المثقفون في الحظر.. ساعات من القراءة والكتابة

556

رشا سمير: الحظر جعلني في حالة ذهنية ونفسية أفضل
سيد الوكيل: المثقف كائن متعال علي إنسانيته.. وغريزة البقاء لا تتحكم في سلوكياته في الظروف العادية
إيمان مهران: حزينة بعض الشيء لأن لدي شعور بأن الكون سيفني بشكل درامي
أسامة البحيري: بطبيعتي كائن بيتوتي احب القراءة والكتابة واقضي ساعات كثيرة مع الكتب قارئًا ومؤلفًا

تحقيق: أمل خليفة
لكل منا مشاريعه المؤجلة التي لا يجد الوقت المناسب لتحقيقها، بسبب مشاغل الحياة ومشاكلها التي لا تنتهي، ولكن بعد فرض الحظر بسبب الخوف من انتشار الوباء المسمي علمياً “بكوفيدا19” أصبح لدينا المزيد من الوقت للتفكير في كل ما يتعلق بظروف حياتنا، وإن كنت عزيزي القاري تبحث عن الوقت فلم تجده فهو الآن متاح لك لتحقق مشاريعك المعلقة وفي هذا السياق كثير منا يريد أن يعرف كيف يستغلال المثقفون وقتهم في هذه الفترة الصعبة التي نعيشها الآن، ونتعرف أيضاً علي أول شيء يريدون فعله بعد عودة الحياة مرة أخري إلي مسارها الطبيعي.
“استراحة محارب”
قالت دكتورة رشا سمير، الكاتبة الروائية والصحفية، ان الحظر بدأ معي بتخوف كبير مثل أي إنسان في مصر معتاد على النزول من البيت بشكل يومي، والحقيقة انا أقوم بعمل ألف شىء يومياً، فلم اعتاد الراحة ولم اعتاد المكوث دون ان يكون في ذهني خطة لكل يوم وكيفية سيره ومن أين سأبدأ وأين انتهي؟، الحظر جعلني بمنتهى الصدق في حالة ذهنية ونفسية أفضل، أولا: تجمعت أنا واسرتي الصغيرة على مائدة الطعام من جديد وهو ما لم نعتده في الأيام العادية،
وأضافت سمير قائلة: بدأت اعيد أفكاري وحساباتي في هدوء، فاصبحت اكتب مقالي في الجريدة أو العرض الأدبي الذي اقدمه بشكل أسهل واكثر تنظيما، واخيرا اخرجت اكوام الكتب والروايات التي كنت انتظر ان يأتي الوقت لأقرأها في هدوء، وبصدق بشكل أكثر تركيزا وهدوءا، كما ان البحث أيضا في أروقة الكتب الذي كان يستغرقني عدة اشهر او سنة لكي يكتمل ثم أبدأ بعدها في كتابة أي رواية، بدأته بالفعل وهو ما اعتقد إنه سوف ياخذ وقتا أقل، وربما هذا يجعلني اقدم رواية لقرائي في وقت اقل، واليوم أصبح يجري بسرعة كبيرة ولا أستطيع اللحاق بتنفيذ كل ما خططت له رغم من طول فترة الحظر. ولكنني أراها مثل استراحة المحارب التي لابد ان يستغلها كل منا في تحقيق أقصى إفادة وأقل تذمر. وفيما يتعلق بأول شىء سوف تقوم به سمير عقب فك الحظر. قالت دون تفكير، سوف اذهب إلى امي وأحضنها وأقبلها لأنها بحق وحشتني.
“الهواجس المقلقة”
وعلي جانب آخر أضاف الناقد والكاتب الروائي سيد الوكيل قائلاً: بصدق شديد في البداية كنت أعتقد أن التواصل مع الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي هو الذي يقوم بالتشويش الذهني فابتعدت عنه وانتقلت إلي متابعة التليفزيون، وهذا تفسيره إنه بالفعل هناك هواجس مقلقة بالداخل نحن عاجزون عن السيطرة عليها. في الوقت نفسه بحاول اجتهد إني أشتغل وأقرأ ولكن وجدت إنني لا أستطيع أن أصمد أكثر من ساعة وبعد ذلك “أفصل” بأسلوب خارج عن إرادتي، فنحن في مناخ عام الحقيقة تفسيره في رأيي هو أحساس الإنسان بأن الحياة أهم من الثقافة ومن الفن والأدب ومن كل شيء اخترعه البشر، فالآن يوجد تحفظ داخلنا حول فكرة غريزة البقاء التي تنشط داخلنا فنحن كبشر بالتحديد في العادي لا نعيرها أى اهتمام والحيوانات تنتبه بشدة إلي غريزة البقاء التي تتحكم في كل سلوك تقوم به، ولكن في مثل هذه الظروف تنشط داخلنا جداً وتتحكم فى كل سلوكياتنا ففعلاً لا أستطيع أن أقول إنني أستطيع أن أمارس القراءة والكتابة بأريحية في مثل هذا الظرف مستحيل، فهذا يعني إنني مدع.
العمل الثقافي والعمل السياسي بالتحديد من الأعمال التي تقتل الإنسان من داخله، فالناس لديها فهم خاطئ ان المثقف كائن راق ونبيل وعظيم ومتعاطف مع البشرية، ولكن الحقيقة ان المثقف كائن متعال علي إنسانيته، فالإنسانية الفطرية هي أن أكون رجلا عاديا يقوم بشراء حاجاته ويعود إلي منزله يجلس مع زوجته وأولاده ولكن أنا لا أعرف أن أقوم بهذا طوال الوقت، لذلك فأنا محروم من ممارسة دور الإنسان من داخله، ولكن في مواقف مثل التي نعيشها الآن يظهر الإنسان العادي، ولو قومنا بقمعه نصبح “غير آدميين”.
وحول وقت الفراغ الطويل المتاح الآن للمبدع تحديدا وللمثقف بوجه خاص أضاف الوكيل قائلاً: ان وقته موزع بين الشتات فأي وقت غير مثمر وغير منتج يعتبر “سديم” أي ليس له أول ولا آخر فالساعة وتواريخ الأيام لم تصبح موجودة لدي في الذاكرة فلا بسأل عن الساعة ولا عن مواعيد فلا أهتم بمواعيد نوم أو استيقاظ أو لماذا نمت أو استيقظت فالفكرة أن العزلة التي نعيشها تجسدت فأصبحت عزلة داخلية، رغم إنني موجود في بيتي وسط أولادي وليس هناك تغيير كبير، لكن الأحساس بإن شبح الموت مترصد خارج الباب ينتظرني والإنسان أصبح يحصي ماذا أكل وشرب والأشياء التي قام بلمسها.. إلخ هذا الشعور يجعلنا نسقط من حسابتنا الزمن وقيمة الزمن وماذا أنتجنا أو فعلنا أو كسبنا فهل هذه حالة سيئة ومدمرة نفسيا؟ وهل سنستطيع أن نتجاوزها بعد ذلك أم سيقع بعض الناس في براثنها؟ وهذا هو الخطر لأن هناك اناس ستخرج من هذه التجربة بتشوهات نفسية كثيرة علي حسب قوة احتمال الإنسان.
وحول ما إذا خرجنا من هذه المحنة علي خير أكد الوكيل علي إن أول ما سوف يقوم بفعله هو النزول لمقابلة أصدقائه، فالحرمان مؤلم في حياتنا والعزل في كل الأحوال ما هو إلا سجن حتي لو كان في منزلك ووسط أولادك.
“الوسائط الإعلامية الرقمية”
وفي نفس السياق، أكدت دكتورة إيمان مهران أستاذة الثقافة المادية بأكاديمية الفنون انها مازالت تقوم بتجهيز مؤتمر المرأة الأفريقية بالإضافة إلي تدريس المحاضرات عبر الإنترنت في ثمانية عشر مادة لذلك فاليوم مشحون للغاية بالنسبة لها، وهناك الكثير من الأمور المتعلقة بالدراسة حول فكرة التعليم عن بعد مازالت معلقة ويتم بشأنها بعض الاجتماعات والمشاورات، فحتي الآن العمل في الجامعة مازال مفتوحا بالنسبة لهيئة التدريس علي الأقل ثلاثة أيام في الأسبوع.
وأضافت مهران، وحتي 6 و7 إبريل سأظل مشغولة في استقبال الأعمال حوالي 70 بحثا أقوم علي التحكيم فيها. وفيما يتعلق بما يحدث في ظل فيروس كورونا أري ان هناك استعبادا افتراضيا للبني آدم وأن ما يحدث شيء سيئ للغاية لأنه فيما يتعلق بالتواصل سوف نفقد أشياء كثيرة جدا، حيث يوجد بين البشر آليات للتواصل سوف نفقدها مثل أحتكاك البشر فيما بينهم والحديث المباشر فيما بينهم، وهذا يتعلق بفكرة الإنسانية نفسها فالآن الشخص يستطيع أن يرسم نفسه عبر وسائل الإعلام بطريقة معينة وكأن هذه هي حقيقته، أما بالنسبة للثقافة أحب أن أشيد بوزارة الثقافة لأنها أنشأت قناة خاصة بها ستقوم بعمل محترم لأن الشعب كان مظلوما بالنسبة لقنوات الاتصال فمثلاً معظم الفاعليات الثقافية مثل الأوبرا وغيرها موجودة في المدن الكبيرة وليست موجودة في النجوع البعيدة والقري، فالإنترنت سيخدم الجميع، فمثلاً حفلة الموسيقار عمر خيرت في ساعات بسيطة وصل لرقم 50 ألف مشاهد في ساعات بسيطة فالشعب يحتاج ان تكون الثقافة في متناول الجميع.
وأضافت مهران، أنا حزينة بعض الشيء لأن لدي شعور بإن الكون سيفني بشكل درامي. ومع ذلك تعاملنا مع الأمر لم يشوش علي أدائي اليومي ولكن ما يشوش علي تفكيري هو ما يحدث في أوروبا في ظل كورونا فرغم إن سياسات الدول الغربية قاسية إلا أن الشعوب نفسها بتحب الحياة فما يحدث في إيطاليا شيء محزن فهذه الدولة قدمت للعالم فن الأوبرا وقدمت للعالم المتاحف الرائعة، رغم إن روما كدولة استعمارية كانت دولة قاسية جدا علي مصر وعلي غيرها إلا أنها لها فضل في النهضة الأوربية فالانهيار الدرامي الذي يحدث في الغرب سيئ للغاية وخاصة لمن يحب الفنون فبالتأكيد بيحب المدرسة الغربية لأن لها فضل علي الإنسانية وبالتأكيد الوضع مقلق جدا في فرنسا وفي ألمانيا مؤلم جدا.
وأكدت مهران، أن مسألة الإنسانية عدت بنا مرحلة الأنا، وجعلتنا نضع نقطة ونبدأ من أول السطر ونعيد حسابتنا مرة أخري. وهناك ملحوظة مهمة فيما بعد كورونا هل علاقتنا بالثقافة في ظل وجود الوسائط هل ستغير من المساحة أم ستغير من نوع العمل نفسه؟ لأننا سنقع في مشكلة وهي إنه سابقاً كان المنتج الورقي له جمهور، حالياً أصبح المنتج إلكترونيا، وكنا نكتب في مجلات مطبوعة حاليا نكتب في مجلات إلكترونية وسوف تطغي الرقمنة. فهل هذا سيؤثر؟ بالطبع وهذا شيء يفرحني أنا دائما أتعاطف مع الشباب واستهدف هذه الفئة حتي في الباحثين وأول ما اتوقف نشاط وزارة الثقافة أصدرت علي الفور قرارا بعد الرجوع لرئيسة المؤتمر أن يكون المؤتمر عن بعد فبدلاً من يأتي إليّ 50 شخصا في قاعة “ثروت عكاشة” بالعمرانية سيأتي إليّ 500 ألف عبر الوسائط الرقمية، فالوسائط الإعلامية الرقمية فضائها أوسع ولكن لها فاتورة أكبر كما سبق وذكرت وهي التعامل الإنساني المباشر بين البشر.
” المبادرات الثقافية”
و أتفق دكتور اسامة البحيري أستاذ النقد والبلاغة بجامعة طنطا مع دكتورة رشا سمير بقوله “ربما تكمن المنح في المحن” قائلاً: أنا بطبيعتي كائن بيتوتي احب القراءة والكتابة واقضي ساعات كثيرة مع الكتب قارئا ومؤلفا؛ وكم سببت لي الكتب مشاكل كثيرة مع زوجتي الحبيبة؛ لذا فأنا لا اتململ من فترة الحظر الصحي مهما طالت إلا من أمر واحد وهو الانقطاع عن حضور الندوات والمؤتمرات العلمية والثقافية .
واستغل فترة الحظر في إعداد محاضرات لطلابي وطالبات كلية الآداب جامعة طنطا؛ واتجاوب معهم بوسائل التواصل الحديثة ؛ واعدت تنقيح كتبي ورفعتها كاملة على صفحة مخصوصة لي على موقع ريسيرش جيت researchgate ليستفيد منها القراء وطلاب العلم في أنحاء العالم. كما اعمل حاليا في إنجاز عدد من الكتب التي بدأتها قبل فترة وما زالت مفتوحة.
وفي فترة الحظر دشنت مبادرة ثقافية وإبداعية لنشر الإبداع المصري والعربي على صفحة اتحاد كتاب مصر فرع الغربية الذي أشرف برئاسة مجلس إدارته ؛ وحظيت المبادرة بإقبال كبير من المبدعين والمبدعات في مصر والعالم العربي.
فحقا ربما تكمن المنح في المحن.

التعليقات متوقفه