هل ساهم كوفيد-19 في تخفيف حدة التغير المناخي فعلاً؟

642

 

كتب مارك مجدي

الحدث التاريخي الذي تشهده الكرة الأرضية  هو حدث  كبير كفاية لقياسه بوحدات القياس البيئية . يكفي القول أن  3 مليون طن من انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون لم تنبعث هذا العام منذ بداية الإغلاق الذي حدث في معظم الدول الصناعية, هي ظاهرة لم تحدث طوال القرن العشرين.. لأول مرة يري سكان مدينة بومباي,’ أحد المدن الأكثر تلوثاً في العالم, السماء الصافية.

ارتفعت نسبة الأوكسجين في الجو بشكل ملحوظ  وانخفضت معدلات اهتزاز الأرض حسب مقياس النانوميتر بسبب توقف حركة السير في المدن الكبري و الرحلات الجوية, توقف الرحلات الجوية ساهم كذلك في تقليل انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون بحوالي 10 مليون طن.

لكن هل يؤدي كل ذلك لتوقف خطر التغيير المناخي أو حتي تعطيله ؟

قد تبدو هذه الأخبار سعيدة و تنظر بتغيير في مصير الكوكب, لكن ليس هذا ما تثبته الدراسات العلمية الدقيقة, فيخلص تقرير آخير للأمم المتحدة أن الانبعاثات يجب أن تنخفض بنسبة 7.6%في العام  لمدة عقود لاحقة لكي نتجنب آثار التغيير المناخي الضاره.

يقول روب جاكسون استاذ الدراسات البيئية بجامعة  ستانفورد أنه إذا أستمر وضع الاغلاق الصناعي في الدول الكبري لنهاية العام قد تنخفض نسبة أنبعاثات ثاني أوكسيد الكربون بنسبة 5 % فقط , و هو ما قد يضعنا علي بداية الطريق الصحيح لمكافحة التغيير المناخي. و لكن أكد أن الوضع الحالي لا يرجح استمرار الاغلاق لنهاية العام حيث تتسابق الدول لإنهاء الاغلاق لتفادي الخسائر الاقتصادية. و أضاف:”  أنا واثق أنه  مع عودة العمل في أي وقت من هذا العام ستحقق الولايات المتحدة نفس النسبة التي ستحققها طوال العام العادي في شهراً واحد”.

التئام الأوزون

النتيجة المباشرة لانبعاث ثاني أوكسيد الكربون المتزايد هو توسع ثقب الأوزون, و هو ما يؤدي لارتفاع درجة حرارة الكوكب مما يحدث خللاً في المنظومة البيئية.

و ربما شعر البعض أن المشكلة أنتهت مع الإعلان عن التئام ثقب الأوزون الشهير في النصف الشمالي من الكرة الأرضية, و لكن ليس لذلك أي علاقة بالاغلاق الذي سببته الجائحة, فهو يرتبط بظاهرة الدوامة القطبية وهي منخفض جوي عالي المستوى يقع بالقرب من أحد قطبي الأرض. توجد دوامتان قطبيتان بالغلاف الجوي للأرض فوق القطبين الشمالي والجنوبي. وتعتبر كل دوامة قطبية منخفضًا جويًا واسع النطاق بقطر أقل من 1000 كيلومتر، يدور في اتجاه عكس اتجاه عقارب الساعة عند القطب الشمالي، وفي اتجاه عقارب الساعة عند القطب الجنوبي، ويسمى بالإعصار في كلتا الحالتين، وبعبارة أخرى، تدور كل دوامة قطبية في اتجاه الشرق حول كل قطب.  يحدث دوران هذه الدوامات بفعل تأثير كوريوليس، تماما مثل بقية الأعاصير الأخرى. وتوجد قاعدة كل دوامة قطبية في الجزء الوسطي والجزء العلوي من طبقة التروبوسفير وتمتد إلى طبقة الستراتوسفير.

و ليس للإغلاق الناتج عن الجائحة  أي دخل في حدوث هذه الظاهرة بل هي تحدث بشكل متكرر بدرجات متفاوتة علي مدار فترات زمنية متباعدة, حسب مجموعة أبحاث كوبرنيكوس للمناخ.

استهلاك الكهرباء المرتفع و الصناعات الغذائية

بالفعل توقفت صناعات كبري مختلفة أثناء الجائحة, لكن أستمرت الصناعات الغذائية في العمل لتوفير الاحتياجات اليومية, و لسوء الحظ, فهذه الصناعات الغذائية هي قطاع من ضمن القطاعات التجارية الكبري المسئولة عن الانبعاث المتزايد لثاني أوكسيد الكربون و غاز الميثان, حيث تشارك مزارع المواشي  ب14,5 % من إجمالي كمية الانبعاث  و تشارك  بقية الصناعات الغذائية مجتمعة بنسبة مماثلة ليصبح إجمالي الانبعاثات التي تتسبب بها الصناعات الغذئاية من 30% ل 35 % من الإجمالي الكلي.

 

كما تتسبب الكهرباء المنزلية حول العالم في زيادة انبعاث الكربون عن طريق الغاز و النفط المستخدمان في محطات الطاقة. عام 2018 شاركت الكهرباء المنزلية بنسبة الثلث في إجمالي  نسبة انبعاث ثاني أوكسيد الكربون.

يمكن القول تقريباً أن الكهرباء المنزلية و الصناعات الغذائية تشارك بحوالي النصف فيما أكثر من نسبة الانبعاثات علي مستوي العالم. لا يوجد دراسات مؤكده ترصد تأثير الاغلاق و الحجر الصحي علي تزايد انبعاث ثاني أوكسيد الكربون الناتج عن ارتفاع استهلاك الكهرباء المنزلية الذي بالتأكيد شهدت أستخداماً متزايداً نظراً لزيادة عدد الساعات الذي يقضيها المواطنون بالمنزل. لكن لا يحتاج الأمر لدراسة لمعرفة أنها تشهد تزايد ملحوظ.

 

السماوات صافية فوق المدن هذا صحيح, لكن عودة العمل في أي وقت من هذا العام بنفس الظروف السابقة علي الجائحة سيؤدي لإلغاء أي تحسن شهده الكوكب, كما يري جاكسون. بل و ستندفع الدول لتكثيف العمل بغرض تعويض ما جري من خسائر طوال فترة الاغلاق مما يرجح زوال الآثر الإيجابي للإغلاق.

“تقدم لنا هذه الجائحة دروساً قيمة حول الطريقة التي يمكننا بها تخفيض الانبعاثات بإحداث تغيير راديكالي في البنية التحتية الصناعية حول العالم… أسوء جائحة في هذا العقد لن تحل مشكلة التغيير المناخي, علينا أن نفعل ذلك بأنفسنا”.

التغيير الراديكالي في البنية التحتية الصناعية و إعادة تشكيل نظامنا الغذائي للحد من استهلاك اللحوم و الإتجاه نحو اقتصاد أخضر صديق للبيئة هو الطريق الوحيد لإنقاذ الكوكب, و لكن يري محللون و متابعون أن الحائل الحقيقي دون ذلك هو النمط الرأسمالي القائم علي الإنتاج بغرض الربح دون النظر للتأثيرات السلبية علي البيئة.

المصادر:

https://www.bloomberg.com/graphics/2020-how-coronavirus-impacts-climate-change/

https://www.usatoday.com/story/news/world/2020/04/28/record-breaking-arctic-ozone-hole-closes-but-not-due-coronavirus/3039230001/

https://www.researchgate.net/publication/257143751_Carbon_Emissions_due_to_Electricity_Consumption_in_the_Residential_Sector

https://www.theguardian.com/commentisfree/2019/oct/08/climate-change-food-global-heating-livestock

https://www.latimes.com/world-nation/story/2020-05-19/study-world-carbon-pollution-falls-17-during-pandemic-peak

التعليقات متوقفه