ماجدة موريس تكتب:ما زال يحتفظ بِنا بعد ثلاثة عقود..رأفت الهجان الذي لا ينسي

681

ما زال يحتفظ بِنا بعد ثلاثة عقود..رأفت الهجان الذي لا ينسي

ماجدة موريس

في أكثر لحظات حياته صعوبة، وغموضا،وافق (رأفت )علي الخروج من مصر حاملا اسما آخر، وعقد أتفاقية سلام وشرف مع الضابط الذي يدربه (محسن )، ملخصها ان يقدم حياته لبلده (مصر محتاجالك) مرددا(وانا رقبتي سدادة) وذهب ليودع شقيقته (شريفة) وابنها الطفل طارق، وهما الوحيدان اللذان شعر بأنه ينتمي لهما من كل من يعرف في بلده قبل أن يسافر للاسكندرية، ويودع وطنه حاملا اسما آخر هو ديڤيد شارل سمحون، ولتنتهي حلقات الجزء الاول من هذا العمل الدرامي الاسطوري (إذا صح هذا التعبير ) الذي عرض للمرة الاولي علي شاشة التليفزيون المصري عام ١٩٨٨، في ١٥حلقة فقط، وليقدم لنا درسا متفردا في ترويض إنسان، يحمل كل ملامح التمرد، والبحث بداخله لاستخراج القيم والمعالم الروحية والانسانية المغطاة بطبقات من الغضب واللامبالاة بعد رحلة حياة قصيرة لكنها مليئة بالشقاء استطاع محسن، او الضابط محسن (بأداء رصين ومرن من القدير يوسف شعبان) أن يحول المتمرد الي صديق، ثم الي شريك في المسؤولية، وان يكون العين المنقذة له في اللحظات الحاسمة، لينطلق الذي كان متمردا (بأداء محمود عبدالعزيز الطيب والشرس والمراوغ الرائع) إلي مغامرة محفوفة بكل المخاطر الممكنة، وإلي القيام بدور كان صعبا، بل مستحيلا، قبل ان يقابل محسن، وان يوافق علي عرضه الكبير، ويقرر، وهو المغامر، ان يغامر هذه المرة من اجل بلده وليس نفسه إنها معان لابد لك كمشاهد ان تقدرها حين تبدأ رؤية (الهجان) من الجزء الاول (الذي عرضته القناة الاولي وبدأت منذ الاثنين الماضي عرض الجزء الثاني )، وقبل ان يصبح الشاب المتمرد هذا الرجل المرموق في مجتمع آخر، ويفتح شركته السياحية في إسرائيل، وتتعدد علاقاته وتتوسع اتصالاته، ويتحول (الي دون چوان) وخاطف لقلوب النساء، ومصدر حسد الرجال (في الجزء الثاني، والثالث) وهو يواصل مهمته التي ذهب الي هذا العالم من أجلها.

رأفت أم ديڤيد

يلفت النظر في الجزء الاول أمران الاول هو قدرة الكاتب الرائع صالح مرسي علي تقديم ثلاثة عوالم تتعايش معا برغم اختلافاتها، عالم الشاب رأفت وما عاناه من تشرذم وبحث مضن عن استقرار وشعور بالأدمية بعد جولات من العمل والفشل، وعالم رجال المخابرات (زمن الخمسينيات) وما يشغلهم في مواجهة احداث هامة في مصر اتهم فيها اليهود، وشكوك مبعثها محاولات إسرائيل بعد نكبة ١٩٤٨ استقطابهم إليها، والعالم الثالث كان عالم يهود مصر أنفسهم، كأسر وأفراد ومجتمعات (في الجزء الثاني يتحول المسلسل الي عالمين بملامح مختلفة هما المخابرات ورجالها الذين لم نعرفهم من قبل، والمجتمع الاسرائيلي واختراق رأفت الهجان له باسم ديڤيد شارل سمحون) أما الامر الثاني اللافت في الجزء الاول فهو قدرة مخرجه المبدع يحيي العلمي علي إدارة الصورة بكل ملامحها من خلال فريق مبدعين في التصوير والمونتاچ والحركة والأماكن وكل العمليات الفنية وبالطبع فريق التمثيل الذي ضم أسماء نجوم هذا الفن مع محمود عبدالعزيز ويوسف شعبان مثل عفاف شعيب وتيسير فهمي ومصطفي متولي واحمد ماهر، ومثل ابراهيم دسوقي، وعادل امين وغيرهم والذين سوف ينضم اليهم جيش آخر من الممثلين والممثلات في الجزءين الثاني والثالث، وباستثناء الموسيقي التي وضعها مبدع من خارج التليفزيون هو عمار الشريعي والتي أصبحت ماركة مسجلة، أو أيقونة دالة علي العمل بنغمتها الأساسية وإيقاعها السريع، فإننا أمام عمل دخل في حياتنا الثقافية والفنية من أوسع الأبواب، بوابة فن الدراما الحقيقي، والمتقن، والقادر علي جذبنا لمشاهدته في كل مرة يعرض فيها، وهو أمر صعب، لأننا أحيانا ما نعرض عن مشاهدة عمل للمرة الثانية ! وبرغم ان الدراما المصرية قدمت أعمالا عديدة من ملفات المخابرات عن قصص حقيقية، إلا ان (الهجان ) يبقي الاكثر نجاحا، وجاذبية برغم أجزائه الثلاثة ويحتاج الي دراسة متأنية من صناع المسلسلات الوطنية القادمة باعتباره نموذجا لابد من دراسته، واعتباره حالة فنية وفكرية وإنتاجية مشرفة.

التعليقات متوقفه