مصنع قطري في السودان لتصنيع المتفجرات للإرهابيين

الأموال المنهوبة من البنك المركزي الليبي تذهب لقادة الإخوان في تونس  فى ذكرى الانتفاضة الليبية لإسقاط القذافى

490

كتب عبد الستار حتيتة

في ذكرى الانتفاضة الليبية، التي بدأت يوم 17 فبراير 2011، واستعان قادتها بحلف شمال الأطلسي (الناتو)، وأدت لإسقاط حكم معمر القذافي، لا بد من البحث عن بضعة أسماء لأشخاص من ليبيا وتونس وغيرهما، لديهم معلومات عن تهريب الأسلحة وسبائك الذهب ومليارات الدولارات، على يد عتاة الإرهابيين، عبر المنطقة العربية.

دعك من الأسماء الإرهابية الكبيرة التي تتعرض للهجوم في بعض وسائل الإعلام، دون معرفة تفصيلية بالدور الذي تقوم به. ولنسلط الضوء هنا على أسماء أخرى يمكن أن تفيد في معرفة تفاصيل ما يدور في الظلام، ومن بين الأسماء التي ظهرت في أوراق المحققين، هناك رجل يدعى “الزوي”، وهو معروف جيدا لوزير الداخلية الليبي الحالي، فتحي باشاغا، وللعقيد طارق الفقيه الذي شغل موقع مدير مديرية أمن مدينة مصراتة (200 كيلومتر شرق طرابلس)، أما الثاني فمعروف باسم “عبدالباري الوصيف”، وهو تونسي الجنسية، وتوجد معلومات كثيرة عنه وعن المعلومات التي ديه، معظمها مستمد من مكتب اللواء بشير القاضي، رئيس الغرفة الأمنية المشتركة لمدينة مصراتة، والرجل الثالث يدعى “بشير البوعيشي”، وغير معروف إذا ما كان ليبيا أم تونسيا، لكنه من الشخصيات التي يمكن الوصول إليها اليوم، عبر وزارة الداخلية الليبية، خاصة حين كان وزيرها العارف الخوجة، في 2016.

تم القبض على هؤلاء الثلاثة، وغيرهم، بمحض الصدفة، وعلى فترات متباعدة، في السنوات التي أعقبت سقوط طرابلس في أيدي الجماعة الليبية المقاتلة المقربة من تنظيم القاعدة، وفي أيدي جماعة الإخوان المصنفة كتنظيم إرهابي. وقدم كل منهم شهادته عما جرى وعما دار بين قادة المتطرفين من قطر إلى السودان (أيام حكم البشير) ومن تركيا إلى ليبيا وتونس.

ينبغي البحث في عدة اتجاهات بطبيعة الحال، لمن أراد أن يعرف خلفية ما يدور اليوم من فوضى واقتتال وإرهاب في عدة دول عربية، لكن يمكن البدء من المتاح. وهذا المتاح موجود في أوراق التحقيقات الليبية، سواء لدى السلطات الأمنية في مدينة مصراتة، أو في نيابات طرابلس.

يوصف “الزوي”، و”الوصيف”، و”البوعيشي”، بأنهم من صناديق الأسرار المهمة لنشاط الإرهابيين العابر للحدود، وهذا لا يعني أنهم إرهابيون بالضرورة، ولكن يبدو أن الظروف أجبرت بعضهم على التواجد في أماكن تخص كبار المتطرفين، سواء لأسباب تتعلق بطبيعة عملهم، أو لعلاقات القربى مع بعض الشخصيات الدولية الخطرة.

أولاً: بالنسبة لـ”الزوي”، كان أحد الشهود المهمين على عمليات ضخمة لتهريب الأسلحة من قطر وتركيا إلى ليبيا. حدث ذلك في شهر أكتوبر 2017. وورد اسم “الزوي” كشاهد إثبات على الواقعة بعد أن تمكنت السلطات الأمنية في مصراتة من وضع يدها على مخازن الأسلحة القادمة من الدوحة وأنقرة عبر السودان.

تم العثور على هذه الأسلحة في مخازن تقع في منطقتي “الرويسات” و”القاعدة الجوية” في مصراتة. ويقول “الزوي” في شهادته للمحققين إن الأسلحة وصلت لمصراتة على طائرة شحن تابعة لأمير الجماعة الليبية المقاتلة المقيم في تركيا، عبدالحكيم بلحاج. ومن بين من حققوا مع “الزوي”، العقيد الفقيه.

وأخبر “الزوي” المحققين أيضا عن أن شخصيات من جماعة الإخوان كانت تشرف على نقل الأسلحة وتخزينها في مصراتة، وأن معظمها كان مخصصا لتنفيذ عمليات تخريبية في دول الجوار الليبي. ومن بين قادة الإخوان الذين ذكر “الزوي” أسماءهم، الإخوانيان الليبيان علي الصلابي(المقيم في الدوحة)، وعبد الباسط غويلة، مسؤول ملف العمليات الإرهابية بمصر داخل التنظيم (مقيم في طرابلس).

ووفقا لشهادة “الزوي”، فقد كان الاتفاق بين قادة الجماعات الإرهابية، على البدء في نقل تلك الشحنات من الأسلحة على زوارق بحرية من سواحل مصراتة إلى بقايا الجماعات الإرهابية التي تحارب الجيش الوطني في بنغازي، وإرسال كميات أخرى إلى الإرهابيين في دول الجوار.

ذكر “الزوي” كذلك أن المسئولين عن شحنة الأسلحة استأجروا زوارق بحرية تخص رجلا من منطقة “زوارة (غرب طرابلس)”، محترف في الهجرة غير الشرعية، يدعى عبدالسلام غالي، من أجل ترتيب نقل جانب من هذه الأسلحة. وأضاف، أن غالي كان يعنيه الحصول على الأموال، في المقام الأول، وأن طبيعة عمله تجعله لا يسأل من أين جاءت الأسلحة ولا الغرض من نقلها من مكان إلى آخر، عبر شواطئ ليبيا.

على كل حال استخدم قادة الجماعات الإرهابية، ومعهم فايز السراج، رئيس المجلس الرئاسي، ومسئولون في حكومة الوفاق التابعة له، نفوذهم لطمس الحقيقة وتعطيل التحقيق. لكن هذا لم يمنع من قيام بعض المخلصين بمواصلة البحث عن تفاصيل ما جرى. منها على سبيل المثال واقعة تخصيص 9 ملايين دولار من المصرف المركزي الليبي، الذي يرأسه الإخواني الصديق الكبير لشركتين إحداهما تابعة لبلحاج، والثانية تابعة للإخواني إسماعيل، شقيق علي الصلابي، بحجة استيراد أغنام من السودان.

الشركتان المشار إليهما، ليست لهما علاقة باستيراد الأغنام، وهذا أثار الشكوك. ودون الخوض في كثير من التفاصيل، يعتقد أن الـ9 ملايين دولار جرى تخصيصها من المصرف المركزي تحت بند استيراد أغنام من السودان لتمويل جلب الأسلحة من السودان إلى مخازن مصراتة، ثم إعادة الأموال مرة أخرى إلى المصرف المركزي.

يقول أحد المنحازين لاستمرار التحقيق في تلك الواقعة الخطيرة، إنه للبحث عن مسار الـ9 ملايين دولار يرجى الرجوع إلى مخصصات الميزانية الليبية لعام 2015/2016، وكيف عادت الأموال مرة أخرى في 2017 دون استيراد أي أغنام.

ويضيف: أي تحقيق نزيه ينبغي أن يضع هذا الأمر في الحسبان. نعتقد هنا أن هناك عملية مشبوهة لشراء الأسلحة تحت غطاء مصرفي قانوني.

أما التونسي “عبد الباري الوصيف”، فقد تم القبض عليه في طرابلس في أكتوبر من عام 2017. كان “الوصيف” أحد الشهود الموجودين داخل ما يعرف بـ”غرفة العمليات القطرية”، داخل قاعدة إمعيتيقة العسكرية في العاصمة الليبية. ويزعم “الوصيف” في أقواله للمحققين أن الغرفة القطرية هي من كانت تشرف على نقل الأسلحة من السودان إلى قاعدة إمعيتيقة، وأن هذا النوع من الأسلحة كان يستهدف أعمال التفجير، لأنه عبارة عن حقائب مفخخة.

يشير الوصيف في اعترافاته أن جلب الأسلحة من السودان إلى قاعدة إمعيتيقة، كان يجري بواسطة طائرة قطرية، وأن بلحاج كان أحد المشرفين على إعادة توزيع الأسلحة داخل ليبيا، وإلى الإرهابيين في دول الجوار. ووفقا للشهادة نفسها فقد جرى نقل مئات الحقائب المفخخة إلى بنغازي لكي يستخدمها الإرهابيون ضد أفراد الجيش الليبي وضد قادة القبائل والسياسيين المناوئين للمتطرفين.

جانب من هذه التحقيقات، التي يتستر عليها مسئولون في المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق المدعومة دوليا، موجود لدى ضباط الأمن في مدينتي مصراتة وطرابلس. وهناك شخص جرى القبض عليه في مصراتة على علاقة بالواقعة، يدعى “عصيد”، كان هاربا من درنة، وفي حوزته حوالي 20 حقيبة من حقائب القطريين المفخخة.

تقول التحقيقات أيضا إن مصنع الحقائب المتفجرة تشرف عليه قطر في السودان (في عهد البشير)، ضمن برنامج قطري لتصنيع أدوات القتل للإرهابيين في دول المنطقة.

هناك تحقيقات لم تكتمل بسبب نفوذ قادة الإرهاب في ليبيا. تعود وقائع جانب من هذه التحقيقات لعامي 2016 و2017 وتعد واحدة من أخطر القضايا التي تبرهن على قوة الإرهابيين المالية في المنطقة، ورعاية كل من المخابرات القطرية والتركية لها. ويوجد خيط مهم هو أحد من وردت أسماؤهم في عملية الاستجواب، ويدعى “بشير البوعيشي”.

“البوعيشي” شاب تم القبض عليه في ذلك الوقت، لأنه كان على علاقة بعملية نقل جزء من الثروة الليبية لصالح بلحاج، من ليبيا إلى تركيا، عبر تونس، لقد تمت سرقة الآلاف من السبائك الذهبية ومليارات الدولارات، من المصرف المركزي الليبي أثناء أحداث 2011. والكمية التي ذكرها “البوعيشي” في التحقيق كانت عبارة عن جانب مما لم يكن قد تم نقله إلى خارج ليبيا بعد.

جرى القبض على آخرين في هذه الواقعة، وزعم أحد المقبوض عليهم أن الذهب والأموال التي جرى ضبطها لديه، كانت أمانة وضعها رجل قطري اسمه علي بن ناصر، في استراحة تخص بلحاج في طرابلس. وأنه كان يعمل على نقلها من الاستراحة إلى بن ناصر، في قطر.

تبين من تداعيات قضية “البوعيشي” في طرابلس، والتي تم تعطيلها من جانب قادة في المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق، أن هناك كميات أخرى من الأموال المسروقة من المصرف المركزي تم تخصيصها لصالح قادة في جماعة الإخوان في تونس. وحين وصل الأمر إلى محققين تونسيين، بدا أن هناك محاولة منهم لاستعادة هذه الأموال من الإخوان.

لكن قادة الإرهاب في كل من تونس وليبيا، تمكنوا، في هذه الواقعة تحديدا، من الإبقاء على كمية من تلك الأموال في أيديهم.. فمن بين ما تم ضبطه في تونس، 14 مليون يورو، بينما المبلغ الإجمالي كان 30 مليون يورو، كما تم ضبط 500 ألف دولار، من أصل المبلغ وهو 2.4 مليون دولار. وكذلك جرى ضبط 5 كيلوجرامات من الذهب، من الكمية الأصلية وهي 20 كيلوجراما.

تشير شهادات الشهود إلى أن هذه الكمية كانت واحدة من عشرات الكميات التي كان يجري نقلها على قدم وساق من ليبيا إلى تركيا وقطر، منذ عام 2011، بلغ إجماليها الآلاف من سبائك الذهب ومئات المليارات من الدولارات وكلها مسروقة من المصارف الليبية.

وفي شهر واحد، وهو الشهر الذي ألقى فيه المحققون القبض على “البوعيشي (مارس 2016)”، جرى نقل أكثر من 2000 سبيكة ذهب و20 مليون يورو من أموال الليبيين إلى قطر وتركيا، وغيرهما.

 

التعليقات متوقفه