د هبة جمال الدين تكتب :السياسة الخارجية المصرية بين الممكن والمحتمل والمرغوب

1٬280

قد يصنف القارئ عنوان المقال كمقال نقدي بل قد يوجهه لانتقاد وزارة الخارجية المصرية ولكنه خلاف ذلك هو يطرح رؤية خارج الصندوق في اطار ما يجري بالعالم.
فقد كتبت ورقة سياسات عن بدائل صانع القرار المصري في اطار مستقبل مبادرة الحزام والطريق الصينية بعد جائحة الكورونا، وسعدت بالنقاش العلمي الذي اثارته الورقة خاصة من بعض القراء المتخصصين. مما دفعني لكتابة المقال لأطرح تساؤلات القراء أمام القارئ الكريم لنفكر معا نحو المستقبل:
– من الصعب ان تغير الصين نهجها الخارجي في عدم التدخل.
– من غير المطروح أن تقوم الصين بالتدخل لصالح مصر اذا طلبت الوساطة في قضية سد النهضة.
– من غير الممكن ان تقوم الصين بالانحياز لصالح مصر في مجلس الامن اذا وصلت قضية السد للمجلس كشكوي مقدمة من مصر.
– من المستحيل ان تصعد الصين ضد صفقة القرن بالأمم المتحدة.
– من غير المطروح الا تستفيد الصين من خط ايلات اشدود اذا تم تكامله مع قطار السلام من الخليج لإيلات لينافس قناة السويس.
– من المستبعد تماما أن يتم التصعيد الامريكي الصيني.
– لن تقبل الصين عضوية مصر في البريكس حتى تتعافي اقتصاديا.

هنا سأوافق القارئ الكريم تماما إذا نظرنا بمعطيات الواقع المطروحة والممكنة. ولكني سأختلف معه إذا كانت وجهتي المستقبل والسعي نحو المرغوب والمأمول. وهذا ما أربوا إليه وأستهدف وصوله فعلينا ان نطرح رؤية مستقبلية ونسعى لتحقيقها أو على الأقل للاقتراب منها. عند المستقبل الحلم هو الاساس وليس معطيات الواقع ومحدداته. وأن نستعد لأي مستقبل غير محتمل للحفاظ على مقدراتنا، فهل قدرنا أن نظل ننتظر ما يحدث لنقوم ونطلع برد الفعل.
فقد توقفت كثيرا عند مقولة موريس لوندال – المفكر المستقبلي- بأن “المستقبل لا يتوقع بل يتم تحضيره” وتسألت هل ينطبق الأمر على علم السياسة وصناعة السياسة الخارجية للدول ووجدت بالبحث والمعرفة أن رغم حداثة التقاطع المعرفي بين علم الدراسات المستقبلية وعلم السياسة لكن التطبيق العملي لهذه المقولة جلي لدي خطط واستراتيجيات وسياسات دول العالم الأول والدول ذات الطموح الاستعماري التوسعي مثل اسرائيل وايران وتركيا للأسف. وسأخص الأولى بحكم تخصصي في الدراسات الإسرائيلية وسأتسأل:
– هل نشأة إسرائيل كانت ممكنة؟
– هل بقاء إسرائيل كان محتملا؟
– هل ما وصلت إليه من حديث عن صفقة القرن لتبتلع المنطقة ككل كان من الممكن توقعه؟
بالطبع لا استهدف مدح الكيان الصهيوني ولكن الاستفادة من سبب بقاءه في محيط رافض له فبداية فكرة اقامة الكيان الاستيطاني كانت بمؤتمر بازال الأول 1897 ونصت توصياته على انشاء الدولة في خمسين عام وتم إنشاؤها في واحد وخمسين عام، فهل ذلك سحر أم انه قوة خارقة أم ماذا؟
الإجابة تكمن في النظرة المستقبلية والتخطيط المستقبلي الذي يرفض بعض الساسة والباحثين في عالمنا العربي العمل عليه وبناء سياسة خارجية مختلفة تقوم على بناء المستقبل وليس انتظاره. ففي المستقبل امامنا ثلاثة خيارات:
– الاول انتظار وقوع الحدث ليقع رد الفعل
– الثاني استباق الاحداث
– الثالث اثارة الحدث بحيث يكون وقوعه بالكيفية التي توافق رؤيتنا
لذا علينا ان ننظر ونختار هل ستبني سياساتنا على رد الفعل أم سنستبق الحدث أم سنعمل لحدوثه بالكيفية التي توافق رؤيتنا ومصالحنا
هنا علينا أن نعي أن في المستقبل لا يمكن ان نحتكم إلى معايير الواقع الممكن ولكن أن نحلم للوصول للمرغوب المأمول الذي لا يوجد مؤشرات معقولة لحدوثه. هنا على صناع السياسة بمصر والمنطقة العربية أن يخططوا من أجل المستقبل وأن نطرح خطط وبدائل خارجة عن المألوف حتى وإن كانت أكبر من امكانياتنا وقدراتنا فمنهجية المستقبل المعياري هي ما تبنيي عليها خطط التنمية المستدامة بالعالم ككل وتتبناها إسرائيل في التوسع والبقاء رغم ما تتضمنه من تناقضات ومواطن ضعف خطيرة فلا يوجد دولة عربية تضم 80 جنسية مختلفة يجمع التناقض والخلاف بينها كالصراع بين المتدينين والعلمانيين والصراع بين الاشكناز والسفارديم والصراع بين اليهودي والعربي واليهودي الابيض والفلاشا ورغم ذلك تضع خطط ونقاط غير ممكنة وتحشد الطاقات لجعلها ممكنة وتحققها حتى ولو بعد زمن فهذا هو طابع الفكر الصهيوني منذ بداية عهده حتى الان.
فتجمع اسرائيل بين الدبلوماسيين والعلماء والمفكرين والاكاديميين للتخطيط للمستقبل لتجمع بين الرأي الدبلوماسي والقدرات العلمية وأفكار المفكرين والحالمين لذا وجدنا طفرة تكنولوجية لأنها اهتمت بآراء العلماء والمفكرين بجانب أراء الدبلوماسيين والساسة، مما مكنها من وضع مخططات استيطانية توسعية على الأرض. وهذا ما تم اثناء وضع خطط اسرائيل 2020 و2030 و2050 . هنا فمن المهم بجانب العمل السياسي أن نضم حالمون نحو المستقبل.
في هذا الاطار سأطرح تساؤلات على القارئ وصانع السياسة المصرية:
– هل تاريخ الدولة المصرية العريق لا يجعلنا ننظر للمستقبل؟
– هل لا نملك العقول القادرة على الابداع والنظر خارج الصندوق؟
– لماذا نرفض الفكر المختلف عنا الم يحن التوقيت للحلم والتخطيط لتحقيقه؟
فعلينا ان نبني عقلية مستقبلية لذا اقترح، ان يتم تدريب الدبلوماسيين وتأهيلهم بداخل المعهد الدبلوماسي بوزارة الخارجية المصرية على الدراسات المستقبلية وأدواتها ومنهاجيتها، وكذلك بناء اجيال متخصصة في هذا الشأن عبر ادخال مقرر عن الدراسات المستقبلية في الجامعات المصرية بل واقامة كلية بعنوان الدارسات المستقبلية. فلم نعد أمام رفاهية النظر بمحددات الواقع والماضي بل وفقا لما نرغب في المستقبل وهذا ما أشار إليه سيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي حيث أكد سيادته أكثر من مرة عن التخطيط للمستقبل وهنا اتذكر مقولة ميشال غوديه ان الاستشراف يساعدنا على القيام بواجبنا نحو الاجيال القادمة. فل نقوم بواجبنا نحوها.

*بقلم:د هبة جمال الدين مدرس العلوم السياسية- معهد التخطيط القومي وعضو المجلس المصري للشئون الخارجية

التعليقات متوقفه