الذكرى الثلاثين للوحدة اليمنية ..بقلم عبدالرحمن الرياني (٢-٢)

312

التراكمات السياسية والموروث السياسي الذي افرزته الصراعات السياسية في فترات التشطير كان لها حضورها القوي على شركاء الوحدة ، والحقيقة أن الشخصية المحورية في انجاز الوحدة كانوا افراد ولم يكونوا تنظيمات سياسية فمن أصل 26 قياديًا في المكتب السياسي للحزب الاشتراكي اليمني كان الأمين العام للحزب علي سالم البيض الوحيد مع فكرة الوحدة الاندماجية .

وكان باقي الأعضاء في المكتب السياسي ال 25 مع الفدرالية أو الكونفدرالية ، البيض الشخصية الثورية المغامرة التي تعشق المخاطر طوال تاريخه كانت له رؤية إذا لم نحقق الوحدة الآن فإنها لن تتحقق ، وهنا لا يمكن اغفال الصراع الخفي الذي بدأ يطفوا على السطح مجموعة الضالع ضد مجموعة حضرموت واستمرار الصراع الذي بات وشيكًا قد يجعلهم يعاودن الانقضاض على الحزب هذا ما كان البيض يدركه وهناك خلفية تاريخية للصراع بين البيض وبين جماعة الضالع تعود الى السنوات الأولى لحرب التحرير ضد الاستعمار البريطاني ففي عام 1964 كان علي سالم البيض في السنة الرابعة في كلية الهندسة جامعة القاهرة قرر حينها التوقف عن مواصلة الدراسة فالتحق بدوره في الصاعقة في قاعدة انشاص استمرت لستة أشهر بعدها عاد إلى الجنوب للمشاركة في حرب التحرير باعتباره فدائيًا ورفض جماعة الضالع وردفان اعطائه أي دور مهم في قيادة العمليات العسكرية.

وهنا أقدم البيض على تصرف صادم للجميع فقرر الذهاب إلى حضرموت وهناك أعلن تأسيس الجبهة الشعبية لتحرير حضرموت فما كان من خصومه إلا أن وافقوا على شروطه بأن أسندوا اليه قيادة جبهة شبوة وهذا الاسلوب هو الذي اتبعه في التعامل مع القبيلة الماركسية في الضالع وردفان لقد كان البيض يتعامل مع خصومه بمكر ودهاء لكن الصدمة التي أجاد فعلاً استخدامها هي احداث يناير 1986فكان الوحيد من قيادة الحزب الذي نجا من الموت المحقق بعد ان اتخذ علي ناصر محمد قراره بتصفية خصومه في قاعة الحزب عندما تظاهر بالموت ففوجئ جناح الضالع بأن جميع قياداتهم في المكتب السياسي لقيت حتفها وفوجئو بعلي سالم البيض يصل معسكر فتح ويجري اتصال بالقوات المنحدرة بقيادة هيثم قاسم طاهر ليخبرهم البيض أن الجميع بخير وتتقدم القوات من جديد لحسم المعركة وبهذا استطاع ان يقلب موازين المعركة ضد الطرف الآخر ولأول مرة يصبح حضرمي على رأس الحزببلا منا زع وهنا تعود العُقدة الضالعية من جديد ظهور نموذج عبدالفتاح اسماعيل من جديد وهو مالا يمكن القبول به مهما كلف الأمر.

لقد كان البيض يعي موقفه وأنه محاصر من قبل جناح الضالع خاصة وانه جاء إلى الأمانة العامة للحزب من خلال الكونفرس الحزبي الذي اختاره باعتباره أكبر الأعضاء سنًا ، الحزب حينها كان لا يزال حينها يعاني من التداعيات التي نتجت عن الصراع الدامي في الثالث عشر من يناير 1986 والتي خلفت أكثر من سبعة عشر الف قتيل في عشرة ايام وخلقت حالة من الانقسام والتشظي في الدولة الاشتراكية ، مجموعة أبين ومعها مجموعة شبوه ومعسكراتها المنتشرة في الشمال بعد النزوح الكبير وبخاصة معسكر السوادية بمحافظة البيضاء المحاذية لأبين اهم محافظات الجنوب وخزانها البشري وهي المحافظة التي كان لرجالها حضورها القوي منذ الاستقلال ، يومها كانت القوات او ما يعرف بالزمرة بقيادة علي ناصر محمد تتهيء للزحف على الجنوب للاطاحة بقيادة الحزب في عدن أو ما كانت تعرف بالطغمة ، اشترط البيض على علي عبدالله صالح ان يتم إبعاد علي ناصر محمد من اليمن الشمالي .

وهذا ماحدث بالفعل ذهب علي ناصر محمد إلى سوريا ،لكن مع ذلك كانت هناك تحالفات وخلفيات وموروث سياسي وحالة من العداء بين القوى الأقرب للحداثة المتمثلة باليسار والتيار القومي وبين المعسكر الآخر اليمين القبلي والتيار الديني المتحالف مع علي عبدالله صالح ، وخلف هذا الصراع كان هناك صراع آخر يدور في الخفاء لا يقل خطورة عن الصراع الدائر الذي طفى على السطح ، هذا الصراع الأخطر هو صراع قبلي عسكري مناطقي بين سنحان مسقط رأس علي عبدالله صالح علي محسن الأحمر وقادة المناطق العسكرية وبين جماعة الضالع التي فقدت نفوذها السياسي بعد قيام الوحدة اليمنية وحدثت العديد من الصدامات الشخصية بين أفراد من الجانبين من ضمنها المشادة التي كادت تصل إلى الاشتباك بالأيدي بين هيثم قاسم طاهر وعلي محسن الأحمر ، البيض لم يكن على صلة مباشرة بما يدور ، على العكس من علي عبدالله صالح الذي كان يعي خطورة جناح الضالع واهدافه الخفية في اسقاط دولة الوحدة ، وبين هذا الموج المتلاطم من الصراع نجحت مجموعة الضالع في جر البيض وتوريطه للصراع مع سنحان في بداية الأمر ومن بعدها الصراع مع بقية الشمال باحزابه القومية وحتى مع أنصاره حيث كان يحظى بشعبية تفوق شعبية علي عبدالله صالح بكثير .

لقد بدأت القوى الحداثية تتموضع وتتخندق إلى جانب علي البيض والحزب الاشتراكي اليمني ، كان ذلك أمراً متوقعًا من قبل النظام العسكري القبلي في الشمال خاصة وأن للحزب الاشتراكي واليسار حضوره القوي في العديد من مناطق الشمال الجبهة الوطنية الديمقراطية والحزب اليمني الديمقراطي الثوري في السبعينيات بقيادة عبدالقادر سعيد وحزب العمل الاشتراكي في الثمانينيات وحركة المقاومين الثوريين في سبعينيات القرن الماضي ، وأخيراً حزب الوحدة الشعبية (حوشي) جناح الحزب في الشمال ، تنبه صالح لذلك من وقت مبكر وهذا ماجعله يقوم بتأسيس حزب آخر جديد في بداية الوحدة يجمع فيه التيار الاسلامي التابع للإخوان المسلمين ومعهم التيار القبلي التقليدي تحت مسمى التجمع اليمني للاصلاح ، لترسيخ قاعدة اثنين ضد واحد ، وهذه العملية ظهرت نتائجها التأمرية في انتخابات ابريل عام 1993 ، وهي النتائج التي كانت البداية التي فجرت الموقف بين الرئيس ونائبه ،والتي انعكست على الوزارات والقطاعات العسكرية، فاستطاعت مجموعة الضالع في المعسكرات الجنوبية في الشمال تفجير الوضع في اكثر من معسكر منها معسكر الثورة في عمران من خلال اللواء الثالث أو من خلال معسكر باصهيب في ذمار الخلاصة ان القبيلة ارادت قيادة الحزب او في الحد الأدنى التقاسم والمحاصصه .

**بقلم عبدالرحمن الرياني (١-٢)..كاتب صحفي رئيس المركز الدولي للإعلام والعلاقات العامة IMC

**الحلقة الأولى ..الذكرى الثلاثين للوحدة اليمنية..بقلم عبدالرحمن الرياني (١-٢)

الذكرى الثلاثين للوحدة اليمنية..بقلم عبدالرحمن الرياني (١-٢)

 

التعليقات متوقفه