في ورقة سياسات أصدرتها أكاديمية المحروسة للسياسات العامة:قراءة في تحديات النظام الانتخابي الأمثل للحالة المصرية..و6 سيناريوهات للنظام الانتخابى

353

*إعداد: عبد الناصر قنديل/باحث سياسي وبرلماني/الأمين العام المساعد للتثقيف والتدريب

تعيش الدولة خلال الصيف المقبل موسما انتخابيا شديد السخونة والتعقيد نتيجة التحديات المرتبطة بضرورة الانتهاء من تشكيل ثلاث مؤسسات ذات بعد شعبي«مجلس النواب.. مجلس الشيوخ..  المجالس المحلية» بما تفرضه تلك العمليات الانتخابية المتوالية من ضرورات للتوافق علي عدد من المحددات الرئيسية لضمان نجاح تلك العمليات وتحقيقها للرضاء المجتمعي والسياسي، وعلي رأسها الحجم الأمثل لعضوية كل مجلس، إضافة لحسم طبيعة النظام الانتخابي، الذي سيجري الاعتماد عليه لإفراز تلك النخبة بالصورة التي تدعم مسألة الاندماج القومي وتحجم حالات الاحتقان والغضب المصاحب لعمليات إعلان النتائج وذلك عبر تمثيل كل أطياف وقوي المجتمع المؤسسية والسياسية في المجالس وضمان تقليل حجم التوترات المجتمعية ذات الأبعاد العشائرية أو الأيدلوجية التي يمكن أن يستثمرها خصوم النظام في إطار صراعات السلطة.

وأضاف للمشهد سخونة وتعقيد تفاوت الضمانات والمحددات التي فرضها النص الدستوري علي كل عملية انتخابية رئيسية بالشكل الذي جعل من المستحيل الحديث عن نظام انتخابي واحد يشملها جميعا، فتحدثت المواد الدستورية « 102 ـ 243 ـ 244 » عن ضمانات رقمية ونسبية لتمثيل 7 فئات مجتمعية داخل مجلس النواب، هى المرأة ـ الشباب ـ المسيحيون ـ العمال ـ الفلاحون ـ ذوو الإعاقة ـ المصريون بالخارج،  دون أن تتحدد نسب واضحة بينهم سوي ما تم النص عليه للمرأة ( علي أن يخصص للمرأة ما لا يقل عن ربع إجمالي عدد المقاعد، فيما نصت المادة 180 من الدستور علي تضمن المجالس المحلية تمثيل 6  فئات مجتمعية هى المرأة ـ الشباب ـ المسيحيون ـ العمال ـ الفلاحون ـ ذوو الإعاقة، جري تحديد النسب والأعداد الخاصة لـ 4  منها هم الشباب 25 %  والمرأة  25 % والعمال والفلاحون 50 %  في المقابل جاء الباب السابع من الدستور والمتعلق بمجلس الشيوخ ( 248 ـ 254 ) خاليا من الحديث عن أي نسب للتمييز الايجابي لصالح أي فئة مجتمعية.

لذا تسعي هذه الدراسة إلي استعراض علمي لطبيعة وبنية النظم الانتخابية وتفاصيل كل نظام منها سواء محفزات الأخذ به أو أبرز التحديات التي تواجهه، إضافة للحديث عن المحددات والضوابط التي تحكم آلية الانتقاء والفرز والتي تلعب دورا محوريا في تحديد النظام الانتخابي الأمثل للحالة المصرية اتساقا مع النص الدستوري المرتبط بالمجالس المحلية في إطار السعي من أجل الوفاء بها وانجازها في أقرب فرصة مقدمين لمتخذي وصناع القرار عدد من السيناريوهات الانتخابية التي يمكن التعامل معها باعتبارها متناسبة وملائمة لإجراء تلك الانتخابات في أقرب مدي زمني تسمح به الأجندة السياسية والانتخابية للدولة المصرية.

والواقع أن طبيعة العمليات الانتخابية المقبلة، والتي تتعدد وتتنوع نصوص تشكيلها ومحدداتها في التعبير عن عدد من الفئات المجتمعية جري توسيعها في مجلس النواب وتقليصها في مجلس أخر (المجالس المحلية) وتجاهلها في مجلس ثالث (الشيوخ ) وأيضا ما يرتبط بها من ضمانات تتعلق بضرورات مراعاة محددات التقسيم الإداري للدولة، إضافة لتعدد مستويات الإدارة، وأيضا بالنسبة للإدارة المحلية مراعاة النظر في حجم المجالس المحلية الأفضل والأكثر تناسبا، مع ضمانات الكفاءة والفعالية وكذا قدرة النظام المقترح علي التعبير عن الحالة العشائرية والتيارات والروافد الفكرية والسياسية للمجتمع تستوجب جميعها النظر والمقارنة بين حزمة من النظم الانتخابية يمكن لأي منها سواء بصورة منفردة أو بالتأذر المشترك مع نموذج آخر تحقيق الأهداف المنشودة مثل الفعالية والرضا والقبول المجتمعي عن طريقة تنفيذها ونتائجها وهو ما يجعلنا نميل إلي أحد السيناريوهات التالية.

 

السيناريو الأول: نظام الفردى

المزايا: سهولة الإجراءات.. وضمان حق الناخب فى مباشرة حقوقه

العيوب: إضعاف للقوي السياسية وبناء نسق لتفضيلات الناخبين يعتمد علي العشائرية

 

يمثل النظام الفردي الاختيار الأفضل من بين كل النظم الانتخابية سواء للهيئة المنوط بها الإشراف وإدارة العملية الانتخابية أو للسلطة التنفيذية أو للناخب ذاته، لما يمتاز به من يسر في الإجراءات، إضافة لمباشرته وحق الناخب عبره في التصويت لمن يرغب دون قيود أو عوائق، حيث تقسم الدولة إلي عدد من الدوائر الانتخابية يماثل عدد الوحدات الإدارية للإدارة المحلية بمستوياتها المختلفة، ويختار الناخب في كل مستوي منها المرشحين الذين يفضلهم عن سواهم مما يجعل من «الفردى» الخيار الأنسب والأيسر، خاصة عند الاختلاف أو الجدل بين القوي السياسية حول طبيعة النظام الانتخابي أو الرغبة في سرعة انجاز العملية الانتخابية، وهو ما جعله خيارا مفضلا لمشروعين للقانون المقترح من النواب.

ويرتبط النظام الفردي بنمطين للاقتراع وإعلان النتائج النهائية للفائزين بالمقاعد، الأول: يعتمد نظام التصويت من جولة انتخابية واحدة يعلن عن الفائزين بعدها حسب الأغلبية البسيطة لعدد الأصوات الصحيحة، والثاني: يربط بين الفوز بالمقعد والقدرة علي تحقيق الأغلبية المطلقة من عدد الأصوات الصحيحة، والتي حال عدم تحققها من الجولة الأولي يتم الاقتراع عبر جولة انتخابية ثانية بين متنافسين يمثلون ضعف عدد المقاعد المطلوبة ويجري إعلان الفوز فيها بحسب الأغلبية البسيطة للأصوات الصحيحة.

غير أنه يعاب علي هذا النظام أنه يحول دون وجود متماسك للقوي السياسية، خاصة المعارضة منها، إضافة لإضعافه للقوي السياسية وبناء نسق لتفضيلات الناخبين يعتمد علي العشائرية أو الإثنية العرقية والدينية أو الإنفاق البذخي مع ضعف الأداء النيابي للفائزين، كذا الصعوبات الفنية لضمان تمثيل الفئات المجتمعية الأولي بالرعاية «الكوتا»، وهو ما عانت منه العمليات الانتخابية المصاحبة لتكوين المجالس المصرية المنتخبة منذ بدايات التسعينيات في القرن الماضى.

 

السيناريو الثانى: القائمة المغلقة المطلقة

المزايا: بسهولة إجراء العملية الانتخابية.. العيوب: إهداره أصوات الرافضين

تتميز القائمة المغلقة المطلقة بسهولة إجراء العملية الانتخابية، ويمثل هذا النظام خيارا مثاليا للسلطة التنفيذية، عندما تسعي لضمان ظهير تشريعي وشعبي مؤيد لسياساتها، إضافة لقدرته علي ضمان الوفاء بالمقاعد أو النسب المنصوص عليها دستوريا أو قانونيا لصالح فئة أو أكثر من فئات التمييز الايجابي، حيث يتحول كل مستوي محلي إلي دائرة يتنافس علي مقاعدها  الكاملة عدد من القوائم الانتخابية تحتوي كل منها علي عدد مساو للمقاعد المطلوبة للمجلس والفائز من بين تلك القوائم ـ ولو بصوت واحدـ يهيمن علي كل مقاعد المجلس.

رغم وجود طريقتين لحسم التنافسية الانتخابية علي غرار نموذج نظام الانتخاب الفردي، حيث يمكن إجراء الانتخابات من جولة واحدة تحسمها الأغلبية البسيطة أو من جولتين وفق ضمانات تحقيق الأغلبية المطلقة.

لكن في المقابل يعاب علي هذا النظام إهداره لأصوات الرافضين ـ حتى لو تقاربت أو تجاوزت أصوات القائمة الفائزة بالمقاعد ـ بالإضافة لعدم قدرته علي دعم الأحزاب والقوي السياسية وتقييده لحق الناخب في الاختيار الحر وإضعاف العلاقة بين النائب وبين الدائرة وبالتالي بين الناخب وبين الناخبين وهو ما ينعكس علي قدرة تلك المجالس علي الوفاء بمطالب واحتياجات المواطنين.

 

 

السيناريو الثالث: نظام القائمة النسبية

المزايا: يعبر عن القوي السياسية أو الحزبية وتمثيلها في المجالس الشعبية المنتخبة وفق حجمها

العيوب: تعقيد فني.. إهدار لحق الناخب في اختيار من يمثله.. وتفويض القوي السياسية بالتحديد نيابة عنه ووفق تفضيلات خاصة

يمثل نظام القائمة النسبية الشكل المثالي للتعبير عن القوي السياسية أو الحزبية، وتمثيلها في المجالس الشعبية المنتخبة وفق حجم قوتها وتأييد الناخبين لها، إضافة لكونه لا يحتاج لأكثر من جولة تصويتية للتعبير عن انحيازات الناخبين، وهو ما جعله اختيارا أول للقوي السياسية والأكاديمية عند مقارنة النظم الانتخابية أو المفاضلة بينها، حيث يتم اعتبار الدولة بأكملها دائرة انتخابية واحدة يصوت فيها الناخب لصالح القائمة التي يفضلها، ويتم توزيع المقاعد بعدها بين تلك القوائم بحسب النسب والأصوات التي حصلت عليها مع مراعاة ضوابط التمثيل النوعي لصالح فئات التمييز الايجابي «الكوتا» والجغرافي للمحافظات والأقاليم المنصوص عليها.

ورغم أنه نظام انتخابي واحد إلا أن صوره تتعدد حسب القواعد المقررة لتنفيذه حيث يظهر منه نمطان فيما يتعلق بشكل القائمة (الأول ) يلزمها بضرورة أن تكون (مغلقة) أي تضم عددًا من المرشحين يساوي عدد المقاعد المطلوب انتخابها، بينما (الثاني) يسمح بأن تكون ( مفتوحة ) أي تضم أي عدد من المرشحين أقل من عدد مقاعد الدائرة حسب قدرتها لكنها في المقابل تخسر أي مقاعد إضافية يمكن لها الحصول عليها بنسبة أصواتها إذا لم تكن قد رشحتهم من البداية.

كما أن هذا النظام يظهر منه نمطان أيضا عند تحديد الفائزين بالمقاعد ( الأول) يشترط للفوز عتبة تصويتية يحق لمن يحصل عليها أو يتجاوزها أن يحصد نسبة ما حققه من مقاعد، بينما يحرم من لمن يحققها وتهدر أصواته ـ وهو ما رأيناه في الحالة المصرية بانتخابات ( 1984 ) ـ بينما لا يشترط ( الثاني ) وجود عتبة تصويتية وإنما تمنح المقاعد للقوائم بحسب ما تحقق لها من نسب وأعداد للمصوتين طالما كانت تلك النسبة تعادل مقعدا أو أكثر داخل المجالس المنتخبة .

لكن يعاب علي هذا النظام تعقيده الفني الذي يصعب علي غير المتخصصين التعاطي معه إضافة لعدم قدرته علي الكشف بوضوح عن نتائجه وعن أسماء أصحاب المقاعد والذين يحتاج تحديدهم لمدة قد تطول لأيام وربما لأسابيع بما يحمله ذلك من مخاطر أمنية وصراع عشائري وقبلي ختاما بإهداره لحق الناخب في اختيار من يمثله وتفويض القوي السياسية بالتحديد نيابة عنه ووفق تفضيلات خاصة بها ربما تتعارض مع رغبات وتفضيلات المصوتين أنفسهم انتهاء بكون هذا النظام يتناسب مع الدول والمجتمعات محدودة العدد ـ كناخبين أو كنواب ـ ويصعب إلي درجة الاستحالة النظر في تطبيقه في الدول ذات الكثافات المرتفعة العدد كناخبين أو للوصول لمجالس تشريعية واسعة العضوية.

السيناريو الرابع: نظام القوائم النسبية

المزايا: يعتمد علي تقسيم الدولة لعدد من الدوائر الانتخابية

العيوب: يزيد من هامش هدر الأصوات خاصة للقوائم التي تعجز عن الفوز بمقعد في الدائرة الواحدة

يتطابق نظام القوائم النسبية في تفاصيله الفنية، وفي ضوابطه وأنواعه مع النظام السابق ـ نظام القائمة النسبية ـ غير أن الاختلاف الوحيد بينهما يرجع لكونه (نظام القوائم النسبية) يعتمد علي تقسيم الدولة لعدد من (الدوائر) الانتخابية، والتي يتحدد عددها بحسب معايير وضوابط العملية الانتخابية ـ ربما محافظات جغرافية أو أقاليم إدارية أو مستويات انتخابية أو غيرها من الأشكال ـ ولا يكتفي بجعلها (دائرة) واحدة وهي عملية فنية وأحيانا ضرورية للتخفيف من حدة الانتقادات والصعوبات الموجهة لنظام القائمة النسبية المنفردة رغم أنه أيضا ـ كنظام انتخابي ـ يحمل صورة سلبية ترتبط بكونه يرفع قيمة (نسبة) الأصوات المطلوبة لحصد المقاعد كنتيجة طبيعية لتقليص حجم الدائرة الانتخابية، وبالتالي يزيد من هامش هدر الأصوات خاصة للقوائم التي تعجز عن الفوز بمقعد في الدائرة الواحدة والتي يمكن حال جمعها ـ في مختلف الدوائر ـ أن تسمح للقائمة باستحقاق مقعد أو أكثر.

 

السيناريو الخامس: النظام المختلط (الفردي ـ القوائم المغلقة المطلقة)

المزايا: تقسيم مزدوج للدوائر الانتخابية

العيوب: تعقيده واحتياجه لممكنات فنية وتنفيذية قد تختلط وتربك الناخب

يمثل النظام المختلط نموذجا عمليا وفي ذات الوقت توافيقا للقدرة علي الدمج بين النظم الانتخابية للاستفادة من مزايا كل نظام وفي ذات الوقت تحقيق المستهدفات والغايات البرلمانية التي تسعي لها السلطة التنفيذية أو القوي الحزبية المرتبطة بها حيث يسمح هذا النظام المختلط بتقسيم مزدوج للدوائر الانتخابية بحيث تقسم الدوائر ( الفردية) إلي مربعات جغرافية محدودة المساحة بما يسمح للناخبين باختيار ممثل أو ممثلي الدائرة في المجلس النيابي من بين المرشحين لهذا النمط الانتخابي بينما تعيد ( القوائم) تقسيم تلك الدوائر إلي قطاعات واسعة قد تمتد لتشمل مجموعة من الدوائر أو المحافظات أو ربما الأقاليم حسب طبيعة العملية الانتخابية المستهدفة بالصورة التي تسمح للقوائم بالمنافسة للفوز بمجموع المقاعد المخصصة للدائرة لصالح القائمة التي تحقق غالبية أصوات الناخبين.

وفي هذا النظام المختلط تختلف آلية حسم الفوز بالمقاعد حسب الطريقة التي يعتمدها قانون الانتخابات سواء تم الاعتماد علي (الأغلبية البسيطة) للأصوات الصحيحة للناخبين التي تجري فيها الانتخابات من جولة واحدة يعلن بعدها أسماء المرشحين الفائزين بالمقاعد الفردية واسم القائمة الفائزة حتى لو كان هذا الفوز بفارق صوت انتخابي وحيد أو تم الاعتماد علي (الأغلبية المطلقة) للأصوات الصحيحة والتي تشترط أغلبية نصف عدد الأصوات الصحيحة (1 +) لإعلان الفوز في الفردي أو القائمة من الجولة الأولي فإن لم تتحقق تلك النسبة يتم إجراء جولة تصويت ثانية بين عدد من المرشحين أو القوائم يمثل ضعف عدد المقاعد وتحسمها الأغلبية البسيطة وليس شرطا في هذا النظام المختلط أن يكون نظام الفرز وإعلان النتائج موحد في كل من الفردي والقائمة فقد يعتمد أحدهما علي الأغلبية البسيطة بينما يمكن أن يعتمد الآخر علي الأغلبية المطلقة دون أن يؤثر ذلك علي معطيات العملية الانتخابية.

وبرغم ما يحققه ذلك النظام من مزايا وقدرته العملية علي الوفاء بالاستحقاقات الانتخابية الأخيرة للمصريين ( مجلس الشعب 2012 ـ مجلس النواب 2015 ) إلا أن أبرز الانتقادات التي توجه إليه تدور حول تعقيده واحتياجه لممكنات فنية وتنفيذية قد تختلط وتربك الناخب المصري الذي لم تعتد ثقافته وتجاربه الانتخابية علي تلك النظم المركبة للانتخاب، إضافة لاحتمالات ارتفاع نسب بطلان الأصوات نتيجة التداخل أو الارتباك أمام صناديق الاقتراع لكل نظام خاصة مع وجود اختلافات واضحة حول نسبة كل نظام منهما من مقاعد المجلس المنتخب، في ظل تعدد الأراء والاتجاهات حول نصيب كل نظام منهما من مقاعد المجلس المنتخب والتي تتراوح وجهات النظر المطروحة حولها بحسب مشروعات القوانين المقترحة أو من خلال جلسات الحوار الحزبي بين ( 50 % / 50 % ) أو ( 25 % / 75 % ) أو ( الثلث / الثلثين ).

 

السيناريو السادس: النظام المختلط (القوائم المغلقة المطلقة ـ القوائم النسبية)

المزايا: تقسيم ثنائي للدوائر الانتخابية

العيوب: تجاهل الثقافة الانتخابية للناخب المصري

رغم أن هذا النظام يتشابه في تفاصيله الفنية واللوجستية مع المطروح عبر السيناريو السابق (الخامس) إلا أن الدعوة له تخرج بالأساس من بين القوي السياسية التي تنادي باعتماد نظام انتخابي نسبي لتشكيل المجالس النيابية، حيث يمثل هذا الطرح مخرجا لها من مأزق عدم قدرة النظام النسبي الكامل (قائمة نسبية ـ  قوائم نسبية) علي ضمان تحقيق النسب الدستورية المنصوص عليها لصالح فئات التمييز الايجابي ( المرأة ـ الشباب ـ العمال ـ الفلاحين ـ المسيحيون ـ ذوو الإعاقة ـ المصريون بالخارج ) والتي قد تؤدي إلي عدم دستورية تشكيل المجالس والحكم ببطلانها علي غرار ما تم سابقا في تجارب انتخابية مصرية .

لذا يعتمد هذا النظام علي نمط التقسيم الثنائي للدوائر الانتخابية بحيث يتسم ( الأول ) ببناء دوائر واسعة المساحة والتكوين مع قلة عدد المقاعد المخصصة لها بنظام القوائم المغلقة المطلقة التي تتشكل بالأساس من فئات التمييز الايجابي ( الكوتا) رغم أنها قد تمتد لتشمل عددا من المقاعد الحرة والتي يعول عليها لاستيفاء النسب أو الأعداد المنصوص عليها دستوريا لصالح تلك الفئات بينما يعتمد ( الثاني ) بناء دوائر أصغر في المساحة وأكثر في عدد المقاعد المخصصة بنظام القوائم النسبية بما يسمح بدعم الأحزاب والقوي السياسية ويضمن تمثيل كافة القوي المجتمعية .

لكن في المقابل يعاب علي هذا النظام تجاهله للثقافة الانتخابية للناخب المصري، الذي لم يعتد نظاما مختلطا بين نمطين للقوائم الانتخابية إضافة للمخاطر الاجتماعية والأمنية التي يمكن أن تتولد عنه نتيجة اتساع الدوائر وارتفاع حدة النزاع العشائري والجغرافي بين أطراف وقوي اعتادت علي نصيبها التاريخي من التمثيل البرلماني والذي أصبح مهددا بما يفقد تلك الانتخابات قدرتها علي تحقيق الاندماج القومي ويجعل فاتورة لملمة جراحها اللاحقة لإعلان النتائج باهظة الثمن بل وتصب لصالح أطراف وتيارات غير وطنية بالأساس.

 

التجمع: “القائمة النسبية المفتوحة غير المشروطة بعتبة انتخابية مسبقة» .. النظام الأمثل

 

أكد عبد الناصر قنديل، الأمين العام المساعد لحزب التجمع وعضو اللجنة الفنية لحوار الأحزاب السياسية حول القوانين المنظمة للانتخابات العامة، أن الحزب يري أن النظام الأمثل للانتخابات العامة الذي يضمن كفاءة العملية الانتخابية وقدرتها علي التعبير عن إرادة المواطنين وعدالة تمثيل القوي السياسية هو نظام «القائمة النسبية المفتوحة غير المشروط بعتبة انتخابية مسبقة» مع وجود ضمانات وقواعد حاكمة لتوزيع المقاعد النيابية، بما يتماشي مع التقسيم الإداري والجغرافي للدولة، إضافة لتمثيل الفئات الأولي بالرعاية والمنصوص عليها دستوريا «الكوتا» خاصة أن الدستور قد وضع عدد من القيود التي تجعل اعتماد أي نظام آخرـ موحدـ لإجراء العمليات الانتخابية الثلاث «النواب ـ الشيوخ ـ المجالس المحلية»، عملية غاية في الصعوبة في ظل تعقيدات تشكيلاتها ومستهدفات عمل واختصاصات كل مجلس منها، وهو ما يجعل نظام القائمة النسبية خيارا أمثل وأكثر سهولة لإجرائها دون التشتت بين عدد من النظم الانتخابية لإجراء كل عملية انتخابية بنظام انتخابي خاص بها.

أما عن التفصيلات الفنية، فإن نظام القائمة النسبية  يقوم علي عدد من المحددات الرئيسية علي النحو التالي:

أولا: القائمة الموحدة علي مستوي الجمهورية لتكون الدولة عبارة عن  قائمة انتخابية واحدة، ولا تنقسم لعدد من التقسيمات الجغرافية «القوائم المتعددة» بما يضمن وحدة الدعاية الانتخابية وعدم إهدار أصوات الناخبين في حال عدم تحقيق المتوسط المطلوب للفوز بالمقعد في أي دائرة منها.

ثانيا: النسبية التي تضمن تمثيل كل الأطياف السياسية في المجتمع بحسب نفوذها الشعبي وحجم التصويت لها إضافة لعدم قدرة أي تيار أو حزب علي الهيمنة علي السلطة والانفراد بها اعتمادا علي إهدار أصوات الرفض وهو ما يضمن تمثيل الجميع وقيام حكومات ائتلافية .

ثالثا: المفتوحة بحيث يكون لكل حزب أو تيار الحق في المشاركة بأي عدد محدود من المرشحين وفي المناطق الجغرافية التي يمتلك تواجد بها فقط دون أن يكون مجبرا علي تقديم قائمة مغلقة تحتوي علي أعداد أو مرشحين لا يمتلكهم علي أن يقتصر فوزه علي المقاعد التي قدم مرشحين لها مهما زادت أصواته .

رابعا: غير المشروطة بعتبة انتخابية بما يسمح بتمثيل الأحزاب وفق الأصوات وبالنسب التي حصلت عليها فعليا لأن العتبات الانتخابية أو اشتراط نسب غير موضوعية يتسبب في إقصاء القوي السياسية التي لم تحققها وبالتالي إهدار أصواتها وذهاب المقاعد لغير مستحقيها.

وقال« قنديل» إن حزب التجمع لا يقف خلف هذا النظام باعتباره خيارا وحيد لمشاركته أو رضاه عن العملية الانتخابية، بل يؤكد الحزب علي أنه منفتح للحوار والنقاش وأيضا تأييد إتمام العمليات الانتخابية القادمة في حال طرح القوي السياسية وتوافقها حول نظام انتخابي يضمن تحقيق المستهدفات التالية:

أولا: قدرة النظام الانتخابي المقترح علي ضمان تمثيل غالبية ـ إن لم يكن كافة ـ القوي السياسية الوطنية والفاعلة في المجتمع .

ثانيا: ألا تتخلف عن العملية الانتخابية احتقانات أو اعتراضات إثنية أو عشائرية أو فئوية يستفيد منها خصوم الدولة وأعدائها المتربصين في الداخل والخارج أو يوظفونها في اطار الصراع مع السلطة السياسية علي غرار ما كان يحدث سابقًا.

 

التعليقات متوقفه