د. جودة عبدالخالق يكتب:قضية العدالة الاجتماعية- 3

944

 لقطات

قضية العدالة الاجتماعية- 3

*بقلم جودة عبد الخالق

تطرقنا في اللقطات السابقة إلى السياق الدولى للعدالة الاجتماعية، و الذى أدى إلى اعتماد اليوم العالمى للعدالة الاجتماعية في 20 فبراير كل عام.  كما دفع الأمم المتحدة عام 2015 إلى وضع هدف القضاء على الفقر بجميع أشكاله وفي كل مكان بحلول 2030، على رأس قائمة أهداف التنمية المستدامة ال 17. وأشرنا إلى التقارير الدولية التى توضح اتساع درجة اللامساواة، و بالتالى غياب العدالة الاجتماعية. واليوم نطرح السؤال: ما هو حال العدالة الاجتماعية في المحروسة؟ و ما هي درجة اللامساواة في مجتمعنا؟ و ما هي أسباب ذلك؟ و ما هي سبل العلاج؟ و لكن قبل الإجابة على هذه الأسئلة نقوم أولا بتحديد المقصود بالعدالة الاجتماعية.

عادة ما تُفهَم العدالة الاجتماعية على أنها عدالة توزيع الدخل (وأحيانا الثروة) بين الشرائح أو الطبقات. ولكن المفهوم الصحيح أنها أوسع من ذلك. فهى تشمل عدالة توزيع الدخل والثروة والفُرص بين أعضاء المجتمع. وللعدالة أبعاد ثلاثة: أفقى (بين الفئات)، و رأسى (بين الأجيال)، و جغرافى (بين المناطق). العدالة بين الفئات تعنى العدالة بين الأغنياء والفقراء، أو بين المتعيشين من الأجور والمتعيشين من عوائد الملكية، أو بين العمال والفلاحين وأصحاب الأعمال. والعدالة بين الأجيال تعنى العدالة بين الجيل الحالى والأجيال الأخرى (اللاحقة أو السابقة). والعدالة بين المناطق تعنى العدالة بين الأماكن الجغرافية: بين الريف والحضر، أو بين الشمال والجنوب (بحرى والصعيد)، أو بين الساحل و الداخل (حسب ظروف كل بلد). وهناك علاقة محددة بين اللامساواة والعدالة. فاتساع فجوة اللامساواة بين فئات المجتمع في الدخل أو في الثروة أو في الفُرص، يعنى غياب العدالة بدرجة أو بأخرى.

نعود إلى السؤال: ما هو واقع العدالة الاجتماعية في مصر؟ في جملة واحدة: هى فريضة غائبة. فالمسافة بين الواقع والمبتغى كبيرة جدا. يشهد على ذلك أهم مطالب المصريين في ثورة يناير 2011، كما بلورها شعارها الجامع “عيش .. حرية .. عدالة اجتماعية”. وتؤكده أحكام دستور الثورة الصادر في يناير 2014 بخصوص العدالة الاجتماعية (في الفصل الأول من الباب الثانى الخاص بالمقومات الأساسية للمجتمع): “يقوم المجتمع على التضامن الاجتماعى، وتلتزم الدولة بتحقيق العدالة الاجتماعية وتوفير سبل التكافل الاجتماعى، بما يضمن الحياة الكريمة لجميع المواطنين” (مادة 8). وأيضا:” تلتزم الدولة بتحقيق تكافؤ الفُرص بين جميع المواطنين، دون تمييز” (مادة 9). لاحظ هنا تأكيد الدستور “لجميع المصريين” و “بين جميع المصريين”؛ يعنى المصريين من كل الفئات ومن كل الأجيال وفى كل المناطق. 

و الآن، من الشعارات الثورية و النصوص الدستورية إلى الواقع. تشير التقديرات الرسمية (للجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء) إلى تضاعف نطاق الفقر خلال جيل واحد. فقد ارتفعت نسبة الأسر المصرية تحت خط الفقر القومى من 16.7% عام 1999 إلى 32.5% عام 2018. قارن ذلك بالمتوسط العالمى لمعدل الفقر المدقع  و البالغ 10% فقط في 2015، طبقا لتقديرات البنك الدولى. وخلال السنوات العشر الأخيرة فقط من حكم مبارك، تعرض المصريون لأكبر نسبة إفقار: من 16.7% في 1999 إلى 25.5% فى 2010. هذا رغم أن مصر لم تدخل حربا، و تلقت مساعدات و استثمارات بمئات المليارات من الدولارات! فما رأى الذين يتحَسَّرون على أيام مبارك في ضوء هذه الحقيقة الصادمة؟ ثم كانت طفرة أخرى في نسبة الإفقار في ظل برنامج الإصلاح الذى طبقته الحكومة بتمويل من صندوق النقد الدولى خلال 2016-2019. فقد قفز معدل الفقر من 27.8% في 2015 إلى 32.5% في 2018. و ليس هذا نهاية المطاف. ففي اللقطة القادمة نتابع.

حكمة اليوم: العدل أساس الملك

تهنئة: بذكرى الإسراء و المعراج 22 مارس، و بذكرى رفع العلم المصرى على طابا 19 مارس.

و تذكير: ب “ساعة الأرض” يوم السبت 28 مارس 8:30-9:30 مساء

 

 

التعليقات متوقفه