، ولذا فإن الارتباط بين الإعلام والمنظومة الأشمل وعنوانها الحريات العامة لا يجوز له أن يعطل تطوير الإعلام، ويدرك الجميع أن هذا التطوير هو عملية صراعية ممتدة، وللإعلاميين المصريين خبرات متراكمة سوف تقودهم ـ لو توفرت ظروف ملائمة ـ لإنجاز المهمة، شرط أن تشارك فيها كل القوى الحية والديمقراطية في البلاد، إذ تتطلع جميعها إلى نهضة حقيقية للإعلام الوطني وفي القلب منه “ماسبيرو” الذي يحظى بمكانة خاصة في قلوب المصريين، ومن حقه علينا أن نسهم في إنتشاله من الغياب القسري إلى الحضور الذي يستحقه، ووحدها مساهمة كل القوى الحية في عملية التطوير المنشود سوف تحول دون تحوله أي التطوير إلى عملية شكلية ينطبق عليها القول الشائع تمخض الجبل فولد فأراً .

 

 

التعليقات متوقفه