محمود دوير يكتب:سناء جميل … ست الحزن والإبداع

910

هى فنانة إستثنائية جدا بنفس درجة آداؤها المُلهم والعبقرى والمختلف كانت حياتها وإختياراتها وإنحيازاتها أيضا مليئة بالتحديات والصعاب..منذ بداية مسيرتها رفعت شعار “لا صوت يعلو فوق صوت الفن ” دفعت ثمنا باهظا لهذا الإختيارعرفت الألم والوحدة وقسوة الأهل مبكرا وكانت قوتها الظاهرة تخفى دائما شجن وحزن دفين..

سناء جميل

تُمثل “سناء جميل ” بكل تفاصيل حياتها الفنيه ومسيرتها الحياتيه نموذجا للفنان الإستثنائى فقد جمعت بين موهبة طاغيه وإختيارات جريئة ومتمردة..كانت شخصية “نفيسة ” فى رائعة صلاح أبو سيف “بدايه ونهايه ” نقطة البداية الحقيقة ومولد ممثله أطلق عليها بعد ذلك “غول التمثيل ” وربما لعبت الصدفة دورا فى ذلك عندما رفضت “فاتن حمامة ” أن تلعب هذا الدور خوفا على شعبيتها ثم كانت مشاركتها المميزة فى فليم “الزوجة الثانيه ” لتضع “سناء جميل ” نفسها فى مصاف كبار نجوم التمثيل ولعل جمهور الفن لا يمكن أن ينس شخصيه “فضه المعدواى ” فى مسلسل “الرايه البيضا ” للكاتب أسامة أنور عكاشة والمخرج محمد فاضل

يمثل هذا التنوع فى إختيار الأدوار مصدرغنى لمشوار الفنانه التى جمعت بين ثقافة شديدة الرقى والرفعه وبين مخزون حياتى مكنها من تجسيد شخصيات متعددة وبعيدة تماما عن طبيعة حياتها.

النشأة والصدام المبكر

فى 27 أبريل 1930 وفى نفس العام الذى أنتج المخرج”محمد كريم” أول فيلم مصرى ” زينب ” ولدت “ثريا يوسف عطا الله” فى مركز ملوي بمحافظة المنيا لأسرة أرستقراطيه كان والدها يعمل محامي فى المحاكم المختلطة – التى ألغيت عام 1936- أما والدتها فكانت خريجة كلية البنات بالجامعة الأمريكية بأسيوط مما يعنى أن إهتمام الأسرة بتعليم أنبائها وبناتها كان أصيلا

قبل الحرب العالميه الثانية إنتقلت الأسرة إلى مدينة القاهرة والتحقت الفتاة الصغيرة بمدرسة “المير دي دييه” الفرنسية الداخلية وكان عمرها 9 سنوات، ظلت داخل المدرسة الفرنسية حتى المرحلة الثانوية، وشاركت خلال سنوات الدراسة في العديد من المسرحيات باللغة الفرنسية

ونظرا لشغفها بالفن قررت الإلتحاق بالمعهد العالي للفنون المسرحية دون علم شقيقها وكان رد فعله عنيف حين علم بذلك حيث قرر طردها إلى الشارع وأعلنت عائلتها التبرؤ منها فلم تجد سوى بيت الفنان “سعيد ابو بكر” الذى رحب بها وقضيت عدة أيام فى منزله بصحبة زوجته

هذا الموقف صنع لديها شعور دائم بالقلق والتحدى فى آن واحد ووضع أمامها هدف لا بديل عنه وهوالسعى لإثبات موهبتها وتحقيق النجاح وساعدها على ذلك احتضان الفنان ” زكي طليمات” لها وكان عميدا لمعهد التمثيل آنذاك وألحقها بفرقة “المسرح الحديث” التي كوّنها وإختار لها الإسم الفنى “سناء جميل ” الذى عرفها الجمهور به حتى آخر لحظة من مشوارها كما قرر أجر شهرى لها وهو 6 جنيهات، وأسكنها في بيت الطالبات.

وفى منتصف الستينيات تعرفت على الصحفى الشاب ” لويس جريس ” وجمعتها قصة حب انتهت بالزواج وساهم وجود الكاتب الكبير “لويس جريس ” بدرو كبير فى دعم موهبتها واستعادة توازنها الإجتماعى والنفسى وهذا ما أكدته “سناء جميل “فى العديد من المناسبات.

مشوار من التميز الفنى:تخرجت من المعهد وعملت مع فرقة” فتوح نشاطي ” المسرحية و قدمت عدة أدوار سينمائية خلال فترة الخمسينات لكن البداية الحقيقية لها والتى صنعت اسمها الفنى وكشفت عن طاقتها الفنيه وامكانياتها التمثيليه لأول مرة فى عام 1960 عندما إعتذرت سيد الشاشة العربية “فاتن حمامة ” عن دور “نفسيه” فى فليم “بدايه ونهاية للمخرج صلاح أبوسيف عن رواية نجيب محفوظ الشهيرة فأسند لها هذا الدور.

وكانت “سناء ” قد روت في أحد حواراتها أنها فقدت حاسة السمع بإحدى الأذنين نتيجة “القلم” الشهير الذي صفعه اياها عمر الشريف خلال أحداث الفليم

شاركت “سناء جميل ” في عشرات الأفلام السينمائية والتي تعتبر علامات بارزة في تاريخ السينما المصرية و بدأت مشوارها مع السينما عام 1951 بفيلم “طيش الشباب” وتوالت مشاركتها فى عدد كبير من الأعمال من بينها فيلم “فداك فلسطين ” عام 1970 وهو من انتاج لبنانى.

وفى مسيرة الراحلة الكبيرة نقف أمام محطات رئيسية فى مشوارها الفنى لعل من أبرزها دورها المميز فى فيلم “بداية ونهاية” وفى عام 1968 قدمت شخصية زوجة العمدة فى رائعة صلاح أبو سيف “الزوجة الثانية” حين دخلت فى منافسه فنيه صعبة جدا مع واحدة من أهم نجمات السينما المصرية عبر تاريخها وهى “سعاد حسنى ” واستطاعت سناء جميل أن تخلد شخصية “حفيظة ” فى وجدان الملايين ويعتبر هذا الدور بكل انفعالاته وتعقيداته أحد أهم الأدوار التى صنعت مكانة سناء جميل الفنيه لتواصل تميزها وتألقها فى العديد من الأعمال والأدوار المركبة التى تميزت بتقديمها ومنها عام 1980 فى فيلم “المجهول ” حتى دورها الشهير فى فيلم ” “اضحك الصورة تطلع حلوة”عام 1998.

“فضة المعداوى ” الأيقونة

وكان لها مسيرة مميزة مع الدراما التلفزيوينة بدأت فى عام 1963 فى أول مسلسل يقدمه التلفزيون المصرى “هارب من الأيام ” من إخراج نور الدمرداش كما قدمت عشرات الأعمال المميزة من بينها “خالتى صفيه والدير” فى عام 1996 لكن الذاكرة الفنيه للمشاهد تتوقف دائما أمام شخصية ” المعلمة فضه المعداوى ” التى قدمتها عام 1988 فى مسلسل الراية البيضا ” ورغم كل ما كتبه النقاد عن الإبداع غير المحدود الذى استطاعت سناء جميل أن تصل إليه فى تقديم تلك الشخصية ورغم النجاح الجماهيرى للمسلسل وتحول “فضه المعداوى ” لأيقونة ونموذج لسيطرة المال على القيم وعلى الثقافة وهيمنه نموذج – الإنفتاح – والمتجسد فى سيدة أعمال لم تحظى بأى مستوى من التعليم تواجه فى تحدى بشع كل مكونات الهوية المصرية ومازال الملايين يذكرون صرختها الشهيرة ” ولا يا حمو التمساحة ياللا ” فى رسالة لهيمنه المال المتمثل فى أحدث أنواع السيارات

بلغت “سناء جميل ” مبكرا ذروة النضج الفنى وكانت قدرتها على اختيار ادوراها قد تبلورت تماما فكانت تدرك بوعى المثقفة الرفيعة والفنانة الموهوبة التى ضحت بكل شىء – العائلة والإستقرار والمال – من أجل فنها ومن أجل رسالة نبيلة قدمتها خلال مشوار طويل وحافل

ساعدها إتقانها للغة الفرنسية على المشاركه فى عدد من الأعمال باللغة الفرنسية ومن أهمها مسرحية لـ “سترندبرج” بعنوان “رقصة الموت” باللغة الفرنسية، وشاركها البطولة الفنان جميل راتب والممثل الفرنسي “كلودمان” وقد عرضت المسرحية في باريس واستمر عرضها في عدة مدن فرنسية خلال العام 1977 وسط إقبال كبير من الجمهور الفرنسي

فى 22 ديسمبر 2002 رحلت الفنانة القديرة بعد صنعت مدرسة فى الآداء ورغم تلك المسيرة الطويلة والعطاء الكبير إلا أن التكريم الذى حصلت عليه ليس بالقدر الكافى بالمقارنة بموهبتها فقد حصلت على وسام العلوم والفنون عام 1967 وتم تكريمها في مهرجان الأفلام الروائية

التعليقات متوقفه