د. جودة عبدالخالق يكتب:يوميات أستاذ جامعى في زمن كورونا

839

لقطات
يوميات أستاذ جامعى في زمن كورونا

جودة عبدالخالق

حتى أوائل مارس الماضى، لم أتخيل أن تنقلب حياتى رأسا على عقب على خلفية جائحة كورونا. على غير توقع منى، كنت أخطط لجدول أعمال حافل كالمعتاد. محاضراتى الأسبوعية لطلبة الدكتوراه بكلية الاقتصاد، و لقاء تلاميذى لمتابعة رسائلهم للدكتوراه. و كتابة عمودى الأسبوعى “لقطات” لجريدة الأهالى الغراء، و ندوات لمناقشة كتابى الأخير “من الميدان إلى الديوان”، وأخرى لمناقشة كتابنا السابق عليه “حكاية مصرية” (المشترك مع رفيقة الدرب كريمة كريم)، و رحلات داخلية إلى سيناء و البحر الأحمر و سيوة ، بالاضافة إلى رحلة الشتاء والصيف إلى الإسكندرية. (كريمة وأنا نهوى السفر والترحال إلى حد الجنون، رافعين شعار “نحن نعيش لنرتحل” عملا بنصيحة الامام الشافعى “وسافر ففي الأسفار خمس فوائد”). وكنا نتطلع إلى لقاء الإفطار الرمضانى السنوي المعتاد منذ عشرين عاما في ميت العز مع الأهل و الأصدقاء في يوم الجمعة الثانى من رمضان.
و تُقدِّرون، فتضحك الأقدار- على حد قول أبو العلاء المَعَرِّى! فجأة، حل علينا ضيف ثقيل .. ثقيل .. ثقيل، اسمه فيروس كورونا. فانقلبت الدنيا رأسا على عقب؛ و صار الحاضر غير ما ألفناه وأصبح المستقبل غير ما توقعناه. و نادى المنادى على الجميع “خليك في البيت”! فأصبحنا نأتى بأفعال ما كنا لها فاعلين، و نكف عن أعمال كنا عليها مواظبين. تم تعليق المحاضرات، وأغلقت النوادى والساحات، وتوقف السفر و الرحلات. في البيت، اصبح أهم نشاط يومى هو إدارة مؤشر المذياع و التلفاز لهثا بين المحطات لمتابعة أخبار كورونا: كم عدد الإصابات، وما هو عدد الوفيات؟ ماذا قررت الحكومات والمنظمات؟ فجأة تشعر أنك جزء من العالم أكثر من أي وقت مضى.
وجدت ضالتى المنشودة في التكنولوجيا. أفادنى الأصدقاء بوجود تطبيق على شبكة الشبكات الالكترونية إسمه “زووم”. لم أكن قد سمعت عنه من قبل. لكن قالوا إنه يمكن من الواصل و التفاعل بين عدد كبير من الأشخاص أيا كانت أماكنهم. كل الطلوب جهاز حاسوب مجهز بكاميرا وخط إنترنت. قررت أن أعلم نفسى من نقطة الصفر كيفية إستخدام هذا التطبيق حتى لا أحرم أبنائى وبناتى الطلاب من حقهم في متابعة التعلم. وقد كان. تعلمت إستخدام “زووم”، وقمت بإلقاء محاضرات الدكتوراه من بيتى على طلبتى كل في بيته. ورب ضارة نافعة، كما يقول المثل. أتممنا المحاضرات إلى نهايتها مع التفاعل التام بينى وبين الطلبة، بل أخذنا صورة تذكارية في نهاية المحاضرات تخليدا لهذه الذكرى الكورونية! وأنجزنا المطلوب مع توفير كبير في الوقت واستهلاك الطاقة. إنها إحدى مزايا التعلم عن بعد.
لم يقف الأمر عند إنجاز العمل فقط. بل أمكننا القيام بقدر من التواصل مع الأصدقاء. فعندما حل عيد ميلادى منذ بضعة أسابيع، فوجئت بأصدقائى يرتبون احتفالا بهذه المناسبة من خلال “زووم”. سعدت بالتواصل وجها لوجه مع الأصدقاء الأعزاء. بعضهم شارك من الإسكندرية، وآخرون من القاهرة، وصديق من الكويت، وآخر من كندا. غنوا لى “ياللا حالا بالا حيوا أبوالفصاد .. عيد ميلاده الليلة أجمل الأعياد”! ضحكنا من القلب و أحسسنا بدفء المشاعر. وكم كانت تجربة إنسانية حميمة، بفضل التكنولوجيا ورغم أنف فيروس كورونا. و ستمضى الحياة.

التعليقات متوقفه