ماجدة موريس تكتب:حارس القدس

422

حارس القدس

*بقلم ماجدة موريس

هل يتعارض حب الله مع حب الوطن؟ وهل تتعارض مهام رجل الدين مع مهامه في الدفاع عن رعاياه من المواطنين الذين يحتاجون للدعم في حياتهم في مواجهة كل ما يحيط بهم من تحديات؟ وهل علي رجل الدين أن يلجأ الي الله فقط حين يتعالي الظلم ويتبجح الظالم، ام ان يحاول المقاومة علي الارض في نفس اللحظة التي يطلب فيها نجدة الرب؟ حول هذه الاسئلة دارت أحداث مسلسل كبير هو «حارس القدس» الذي استوحي مؤلفه الكاتب «حسن م. يوسف» ومخرجه «باسل الخطيب» أحداثه من قصة حياة المطران «إيلاريون كابوتچي» رجل الدين الشهير، والذي عرف بدفاعه عن مواطنيه ضد ظلم وتعسف السلطات الاسرأئيلية في مدينة القدس ورفضه التام الخضوع لأية أتفاقات مع سلطات الاحتلال، وتمسكه الشديد بهويته العربية ودفاعه المستميت عن كل ما يحافظ علي تلك الهوية كان المطران في تلك الايام التي عرفه العالم فيها مطرانا للكنيسة الكاثوليكية في القدس، وكان يمثل بابا روما في المدينة، لكنه لم ينس للحظة أنه يمثل وطنه ومواطنيه، وعلي الرغم أنه سوري المولد، الا أنه أعتبر نفسه مواطنا عربيا، يدافع عن كل ما يهدد أولاد بلده في« المنطقة» وليست سوريا فقط، وبدون تفرقة بين مسيحي ومسلم فهم جميعا في الظلم واحد في مواجهة المحتل أنه عمل فني كبير يقدم لنا فكرا أكبر حول قضايانا الكبري، وحول سؤال الساعة ونحن نواجه الان، كشعوب عربية، محاولات مستمرة للقبض علينا ووضعنا في حظائر صور الاحتلال الجديد بداية من «صفقة القرن الكبري» إلي محاولة القبض علي ليبيا الان بواسطة اردوغان، الي الاستماتة في الاعتداء علي سورية، وتصدير موجات الارهاب المتتالية لمصر عبر سيناء يعيدنا «حارس القدس» الي سيرة حياة محارب فذ، يرتدي ثياب الكهنوت ولكنه يؤمن بنظرية القتال بكل الطرق من اجل الوطن والناس، وانها رسالة الله علي الارض، وهنا لا بد من تحية لاختيارات المخرج القدير لمن قام بأداء دور البطل في المسلسل، وهم ثلاثة، الاول الفنان الشاب« إيهاب شعبان» الذي قدم بدايات صعود الشخصية بعد ذهابها الي تلقي العلوم الدينية الاكاديمية، وصراعها بين ما تتعلمه وما تراه يوميا من قوات الاحتلال من تضييق علي البشر وتعنت، «وقبله كان هناك من قام بدور البطل حين كان الطفل الصغير چورچ، قبل ان يذهب للمدرسة، وبعدها يصبح الشاب المقبل علي دراسة العلوم الدينية»، ثم الكاهن والمطران وهي المرحلة الاكبر والأهم والتي أداها الممثل الكبير «رشيد عساف» وأبدع فيها للدرجة التي تماهي فيها مع الشخصية سواء في مسيرته في القدس، ثم وفِي السجن حين اعتقلته سلطات الاحتلال، وبعدها في مدينة روما، حين طلبه الڤاتيكان للمقر الديني، ثم في جولاته من هناك كسفير في اغلب بقاع العالم، وزيارته لوطنه سوريا بعد ابعاده عن القدس، وليصبح أشبه ببطل يجمع بين الشخصية الدرامية والرمزية معا وهناك ايضا ممثلون وممثلات أبدعوا في أداء بقية الأدوار، بما فيها الصغيرة والسريعة في دلالة علي أهمية وقيمة الاختيار حين يكون الدور مشاهد محدودة في السجن مثلا، او في الصحراء، وادوار لا تنسي للأم هنا، والتي قامت بدور كبير في حياة ابنها، وللسيدة التي قامت برعايته في روما، ولريما التي فتح المسلسل من خلالها أبواب الوضع في مدينة حلب المدمرة في السنوات الاخيرة وآخرون.

في حضرة المطران

في رحلته مع بطله لا ينسي كاتب المسلسل القدير ان يبدأ بأصول الشخصية وينسج من الحياة الاجتماعية لأسرة متواضعة ملامح الثراء الانساني والقيمي التي دفعت الفتي الصغير الي الجمع بين حب الاسرة والجيران، والاصدقاء، ورفض الاجانب المقتحمين الأروقة والحارات، ثم الشعور بالغضب من وقاحة هؤلاء، ثم التفاعل مع المقاومين لهم «وهو ما رأيناه عبر حادثة تخبئه سلاح» وبعده ينطلق الكاتب في سرد الوقائع والاحداث التي مرت بحياة الشخصية، دينيا ومدنيا اعتمادا علي مراجعة رجل دين آخر، معاصر للمطران كابوتچي هو الاب اليأس زحلاوي، كما ورد في الحلقات، وتأتي براعته في تقديم كل افكار المطران من خلال المواقف والسلوكيات المتغيرة مثل أحداث السجن، ومحاولة الاسرائيليين عرقلة الإفراج عنه بعد تدخل الڤاتيكان، وشروطهم رحيله التام عن القدس، ورفضهم اعطائه اوراقه الخاصة وملابسه وعصا المطرانية، وهو ما رد عليه بالإضراب عن الطعام، والإصرار عليه، وقدرته علي المواجهة في احلك اللحظات، وارتباطه الشديد بأبناء وطنه، حتي بعد ان عين رسولا خاصا في أمريكا اللاتينية، وقبل ان يحتج على هذا ويعود الي روما يتابع ما يجري في القدس وفلسطين وسوريا لحظة بلحظة، ويتحول الي أب لكل مواطنيه المهاجرين.

السجن والوطن

في إخراجه للعمل، استطاع المخرج باسل الخطيب تقديم صورة لا تنسي للمناخ العام للأحداث علي مدي يزيد على نصف قرن، وصولا للسنوات الاخيرة التي عاشها كابوتچي في روما قبل مرضه وحتي وفاته في اليوم الاول من العام الراحل 2019 من خلال اماكن التصوير الخارجية، بكل ملامحها التي تنتمي الي العراقة والتاريخ وايضا الاماكن الداخلية بدءا من البيوت لكل مكان آخر. وايضا كان تصوير ناصر ركا عنصرا مميزا في هذا الإطار، وموسيقي سمير كويفاتي التي صنعت إطارا من الشجن غلب علي الحلقات وبالطبع المونتاچ الذي أضاف ايقاعا مختلفا لكل مرحلة، وبالتالي لم نشعر بالملل برغم الحوارات التي كانت احد ملامح العمل، والتي كانت جزءا هاما من ملامح شخصية البطل، والتي كان وجودها مهما في عمل يمزج بين الشخصية والقضية علي هذا النحو المميز، أنه عمل لا يمكن إنتاجه الا من خلال كيان قادر علي هذا، وهو هنا المؤسسة العامة للإنتاج الاذاعي والتليفزيوني السوري، وأهميته تأتي من أهمية الشخصية التي اختارها والتي شغلت العالم لوقت غير قصير بدفاعها عن الوطن والدين معا وفِي كلمته بعد خروجه من القدس ووصوله روما، وقف المطران الجسور يلقي اول كلمة بعد خروجه من السجن فقال: انا لا اري في قضية فلسطين اي وجه للسياسة، هي قضية عدالة، وهي مهد المسيحية، أن سجني علي أرض القدس العربية أحب إلي قلبي من إطلاق سراحي بعيدا عنها

 

التعليقات متوقفه