أمينة النقاش تكتب:الجوانب الطيبة للجائحة

506

ضد التيار
الجوانب الطيبة للجائحة
أمينة النقاش

إذا جاز أن يكون للكوارث فوائد، فقد كشف تفشي وباء فيروس كورونا ، جوانب الخلل في النظام الدولي بشرقه وغربه وشماله وجنوبه وفقرائه وأغنيائه ، كما سلط الضوء في الوقت نفسه على عناصر القوة ، التي مكنت بعض الدول من القدرة على المواجهة والعلاج ومنع تفشي الوباء ، وهي نفسها العناصر التي بدت غائبة عن الدول الغربية التي اجتاحها الوباء فأربكها وباتت بؤرته ، فقد ظهر الخلل متسعاً ومتعاظماً في الدول التي تمتلك أنظمة صحية متقدمة ، لكن الجانب الأكبر من تلك الأنظمة يديره القطاع الخاص ، وبدت في تلك اللحظات نمراً من ورق ، وهو الأمر الذي جعل الولايات المتحدة الأمريكية تصبح الآن أكبر الدول في حجم الإصابات والوفيات بسبب الفبيروس . تليها فرنسا ، بعد أن اجتاح الوباء إيطاليا التي باتت تتلقى دعماً من الطواقم والمعدات الطبية من كل من الصين وكوبا وروسيا الاتحادية.
بينما بدت الأنظمة الصحية التي تهيمن عليها الدولة أكثر قابلية وقدرة على التحكم في تفشي الفيروس ، وتقدم التجربة الصينية نموذجاً فذاً في هذا الجانب ، من حيث كفاءة التصدي للوباء ، وثقة المواطنين في النظام الصحي الذي تهيمن عليه الدولة وتديره ، وانتقال تلك الثقة من داخل الصين إلى خارجها بمساعدة الدول الغربية الكبرى في حرب المواجهة ، سواء في إيطاليا أو فرنسا ، ثم الإعلان مؤخراً عن تفاهم صيني ـ أمريكي ـ وآخر أمريكي ـ روسي في شأن أساليب المواجهة وجهود التوصل للقاح مضاد للفيروس ، وأدوية لمقاومته .
في مصر برغم الكلفة الاقتصادية الباهظة للتصدي لذلك الخطر ، بدت الحكومة المصرية في أحسن حال من حيث الاستعداد والتخطيط والتوازن والشفافية في الإجراءات المتخذة ، وبرغم أن النظام الطبي في مصر غير مشهود له بقدرات فائقة وليس في أحسن حالاته ، فقد تمكن أن يوظف طواقمه الطبية الموجودة ومعداته وأجهزته التوظيف الأمثل في حرب المواجهة ، لعل ذلك النجاح هو أحد أهم الجوانب الطيبة لتلك الأزمة ، التي زلزلت أفكاراً ثابتة ، تفقد الثقة في النظام الطبي المصري ، والحديث هنا عن المنظومة الصحية الرسمية المملوكة للدولة التي تستهدف حماية صحة المصريين ، بينما لا يسعى القطاع الطبي الخاص سوى للربح وتكديس الثروة ، بصرف النظر عن كفاءته أو إنعدامها .
فتحت أزمة فيروس كورونا الباب على مصراعيه لبحث ملف الطب والاطباء في مصر ، ولعل هذا أحد الجوانب الطيبة لتلك الأزمة ، التي نتمنى أن يبقى مفتوحاً بعد زوالها ، وجاء قرار الرئيس السيسي بزيادة بدل المهن الطبية بنسبة 75% عن القيمة الحالية للأطباء بالمستشفيات الحكومية والجامعية ، وإنشاء صندوق مخاطر للعاملين في المهن الطبية ، ليبشر أن الملف قد فتح بالفعل ليصبح بندا ثابتاً على جدول أعمال الحكومة لتقوية النظام الصحي الرسمي وتنقيته من الشوائب ، وعلاج نقاط ضعفه ، ووضع العنصر البشري من الأطباء والعاملين به في الوضع اللائق من حيث الأجر وظروف العمل وكثافته ومجالات التدريب ، وقبل هذا وبعده ، البحث عن الأسباب التي خلفت ظاهرة خطيرة هي هجرة الأطباء للخارج .
في الولايات المتحدة الأمريكية والدول الرأسمالية الأخرى ، يدور حديث جدي حول فشل القطاع الصحي الخاص في التصدي للجائحة ـ وهي كلمة تعني مصيبة كارثية ـ ، وترتفع المطالبات بألا يترك أمر الرعاية الصحية للمواطنين إلا في أيدي الدولة ، وهو الجانب الأكثر إشراقاً في الجائحة ، أن تعود الدولة بطلاً في التصدي للوباء بعدما قاد النظام الرأسمالي بكل قوته ، على الأقل ، منذ نهاية الحرب العالمية الثانية حرباً لهدم مؤسساتها ، دفاعاً عن الربح بلا ضوابط في السوق الحرة . !.

التعليقات متوقفه