فريدة النقاش تكتب:بين الديني والمدني

653

قضية للمناقشة

بين الديني والمدني

فريدة النقاش

تحت عنوان ” أعدمنا هشام عشماوي .. فهل أعدمنا أفكاره ” كتب الأستاذ ” خالد منتصر” مقالا بالغ الأهمية في جريدة ” الوطن” ولولا أن مهارتي التكنولوجية متواضعة جدا لقمت بإرساله إلكترونيا لكل أصدقائي، وبخاصة هؤلاء المهمومين بمسألة تجديد الفكر الديني.

اختتم ” منتصر ” مقاله مؤكدا أن ” ماكينة استنساخ هشام عشماوي لن تكف عن الدوران، وإذا أردنا وقف تلك الماكينة علينا أن ندمر ” دي إن إيه ” الأفكار الإرهابية التي مازلنا نتنفسها في كل الزوايا.

وإذا كانت لغة التكفير والدعوة للقتل واضحة وسافرة، فهناك مالا يقل عنها خطورة وإن كان مخفياً وناعما، ففي شهر رمضان من كل عام تنطلق الدعوات لإخراج الزكاة مع التصدق على الفقراء والمساكين، وكثيرا ما تتحول هذه الدعوات لحملات منظمة يطلقها الشيوخ ورجال الدين، مؤكدين على الثواب العظيم والمضاعف لأننا في زمن عُسرة .

وتزامنت مع هذه الحملات حملة أخرى أطلقتها مصلحة الضرائب لحث المواطنين على دفع ضرائبهم، وبدا كأن هناك منافسة بين الزكاة وأعمال الخير الطوعية من جهة وبين الضرائب من جهة أخرى، وما أقوله الآن ليس تخميناً ولا إستنتاجاً، بل هو ما سمعته بنفسي من دعاة ومواطنين بسطاء، يستمع غالبيتهم لرجال الدين، ويثقون فيهم أكثر مما يثقون بالحكومة، وهم يرون ـ كما قيل لهم أن الزكاة هي بديل للضرائب، ولا يتورعون في هذا السياق عن تزوير سجلاتهم إن كانوا يتاجرون، أو الكذب بخصوص دخولهم بشكل عام حتى يتهربوا من دفع الضرائب، ونعرف جميعاً كيف ينتشر التهرب من دفع الضرائب بين كبار الممولين من رجال الأعمال وكبار الأغنياء وصولا في بعض الأحيان إلى تهريب الأموال إلى خارج البلاد، إلى الملاذات الآمنة التي يلجأ إليها أثرياء العالم .

ويلوذ هؤلاء من لذعات الضمير ـ حين يستيقظ ـ بدفع الزكاة كتبرير شرعي للهروب من دفع الضرائب، وينتصر لهم دعاة الإسلام السياسي الذين يسعون حتى الآن ـ رغم الهزيمة القاسية التي تلقاها مشروعهم ـ يسعون إلى جر البلاد في اتجاه الدولة الدينية انتصاراً لمثل هذه الدولة على مشروع الحداثة، الذي دخلت إليه البلاد متعثرة وأرست بعض أهم دعائمه عبر قرنين من الزمان، والضرائب أكبر مما تقرره الزكاه التي تقصر على المسلمين، وتنطلق أي الضرائب من أرضية الحقوق والواجبات أي المواطنة وليس من الأرضية الدينية التي لا تلتقي بدعوة المواطنين إلى تأدية فروض الدين وإخراجها وإنما تتطلع إيضاً إلى الانتصار على الحداثة والدولة المدنية بإضفاء الطابع الديني على كل مؤسسات الدولة الحديثة أو تحطيم هذه المؤسسات وهو ما حاولته جماعة الإخوان الإرهابية في العام الذي حكمت فيه مصر حين حاصرت كل من مدينة الإنتاج الإعلامي، والمحكمة الدستورية العليا، وأقالت النائب العام لتنصب بدلا منه أحد رجالها، ولاحقاً .. وبعد هزيمتها ـ نظمت عملية اغتيال النائب العام الشهيد ” هشام بركات ” في شهر رمضان .

ولعبت أدواتهم الاعلامية والثقافية دوراً أساسياً في اعتبار الاقباط المصريين طبقا لهم ” أخوة لنا ” تجنباً لاستخدام مصطلح الحداثة، أي المواطنة .

والتحليل العميق المتأني لمصطلح ” الإخوة ” ينطوي على معنى التراتب أو الدرجات فهناك ما يمكن أن نسميه ” أصحاب الأرض ” ثم الإخوة، أي المسلمون والأقباط، وسوف نلاحظ أن بعض دوائرهم تستخدم وصف ” أهل الذمة ” .

ومؤخراً جدا استخدم الدكتور ” مصطفى مدبولي ”  رئيس الوزراء تعبير ” المواطنون الأقباط ” فلولا مثل هذا المصطلح يجد طريقة إلى الإعلام والثقافة ـ السائدة فيلعب على المدى الطويل، ضمن عوامل أخرى كثيرة دوراً في هزيمة التشوه والوعي الزائف، وإجلاء الصراع الخفي بين الدولة المدنية الديموقراطية الحديثة التي ترفع شعار الدين لله والوطن للجميع، وتدعو لاحترام الدين وشعائره، وتوفر كل الإمكانيات لممارستها، بينما هي محايدة بين كل الديانات، ولا تنحاز لدين لصالح الآخر، وهو ما يستدعي تعديلا أساسياً في الدستور .

وذلك على العكس تماماً من الدولة الدينية أو دولة الخلافة التي يدعو لها أصحاب المشروع الديني، وسوف يبقى هذا الصراع قائماً لزمن طويل قادم يستنزف طاقات فكرية وسياسية كثيرة، لكن انتصار الحداثة والدولة المدنية العصرية الديموقراطية سيكون مؤكداً وهو ما ينبئنا به مسار التاريخ وإن كان مسارا صعباً ومتعرجاً، وعلينا أن نتذكر أنه قبل ما يزيد على القرن قال الإمام ” محمد عبده ” الدولة في الإسلام مدنية من كل الوجوه “.

وشكرا لخالد منتصر وكل عام وأنتم جميعاً بخير

التعليقات متوقفه