الوباء و أزمة 2008

ترجمة مارك مجدي

769

الوباء و أزمة 2008
ترجمة مارك مجدي
*بقلم يانس فاروفاكيس المفكر الاقتصادي و وزير مالية اليونان المستقيل من حكومة سيريزا

لم تنته الأزمة الاقتصادية في 2008 قط, و لا يجب أن يقنعنا أحدهم بغير ذلك, لقد أخذت اشكالاً متعددة و أنتقلت من قارة إلي أخري, و لم تعد الرأسمالية ألي ما كانت عليه قبل الأزمة حتي وقتنا هذا هي الرأسمالية ذاتها . الأزمة لا زالت مستمرة و فيروس كورونا يسرع تفاقماتها يوماً بعد يوم.
هل تعافي الاقتصاد العالمي من أزمة 2008 حقاً؟
إذا نظرنا بتمعن ندرك أن التعافي من الازمة الذي بدا عام 2010 و 2011 لم يكن سوي تعافي ظاهري, كان الحل السحري بالنسبة للحكومات و البنوك المركزية لأعادة بناء دورات رأس المال هو ببساطة أن تتطبع الأموال بكميات هائلة و أن تلقي بها تحت أقدام الشركات الكبري التي امتلكت اموالاً طائلة بدورها, وبالفعل بدأت هذه الشركات في اقتراض الاموال من البنك الفيدرالي الامريكي علي سبيل المثال بفائدة تقترب قيمتها من الصفر بالمئة. أدي ذلك الي استقرار ظاهري في الأوضاع المالية و جريان في الدورة الاقتصادية, و في نفس الوقت تفريغ مصادر تمويل الصحة و التعليم و الخدمات العامة في معظم الدول, و الصحة بالاخص كانت في اسوأ اوضاعها عشية ظهور الفيروس.
ظهر الفيروس في وضع تجد فيه الرأسمالية العالمية نفسها جالسة علي فقاعة عملاقة من الديون المالية الكبري, و ليس المشكلة في هبوط أسواق الأوراق المالية, المشكلة أن الاجراءات التي اتبعت سابقاً لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تعيدنا الي المرحلة السابقة عن ظهور الفيروس. لقد فجر كورونا الفقاعة التي كانت تجلس عليها الرأس مالية المالية.
ما هي الوسائل الدفاعية المتاحة الأن مقارنة بالأزمة السابقة؟
في الأزمة السابقة كان هناك عاملان رئيسيان في بناء هذا التجاوز الظاهري و هم الأحتياطي الفيدرالي الامريكي و الصين.
بالتأكيد لعبت الحكومات و البنوك المركزية دوراً رئيسياً لاحقاً و استكملت مهمة تحويل الخسائر العملاقة من البنوك الخاصة الي دافعي الضرائب و هم الطرف الأضعف, و لكن كان الاحتياطي الفيدرالي و الصين هم العامودين الذان حافظا علي الرأسمالية المالية, و الأن كل من الصين و الإحتياطي الفيدرالي يعانيان من الإستنزاف, فالصين التي شهدت انطلاق الفيروس تعاني من عدم القدرة علي إنتاج القيمة الاقتصادية حتي لو لو لمدة محددة, فقد تقلص معدل النمو الي ما دون الصفر بسبب العزل الصحي في وهان و بعض الأماكن الاخري, علي عكس الوضع في الأزمة السابقة, فالصين ليست في الوضع الذي يسمح لها أن تقوم بالدور الذي لعبته في دفع إجمالي معدلات الطلب علي مستوي العالم و خصوصا في قطاع المستلزمات الطبية الذي نحتاجه الأن.
أما بالنسبة للأحتياطي الفيدرالي الأمريكي فمن الممكن أن يعيد القفزة الهائلة مرة أخري, فكما يعرف الكثيرون, في 2009 قام البنك الفيدرالي بتوسيع ما يسمي ب”خطوط التبادل” للدولار للبنوك المركزية للدول الكبري, لقد وعد بأن يوفر كل ما تحتاجه هذه البنوك لتغطية مخزونها من الدولار الذي تبخر في الهواء. فقام بضخ تريلولنات من الدولارات المطبوعة دون حساب لصالح البنوك المركزية في إنجلتر و اليابان و الاتحاد الأوروبي و الصين.
لكن هناك مشكلتان تقف حائلًاً أمام فاعلية هذه الاجراءات الأن , الأولي هي عدم قدرة هذه الاجراءات علي استرجاع القدرة علي الاستثمار في مختلف القطاعات التي عانت بالفعل حتي قبل الضربة التي سببها الوباء.و الثانية هي وجود دونالد ترامب في البيت الابيض, هل سيقف ترامب متفرجاً أثناء توفير البنك الفيردالي لخطوط التبادل الدولارية لصالح ألمانيا أو البنك المركزي الأوربي أو الصين؟
أخشي أنه سيستخدم هذا الأجراء كأسلوب للضغط و التفاوض, و هذا الأسلوب التفاوضي سيقلص كفاءة خطوط التبادل الدولارية, يبدو الأمر كمسألة تقنية و لكنه ليس كذلك علي الاطلاق, أنه مسألة استخدام للقوة المفرطة التي عودنا عليها ترامب.
في 2009 أستخدم البنك الفيدرالي الاحتياطي الخاص به للحفاظ علي الرأسمالية المالية في جميع أنحاء العالم, لكن ما يبدو لي و لكثيرين أخرين أنه لن يسعي لذلك الأن, و في هذه الحالة ستكون التداعيات سهلة التوقع, ستتعمق الأزمة أكثر من أي وقتاً مضي بتعمق حالة الركود الذي سيؤثر إجمالاً علي حياة البشر من هونج جونج إلي انجلترا و كافة أنحاء العالم.
دروس من وافع الأزمة
هناك درسان مستفادان من هذا التطور الأخير في الاقتصاد العالمي, الأول هو أهمية النظم الصحية العامة, و الثاني هو ضرورة استخدام السياسيات المالية لصالح الجميع و ليس لصالح القلة. 

في مجال الصحة نلاحظ أن مقدمي الخدمات الصحية الخاصة يتبرئون من مسئولياتهم في جميع أنحاء العالم كالفئران التي تقفز من السفينة الغارقة. تراجع الحديث الذي صدع أدمغتنا عن دور القطاع الطبي الخاص في توفير الخدمة بفعالية أكبر من نظيره العام, و أصبح الجميع يتحدث عن دور القطاع العام كما لو كان القطاع الخاص غير منوطاً بالتعاطي مع الأزمة. وسائل الأعلام التي ألحت بمختلف توجهاتها علي ضرورة الشراكة بين القطاع الخاص و العام و أهمية تحويل الأموال الي دعم القطاع الخاص بدلاً من استئثار القطاع العام بالتمويل الحكومي قبل الأزمة, هي ذاتها الأن التي تركز علي دور القطاع الصحي العام و الأزمات التي تلحق به و ضرورة دعمه لمواجهة أثار الوباء.
أعتقد أن الوقت الأن يسمح بأن أصرح بالتالي: إن كل سنت يصرف علي تمويل القطاع الطبي الخاص يحرم البشرية من قدرتها علي التعامل الضروري مع الأوبئة و الأمراض المعدية, الأن لا يوجد ما يدعم دور هذا القطاع و لا يبرر بقاؤه و لا الأموال التي تتدفق إليه, لقد حان الوقت للقضاء عليه بالكامل. هذا القطاع لم يعد يؤدي دوره حتي بالمعايير النيو ليبرالية, و هذا يتضمن بالتأكيد أنظمة التأمين الصحي الخاصة التي لا تستوعب بأي حال من الأحوال متطلبات البشر العادية في العلاج.
أما في السياسة المالية, من المثير للأهتمام متابعة ما قالته كريستين لاجارد رئيس البنك المركزي الأوروبي,التي فشلت تماماً في تهدئة السوق و إظهار نوايا البنك في بذل المستطاع لحماية الأسواق و استقرارها من خلال مؤتمر صحفي لم يلقي المتابعة المرجوة, قالت ما يعني أن البنك أستنفز ما يملكه علي مدار العشر سنوات السابقة ;تعويم الأسواق المالية , معدل فائدة سلبية -0,5. بالأضافة لشراؤه الديون الخاصة قدر استطاعته. نظرت الي وزراء المالية الأوروبيون و قالت أن الأمر بين يديهم الأن.
ماذا حدث في اجتماع وزاء مالية الأتحاد الأوروبي ؟ ..بالتأكيد أكد المجتمعون علي الفيديو كونفرانس أن وباء كورونا يشكل الخطر الأكبر علي الإقتصاديات الأوربية التي تعاني من الركود. ثم لم يفعلوا شيئاً علي الأطلاق سوي المراقبة.
و هذا يتسق تماماً مع البنية التي بنيت عليها منطقة اليورو التي جعلت منها مجرد “طيار ألي”, فهي منظومة لها هدفاً واحداً و هو منع الحكومات من التدخل في الاقتصاد لصالح المجتمع.
إن ضعف الصين و وجود دونالد ترامب ف البيت الأبيض و بنك مركزي أوروبي مستنزف هو الوضع الأن في عالم يجتاحه وباء سريع الإنتشار.

التعليقات متوقفه