14 مليون عامل غير منتظم يدهسهم قطار كورونا

921

“افتراش الميادين لم يعد متاحا.. مفيش فلوس معايا.. مش عارف أصرف على بيتي”.. عبارة مؤلمة يرددها العاملون

وزير القوى العاملة: تسجيل الأعداد مستمر والصرف عقب تدقيق البيانات

نيازي مصطفى: النقابات العمالية عليها دور رئيسي لتخفيف معاناة هذه الفئة

محمد وهب الله: العمالة غير المنتظمة الأولى بالرعاية في ظل الأزمة الحالية

تحقيق: محمد مختار

طبقا لاحصائيات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، فإن عدد العمالة غير المنتظمة بالمحافظات المختلفة لا يقل عن 14 مليون عامل، يمتهنون أنشطة مختلفة، فمنهم من يعمل في  المقاولات والبناء، وأخرون يعملون في الصيد، وعمال التراحيل، وباعة جائلين وفي الزراعة، ولكنهم يشتركون جميعًا في شئ واحدة وهو صعوبة الحصول على ” لقمة العيش”، ولكن في ظل الأزمة الحالية، وانتشار فيروس كورونا بجميع دول العالم، فإن الوضع أصبح بالنسبة لهم “كابوس”، ومعاناة إضافية فى ظل ما يشهدونه يوميًا.

لم تعد هذه العمالة تجد عملا في هذه الفترة، فافتراش الميادين لم يعد مسموحًا، وأعمال المقاولات تأجل بعضها لحين انتهاء هذه الأزمة، وفي ظل عدم وجود مظلة تأمينات اجتماعية وصحية، أو جهة محددة تتلقى منها هذا الفئة راتبا شهريا ثابتا، فإن الأمر أشبه بالكارثة لهم.

“أن تأتي متأخرًا أفضل من أن لا تأتي”، هو ما قامت به الحكومة، ووزارة القوى العاملة، وذلك بتدشين لتسجيل بيانات هذه العمالة، حيث كان يجب أن تكون الوزارة قد انتهت من هذه العملية فى الفترات الماضية، طبقا لتوجيهات الرئيس عبد الفتاح السيسي الخاصة بهذا الأمر لإيجاد مظلة حماية اجتماعية وصحية لهم، ولكن الوزارة أعلنت مؤخرًا عن صرف منحة 500 جنيه لكل عامل غير منتظم وتخصيص موقع الكتروني لتسجيل العمالة اليومية عليه تمهيدًا لصرف هذه المنحة، بالإضافة إلى العمالة غير المنتظمة المسجلة لديها على قاعدة البيانات بمديريات القوى العاملة على مستوى الجمهورية.

وقد شهدت عملية تسجيل البيانات هجوما كبيرًا من هذه الفئة، وهو الأمر الذى أدى إلى إيجاد  صعوبة كبيرة ومشاكل فى عملية التسجيل، بالإضافة إلى استغلال البعض لهذه الأزمة للترويج لهم، أو بمقابل مادي للخدمة التي أطلقتها الوزارة بالمجان.

“الأهالى”، استمعت لمعاناة بعض هذه الفئة من العمالة، ورصدت بعض مشاكلهم فى عملية التسجيل.

تخفيض العمالة

يقول “حمادة أبو زيد”، من محافظة أسيوط، والذي كان يعمل في مزرعة تربية دواجن وترك عمله، بعد استغناء صاحب العمل عن عدد كبير من العمالة لديه بعد انتشار فيرس كورونا، فيؤكد أنه ليس لديه أي مصدر دخل آخر ينفق منه على عائلته المكونة من أبيه وزوجته وثلاثة أبناء في مراحل التعليم المختلفة.

تابع أبو زيد، ” بحثت عن فرص عمل كثيرة خاصة أنني خريج معهد خدمة اجتماعية فوق المتوسط ولكن كل الأبواب أغُلقت في وجهي”، خاصة أن الكثير من أصحاب الاعمال خفضوا عدد العمالة لديهم في ظل الظروف التى تمر بها البلد حاليًا وأصبحت بلا أي مصدر للدخل، وأضطرت إلى ارسال بياناتي عبر الموقع الالكتروني الذي حددته وزارة القوى العاملة للعمالة غير المنتظمة في انتظار صرف المنحة التى حددتها لعلنا نجد ” أي لقمة عيش ” تعيننا على تحمل الظروف الصعبة التى نعيشها حاليًا.

استغناء عن العمالة

“نوايا تسند الزير وأي حاجة تجيب عيش حاف للاولاد .. فأنا مسئول عن اسرة مكونة من 6 أفراد لاتطلب شيئًا أكثر من الحصول على اساسيات الحياة من توفير لقمة عيش فقط”،  سكت قليلًا عم وائل صاحب الـ51 عامًا من محافظة بني سويف ليستجمع قدرته على الحديث مرة أخري،  ثم استكمل ” كنت اعمل طباخا باليومية في أحد المطاعم اشتغل يوم وعشرة لاء ” ولكن مع الظروف الحالية تم الاستغناء عن الكثير من العمالة في المطعم وكنت منهم ولم يعد لدينا أي مصدر دخل أخر بعد توقف المرتب التى كنت أحصل عليه .. ولدي أربعة أبناء معظمهم في سن الدراسة.. وعلمت أن وزارة القوى العاملة خصصت 500 جنيه للعمالة اليومية وبالفعل توجهت إلى أقرب ” سايبر” في قريتنا وقمت بإدخال البيانات المطلوبة وفي انتظار صرف المبلغ المحدد.. ولكن لم يتواصل أحد معانا حتى الآن.

سكت لبرهة مرة أخري وعلامات “الهم” الذي يحمله فوق كتفيه تظهر في نبرات صوته ليعود لاستكمال حديثه مرة أخري فيقول إننا في انتظار عملية الصرف التى أعلنت عنها وزارة القوى العاملة على أمل ان تساعدنا هذه الاموال على المعيشة خلال الفترة القادمة لعل ” الغمة تنزاح قريبًا” ونعود مرة أخري للبحث عن عمل آخر باليومية ننفق به على أسرنا البسيطة.

إجازة بدون مرتب

أما أسرة مروان علوي فظروفها ليست أفضل كثيرًا من ظروف باقي أسر العمالة غير المنتظمة، فعائلها الوحيد كان يعمل في  إحدي شركة أمن ضمن العمالة المؤقتة والتى تم التضحية بهم مع بداية أزمة فيرس كورونا، وطلبوا منهم الحصول على إجازة “بدون مرتب” لحين تحسن الأوضاع ..”ليس لدينا أي دخل آخر وانا العائل الوحيد لأسرتي المكونة من زوجة وبنتين، لم يتبق معي سوى بضعة جنيهات فقط لاتكفي سوى أيام قليلة لشراء احتياجتنا الضرورية من الطعام، نضع أملا كبيرا على المنحة التى حددتها الوزارة ولكن لانعرف متي سيتم صرفها حتى الآن، ولكنها ستفرج علينا في الايام القادمة حتى نجد مصدر رزق آخر”.

معاناة عمال  التراحيل

وأما “مصطفي .ي”، 36 عاما، حاصل على معهد خدمة اجتماعية، من دشنا بمحافظة قنا، فيقول، وبحثت كثيرًا على أى عمل فى محافظتى ولكن لم أجد، وسافرت مع العديد من أبناء قريتى إلى القاهرة، وأسكن فى شقة بها 8 أشخاص لتقليل التكاليف وهى المتاحة لنا الان، مضيفًا تقدمت لأكثر من مرة للوظائف التى تعلن عنها وزارة القوى العاملة ولكن دون جدوى، وأريد أن أعمل بالخارج ولكن شركات توظيف العمالة تطلب مبالغ كبيرة لا استطيع التصرف فيها.

تابع مصطفى، والمتزوج ولديه طفلين، ووالدته تقيم معه في المنزل، منذ هذه الأزمة، وانا  لم أجد عملا، ولا أعرف كيف أقوم بالصرف على “أهل  بيتي”، متابعًا “قمت بالتسجيل تبع وزارة القوى العاملة لانتظار المكافأة حتتى تعود المياه لمجاريها مرة أخرى، أو أجد عمل منتظم”.

تدقيق البيانات

أكد وزير القوى العاملة محمد سعفان، أنه تم تسجيل ما يزيد عن 750 ألف عامل ضمن العمالة غير المنتظمة على الموقع الإلكترونى للوزارة، مضيفًا أن التسجيل مستمر والعدد آخذ في الزيادة بصفة دورية، وأنه سيتم إرسال بياناتهم للأجهزة المعنية لتدقيق هذه البيانات، ثم عرضها على لجنة تم تشكيلها من قبل الوزراء لوضع آليات الرعاية لهذه الفئة من العمالة.

وأكد  الوزير أن المرحلة التالية للتسجيل، هو تدقيق بيانات العمالة التي تقوم بالتسجل أولا بأول، تمهيدا للنظر في رعاية هذه الفئة لرفع العبء عن كاهلهم في ضوء الظروف الاستثنائية التي تمر بها البلاد، وما تعانيه العمالة غير المنتظمة التي لا تؤمن دخلا ثابتا، وذلك في إطار الاهتمام الكبير من جانب القيادة السياسية، وخطة  الدولة الشاملة لحماية العمالة غير المنتظمة من أي تداعيات لفيروس كورونا.

وشدد وزير القوى العاملة على ضرورة قيام العمالة غير المنتظمة بالإسراع بتسجيل أنفسهم باعتبار أن تسجيل بيانات هذه الفئة هو الأساس لصرف المنحة الاستثنائية.

وأشار سعفان إلى أن الوزارة بدأت بالفعل عملية الصرف لحوالي 120 ألف عامل من المسجلين لديها من قبل قاعدة بيانات العمالة غير المنتظمة على مستوى محفاظات الجمهورية، حيث يتم صرف 500 جنيه لكل عامل، ويتم الصرف من خلال مكاتب البريد حيث تم تحويل الأسماء والمبالغ المحددة

وأوضح سعفان أنه ستتم عملية الصرف لكل العمالة في المهن والقطاعات المختلفة بدون أي استثناء سواء عمال التراحيل أو الباعة الجائلين أو العاملين في الزراعة أو الصيد، والعمالة اليومية والمؤقتة غير المؤمن عليها والتي فقدت وظيفتها بسبب الاحداث التى نمر بها في الوقت الحالي.

دور النقابات العمالية

وقال نيازى مصطفى خبير التشريعات العمالية، ومستشار وزير القوى العاملة السابق، إن فكرة تسجيل بيانات العمالة غير المنتظمة الكترونياً ليست الفكرة الأفضل للتعامل مع هذه النوعية مع العمالة، مضيفًا ولكننا نضطر إليها، حيث أنه لا يوجد بديل أخر فى ظل  الظروف التى نمر بها الان، ضمن الأزمة الأزمة فى مواجهة كورونا.

وتابع خبير التشريعات العمالية، أن عملية تسجيل بيانات العمالة غير المنتظمة كان متاحًا خلال الفترات الماضية، ولكن تم الانتظار حتى حدثت أزمة، وتم التسارع على التسجيل، مضيفًا أن وزارة القوى العاملة منوط إليها  رسم سياسة تشغيل العمالة غير المنتظمة، ويتم حصرهم، وتقوم بصرف مبالغ مالية لهم فى أربع مناسبات على مدار العام.

وقال مستشار وزير القوى العاملة السابق، إنه كان يجب على العمالة غير المنتظمة أن تكون انتهت من تسجيل بياناتها فى المديريات التابعة للوزارة، منذ شهور مضت، ولكن عند حدوث الأزمة الحالية وتوقفت الأعمال  بالكامل، بدأو فى السعي للتسجيل.

وطالب “مصطفى”، النقابات العمالية، بضرورة القيام بدورها فى هذا الأمر، من خلال المساعدة في حصر هذه الفئة، من خلال قواعدها بالمحافظات المختلفة، موضحًا أن هذه النقابات تستطيع أن تتيح لهذه الفئة من العمالة تواجد فى مقراتها المختلفة، وبآلية تعمل على منع التزاحم، وتتولى النقابات العامة من واقع ما تملكه من بيانات عملية التسجيل لهذه الفئة من العمالة.

فئة أولى بالرعاية

ومن جانبه، أكد محمد وهب الله، الأمين العام للاتحاد العام لنقابات عمال مصر، وعضو لجنة القوى العاملة بمجلس النواب، أن العمالة غير المنتظمة، هي الأولى بالرعاية الان، في ظل أزمة كورونا وتقف الأعمال، موضحًا أن مجلس الوزراء قام بتشكيل مجموعة عمل للتعامل مع هذه الأزمة، وأنه يتم الان تسجيل بياناتهم ثم مراجعتها مع وزارة التضامن الاجتماعي، وبدء صرف المنحة المقررة لهم، مؤكدًا أن هناك اهتماما كاملا من الدولة لانجاز هذا الأمر.

وتابع وهب الله، أن إيجاد مظلة تأمينات اجتماعية دائمة بدأت بالفعل فى القانون 148 لسنة 2019، والخاص بالتأمينات الاجتماعية، عندما تم إقرار أن الحكومة هى صاحب العمل الاصلي للعمالة غير المنتظمة، وهى من ستتحمل قيمة الاشتراك الأصلي والبالغة 11%، حتى تكون هناك مظلة تأمينات اجتماعية وصحية لهم.

وأضاف وكيل لجنة القوى العاملة، أنه يتم تلقي التبرعات من كل الجهات تحت اشراف صندوق تحيا مصر خاص ان هناك الكثير من النقابات العمالية ورجال الأعمال والهيئات والمؤسسات التي بدأت بالفعل في التبرع من أجل صرف اعانات لهذه العمالة تعينها علي تحميل الظروف التي تعاني منها البلاد في الوقت الحالي.

التعليقات متوقفه