فى ذكري رحيله الثانية .. سميحة خالد محيي الدين فى حوار لـ”لأهالي”:خالد محيي الدين لم تعجبه القبضة الحديدية.. وكان سعيدًا بالثورة وقال “ربنا يستر”

لهذه الأسباب قالت لي ناظرة مدرسة الليسيه: "انتي بتضري أبوكي كده"

1٬497

*رسائل من مبارك لأبى عبر أسامة الباز.. وكان سيكتب جزءًا ثانيًا من “الآن أتكلم”
*كان يحب عبدالناصر ولكن اختلف معه سياسيًّا
*قال عن يوسف الصديق “راجل مفيش زيه ولن يعوض”
*حين اقترح أبي السفر إلى فرنسا.. قال له جمال عبدالناصر فيها حزب شيوعي قوي” وهاتبقي زي العسل”
*مازلنا نبحث مشروعًا للتبرع بكتبه لمكتبة الإسكندرية

حوار : نسمة تليمة

كيف تتحدث ابنة رجل سطر التاريخ اسمه؟ .. كيف تري ابنة رجل رفض الدخول فى حالة تبعد الجيش عن ثكناته وكانت السلطة عنوانا رفضه وادفع ثمن هذا الرفض كما دفع ثمن اختياراته التي آمن بها، تتحدث بفخر وعيون لامعة، وتجلس فى هدوء وجدية وتواضع، تتفاعل ببشاشة مع حكايات والدها، وتروي كيف تفتقده فى الذكري الثانية لرحيله، وتقدم لك توصيفًا دقيقًا لكل موقف وكل كلمة، تفاصيل الحياة مع رجل جاد ونبيل احتملت مع سميحة خالد محيي الدين تساؤلات مختلفة أقرب الى جلسة مودة، تخرج من الاجابة تساؤلا جديدا فتكتشف أنها طوال الحديث مع والدها لا تنتبه الا لرغبته وجديته فقد ورثت عن والدها أنها لا تذكر إلا ما شاهدته أو طرحت تساؤلات عنه، تسترجع دائما كتابه المتميز “والآن أتكلم” وتحفظ ما فيه عن ظهر قلب، وتنصف رجلا لم يمر مرور الكرام.
سميحة ابنة زعيم اليسار المصري ومؤسس حزب التجمع وأحد أعضاء مجلس قيادة ثورة يوليو 1952 وصاحب التاريخ الطويل فى العمل السياسي والعمل الاعلامي. كان لنا معها حوارًا مميزًا..
فى الذكري الثانية لرحيل والدك خالد محيي الدين.. إلى أي مدي تفتقديه وكيف كانت آخر تفاصيلك معه؟
كان والدي أخر سنتين راقدًا فى السرير بحكم التعب ومعاناته مع المرض، لكنه كان شديد الارتباط بما يحدث حوله، ويتفاعل معنا ومعي بشكل خاص، يضغط على يدي ويبتسم لي ويهتم بالجميع إذا شديت مع والدتي استاء، وبعد أن أثر المرض على الوعي، كان موجودًا معانا بجسمه وبروحه لكن مناقشاته معنا كأب لم تكن موجودة، وكنت لا احتمل ذلك فى البداية ولا أتقبله وظللت لفترة لا أخشي الذهاب إلي البيت ثم اعتبرت أنها مرحلة مستجدة لابد من تصالحي معها وقبولها، أفتقد كل شىء معه ونظراته وجلوسي إلى جواره وأنا أناديه “أزيك ياجوجة” وهو اسم الدلع الذي أطلقه عليه، دلع أول حفيد له، ابني، فأصبح الجميع ينادونه بهذا الاسم، قبل غيابه كنت مسافرة، قررت أجدد منزله وكنت اشعر انها المرة الأخيرة التي أراه فيها، كلموني انه تعبان نزلت المطار شوفته توفي الحد صباحا. كان بيني وبين والدي أحاسيس وحوارات مختلفة، افتقد الأب كضهر وسند

هل ظُلم خالد محيي الدين؟
لا.. أبي اختار طريقه وحياته وفعل ما يريد، وحصل على ما أراد، وبالتالي لم يظلم، وكان الجميع يحترمه حتي أعدائه وأعتقد أن هذا كله كافيا.
كيف كان رد فعله وقت منحه الرئيس الأسبق عدلي منصور قلادة النيل ؟
لم يكن فى كامل تركيزه، وأنا من بلغته بالخبر، وكنت فرحة وقلت له ” الرئيس أعطاك قلادة النيل”أمسك يدي وكان يضحك ولا أدري هل كان مدركًا جميع الأبعاد أم لا؟، لكنها كانت لفتة مهمة له قبل غيابه.
تحول مسار ضابط فى الجيش المصري إلى معارض فى صفوف المعارضة. كيف ترينه؟ وهل حدثكم عن هذا التحول؟
خالد محيي الدين درس فى كلية التجارة أثناء عمله كضابط، حين قامت ثورة يوليو كان عمري عاما واحدا، ومن المؤكد أنه لم يكن لديه سيناريو عن هذا التحول، ولكن الظرف وضعه فى اختيارات، أمسك بما يناسب مبادئه خلالها، وفترة المنفي التي عشناها فى سويسرا كانت أكثر تلك التحولات لكنها لم تَطُل، عبدالناصر حينها طلب منه يسافر فى منصب سفيرا لمصر، فرفض أبي لانه لا يوافق على سياساته، فطلب السفر إلى مكان يمكنه من علاجي، بعد إصابتي بشلل أطفال.
وحين اقترح أبي السفر إلى فرنسا قال له جمال عبدالناصر، فرنسا بها حزب شيوعي قوي” وهاتبقي زي العسل” الجميع سيلتف حولك فقاله له سافر إلى سويسرا، وظل 22 شهرًا وعاد وأسس جريدة المساء المسائية، كانت حياة جميلة كنا أطفالًا كنت أزوره فى مكتبه، تعرفت على أنكل لطفي الخولي وأنكل إبراهيم سعد الدين، وأنكل إسماعيل صبري عبدالله.
أكثر المواقف التي ارتبطت بوالدك فى فترات دراستك ولا تنسيها؟
كنت فى ليسيه الزمالك حتي الاعدادية سألني أحدهم هل تشاهدين خطب جمال عبد الناصر فقلت لا اسمعها، فنادتني ناظرة المدرسة، قالت لي” انتي بتضري أبوكي”، فقلت أنه لا أحد يلزمني بسماع خطب عبدالناصر، بدأت أري بعدها الصورة أقرب، وأتذكر أنني أبلغت والدي بوفاة عبد الناصر، كنت مع صديقتي جارة تحية كاظم وجاء ليصطحبني للبيت للخروج معه ومع أستاذ أحمد بهاء الدين، فتح أبي الراديو وتأكد وكان حزينا بشكل واضح.
كانت علاقة خالد محيي الدين بالسادات علاقة فاترة.. كيف كان رد فعله فى ظل محاولات التشويه والاتهام بالالحاد والعمالة لروسيا؟
والدي لم يشك أبدًا من شخص ينتقده، نحن من كان يشعر بالضيق، وخاصة والدتي وهو كان يردد “السياسة كده”، ولم يكن ما يقوله السادات فقط بل كثيرون، أتذكر حين تزوجت ما كتبه موسي صبري عن فرحي رغم أنه كان فرحًا بسيطًا جدا، وتكلفته بسيطة، وكنت اعمل فى الجامعة العربية بواسطة زي ناس كتير، لكن اختبرنا واكملت بمجهودي وكفاءتي، وأثبت نفسي لمدة 40 سنة، إبراهيم سعدة وقتها كتب أن والدي استغل نفوذه، خالد محيي الدين لم يكن لديه نفوذ والناس كانت تخدمه لأنها كانت بتحبه، ولمساعدته للجميع .

بعد ثورة يوليو والاجتماع التمهيدي لها فى شارع فوزي المطيعي بشقة خالد محيي الدين ومخاطرته اختار العودة الى الثكنات ولكن لم يعد أحد حتي الآن… كيف رأي ذلك فيما بعد ؟
لم يكن يعجبه القبضة الحديدية التي كانت موجودة فى مراحل مختلفة فى حياة الدولة، وقت جمال عبدالناصر كانت فترة صعبة رغم أنهم حزنوا عليه، ولكن عبدالناصر أفاد البلد على مستويات كثيرة، السادات دخل فى السياسة اليمينية وأهمل الغلابة وحارب كل ما فعله عبدالناصر، والدي كان قليل الكلام وقليل النقد معي لأني مندفعة بنسبة ما عن شقيقي، لم يكن معجبًا بما يحدث هناك فترة كان وثيق الصلة بأسامة الباز فى عهد مبارك، واحدي الفترات كان هناك رسائل بينه وبين مبارك عبر أسامة الباز، وهي تفاصيل لم يكتب عنها بسبب تعبه وكان من المفترض وضعها فى الجزء الثاني من الكتاب “والآن أتكلم” لكن لم يحدث.
هل عرض عليه أي دور سياسي أو منصب وزاري؟
لا أعتقد، ولم يأخذ دورًا فى عصره، لا أعتقد أنه عرض عليه أى مناصب وزارية،” أبويا ماكنش ينفع وزير”، لأن آراءه لا تتفق مع تلك الأنظمة العابرة، كان يفضل أن يتعامل من خلال البرلمان فيما يريد تغييره، مضابط مجلس الشعب تخبرنا بمعارضته وجلسات الحزب كانت تؤكد أنه كان رجلا ديمقراطيا جدا ويستشير الجميع فى قراراته.
كيف كان رد فعله وقت ثورة يناير؟
“كنت أزوره وقت الحظر، كنا نجلس أنا وزوجي فى الماريوت وأري بعض أعضاء ووجوه السياسة المصرية يوم التنحي، كنت عند أبويا، فزوجي طلب مني العودة للمنزل لأن الشوارع قد تزدحم سمعت الخطاب الخاص بالتنحي، فدخلت إليه وأخبرته أن حسني مبارك تنحي”، ” قال لى مالك بتتنططي كده ربنا يستر ” كان سعيدًا بالحالة والتحرك، لكنه كان ينزعج من السب أو التطاول أو الالفاظ لكن لمست خوفه الدائم من المجهول وما هو قادم وخوفه على البلد.

جد الزعيم خالد محيي الدين أنشأ الطريقة النقشبندية، وتربي في بيت صوفي إلي أى مدي تأثر بالصوفية ؟
كان جده لأمه منشئ الطريقة النقشبندية، هو كان شخصا صوفيا فى التعامل، والسلوكيات، لم يأخذ أحدنا أخلاقه، الجميع كان يراه فارسا نبيلا بالفعل، لم يكن يحب المال، أو جمعه ومعطاء وكان يعامل الناس بخلق عظيمة، من كان يقوم على خدمته منذ فترة أخبرني أنه لا يستطيع خدمة أحد بعد والدي كان لا يحمل ضغينة لأحد واذا شكوت من أحدهم كان ينزعج ويستاء.
لماذا لم تنتهجي نفس طريق والدك وأيضا شقيقك ابتعد عنه؟
كنت أعمل فى الجامعة العربية وفقا لدراستى، وكنت مسؤولة عن المغتربين العرب، عرضوا على أخي الدخول إلى السياسة لكن رفض، وذكرياتنا عن السياسة ليست جيدة، فى انتخابات 2005 كانت فترة قاسية، حمدنا ربنا أن أبي لم ينجح، لأني حالته الصحية لم تكن جيدة، الاخوان وقتها اشتروا الناس وقاموا بمعركة سيئة استغلوا فيها كل الحيل فى دائرة كفر شكر، لم نفضل ذلك.
كيف كان يتحدث عن حزب التجمع؟
كان الحزب ابنه الثالث، وإذا انتقدناه حتي بعد ثورة يناير كان يستاء بشدة .
فى حوار مع عمر بطيشة، تحدث عن الجفوة بينه وبين عبدالناصر، ورغم ذلك استخدم تعبير مثل” عبدالناصر متمدد فى قلوبنا” كيف ترين تلك المفارقة؟
أبي كان يحب عبدالناصر ولكن اختلف معه سياسيا، وهو كان رجلا يعى جيدا الفارق بين الموقفين، وظلت علاقتنا بأسرته جيدة من خلال تفاعلات عائلية وفاة أو فرح، وحين مات اشرف مروان قدمت واجب العزاء ، اري ابناء عبدالحكيم عامر، وابناء السادات ايضا، العلاقة رسمية تمامًا.
ما هي كواليس ” والآن أتكلم”؟
كنا نلح عليه للكتابة، خاصة أنه كان شاهدا مهما للأحداث، ولاقي بعدها الكتاب رواجا كبيرا، وسألناه أين الباقي الجزء الأهم الذى يخص فترة حديثة، ولكن التعب الذى أصابه جعله لا يكتب اضافة إلي أنه صاحبني اثناء إجراء عمليات فى قدمي طوال سنتين.
كيف كان رد فعله حول الاتهامات التي كانت تنسب خاصة بعد جائزة لينن ؟
لم يكن يقول شيئا، ولا يهتم لتلك الأشياء وكان يتعامل معنا على أساس أن الدين معاملة، اكتشفنا حتي مؤخرا بعض الأشياء التي كان يفعلها من توزيع لحوم على الناس فى السر حتي دون أن تعرف أمي، وعلمنا بالصدفة من أحد جزاري الزمالك الذى تعاملنا معه بالصدفة، فأخبرني أن والدي كان يوزع اللحوم دون معرفة احد وكان السائق الخاص به يؤكد المعلومة وقال انه ” مأمني أمانة”.
كيف كانت علاقته بياسر عرفات ؟
كان ياسر عرفات يزوره كثيرا، وأولادي لديهم صور مختلفة معه بحكم وجودهم فى بيت بابا وتصادف ياسر عرفات هناك وصداقته بوالدي وقد حضر بابا جنازة عرفات وحزن بشدة عليه، وكان لديه موقف من القضية الفلسطينية ورفض لمعاهدة السلام واعتبارها تحمل الكثير من التنازلات.
هل كان يتحدث عن يوسف صديق؟
طبعا يتحدث عن يوسف الصديق كثيرا، نحن على اتصال مع أولاده كان يقول أبي عنه ” راجل مفيش زيه ولن يعوض” .
ما أكثر موقف تعرض له خالد محيي الدين لا تنسيه؟
وقت معاهدة السلام فى السبعينيات، وزوجي يعمل فى السياسة فى البروتوكول، الجميع اندهش من اعلان السفر والمعاهدة، وبابا كان مستاء جدا من الزيارة والقرار، اتذكر أن فيه حربا قوية عليه فى مجلس السلام، كنت فى الجامعة، لكنه لم يكره أحد.
ما أكثر ما تتذكرينه من كلمات لنصيحتك؟
كان يهتم باحترام الذات، والآخر، وفى الوقت الذى يتحدث فيه الجميع عن أى شخصية سياسية يثار حولها معلومات ما يرفض الدخول فى الحديث طالما لا يعرف شيئا كان يقول ” هاتقفلي بوقك امتي احنا مش عارفين “، لا يريد ان يستخدم سلطته كعضو مجلس الشعب ويرفض حتي احضار أي اشياء خارج شنطته.
ماذا عن مكتبة خالد محيي الدين؟
كان هناك مشروع للتبرع بمكتبة والدي لمكتبة الاسكندرية ، لكنه مازال قيد بحث.
ماذا تقولين لوالدك فى ذكري رحيله الثانية؟
واحشني .. أنت أب لا تعوض وافتخر باسمك وكلنا ماشيين بحسك.

التعليقات متوقفه