محمود دوير يكتب: غيرة مشروعة على “أحمد زكى”

457

*بقلم : محمود دوير

“أحمد زكى ” هذا الاسم الذى نُقشت حروفه من ذهب فى وجدان الشعب المصرى والعربى، ليس فقط كونه موهبة استثنائية فى تاريخنا الفنى، بل لاعتبارات أخرى من بينها أن هذا الفتى الأسمر يشبهنا جميعنا فى ملامحه وروحه، وأيضا نشأته البسيطة ومعاناته المبكرة.

لم يكن الطريق ممهدا لأحمد زكى لتبوء تلك المكانة المميزة فى مسيرة الفن المصرى، فقد كان أقصى طموح الفتى فى مرحلة صباه وشبابه أن يكون موظفا فى الوحدة المحلية بمحافظة الشرقية، لولا مدير المدرسة الثانوية الصناعية بالزقازيق الذى كان يهوى التمثيل ونصحه بالنزوح إلى القاهرة لدراسة التمثيل، وهذا بالفعل ما حدث عندما حمل الشاب اليتيم أمتعته القليلة وتوجه إلى المدينة التى بلا قلب – كما قال عنها الشاعر أحمد عبد المعطى حجازي – ويطرق الشاب الأسمر الأبواب بحثا عن فرصة كانت تبدو صعبة .. بل مستحيلة.

حياة ” أحمد زكى ” هي المشهد الأكثر إثارة فى مسيرته وهى الدور الأكثر تعقيدا وصعوبة .. ربما كانت تلك الحياة شديدة الغرابة والتعقد هى التى كونت بداخله مخزونا هائلا تشابك مع موهبة طازجة ومتدفقة دائما لتخلق هذا الوهج الفنى الذى ظهر على شاشات السينما.

كان “زكى ” مولعا بتقديم الشخصيات التاريخية ولديه قدره مميزة على التقليد كشف عنها خلال مشاركته فى مسرحيه “هالو شلبي “عندما قام بتقليد الراحل محمود المليجى ولفت الأنظار إلى موهبته فى هذا الشأن.

برع “زكى ” فى تجسيد شخصيات تاريخية عديدة ولعل تقديمه للدكتور “طه حسين ” فى مسلسل الأيام بمثابة نقلة مهمة فى مسيرته الفنية، فقد شخص بتمكن غير عاد وغاص فى روح الشخصية التى تركت أثرا عظيما فى الثقافة العربية، وكان هذا الدور درسا فى التمثيل لكل زملاء المهنة،

كما قدم شخصيات عديدة من بينها “جمال عبد الناصر ” و”أنور السادات ” وعبد الحليم حافظ ” وكان يحلم بتقديم عدد آخر من الشخصيات.

يمثل”أحمد زكى ” مرحلة مهمة فى تاريخ الفن المصرى .. مرحلة أعادت للفن السابع قيمته وثقله بعد تعثر بدأ مع تخلى الدولة عن الدعم والإنتاج منذ 1971، مرحله كان هو أحد عناوينها المهمة والبارزة، خاصة مع ظهور تيار الواقعية الجديدة – التى قادها عدد من المخرجين بينهم “عاطف الطيب وداود عبد السيد محمد خان وخيرى بشاره وآخرين.

يظل “أحمد زكى “حاضرا بقوة وباستمرار،  لكن مؤخرا فقد ثار جدلا كبيرا بعد الإعلان عن مسلسل “الإمبراطور ” الذى يقدم حياة “زكى”، ولعل الأكثر جدلا فى هذا هو إسناد الشخصية للمثل “محمد رمضان” ومنذ الإعلان عن تلك الخطوة فإن الجدل محتدم وأظنه لن يهدأ.

وبعيدا عن موهبة “رمضان “وقدرته على التقمص فى تقديم شخصية “زكى ” الذى يجمع بينهما لون البشرة وصعوبة البدايات، إلا أن الجدل به بعض الوجاهة والمنطق والغيرة المشروعة  على نجم بقيمة “زكى”.

ولعل اعتذار الكاتب الكبير “وحيد حامد ” رغم أن المبرر المعلن هو انشغاله فى مسلسل “الجماعة 3 ” إلا أنه أصاب صناع مسلسل “الإمبراطور فى حيرة سرعان ما تداركوها وتم الاتفاق مع الكاتب الكبير “بشير الديك ” الذى ينتمي لنفس جيل أحمد زكى وقدم معه عدد من أهم أعمالهما من بينها “ضد الحكومة والنمر الأسود ونزوة ” وكان “الديك “شاهدا على جزء كبير من حياة أحمد زكى.

ربما يكون اعتذار وحيد حامد له مبررات لم يشأ الإفصاح عنها…. لكن المؤكد أن “الديك ” فى مأزق شديد

فالنجم “أحمد زكى ” لا يزال حاضرا فى وجدان الناس بكل تفاصيله ومازال عددا كبيرا من رفاق رحلته الفنية والإنسانية على قيد الحياة مما يجعل مهمة “الديك “صعبة جدا كما أن حياة “أحمد زكى ” بها العديد من المناطق الشائكة من بينها علاقته المتوترة بأمه التى أشار إليها فى بعض اللقاءات.

كما أن علاقته بزوجته الراحلة “هالة فؤاد ” تظل منطقة حرجة إلا أن التوتر الدائم بينه وبين النجم عادل إمام – خاصة وأن بشير الديك صديق مشترك لهما – ستظل أهم النقاط الحرجة التى تواجه كاتب العمل

لكن التحدي الأكبر هو  تجسيد “محمد رمضان ” للشخصية  بما يمثله من ثقافة مغايرة  تماما وما قدمه من أعمال باستثناء دوره مع المخرج “يسرى نصر الله فى فليم “أحكى يا شهرزاد “والذى قدمه مع الكاتب وحيد حامد عام 2009 ودوره فى فليم “الخروج من القاهرة ” وباستثناء ذلك فإن كل أعمال “رمضان “كانت متهمة دائما بتقديم نموذج سلبي ودعم قيم ومفاهيم مغلوطة وهيمنة لتردى الأخلاق وسيطرة البلطجة.

لذلك فإن الربط بين “أحمد زكى “صاحب البريء وضد الحكومة وزوجة رجل مهم وغيرها وبين “محمد رمضان “صاحب “قلب الأسد ” و”الألماني ” و”عبده موته ” يمثل ضررا بأحمد زكى وصورته لدى جمهوره.

ندرك أنه ليس من الإنصاف تقييم عمل فني لم يخرج إلى النور بعد .. لكن المنصف أيضا أن معظم التجارب الفنية التى تناولت حياة نجوم لم تحقق نجاحا كبيرا باستثناء “أم كلثوم ” و” قاسم أمين ” وكليهما للمخرجة المبدعة “إنعام محمد على ” و”الأيام ” طبعا ليحيى العلمي.

بينما فشلت أعمال مثل “العندليب ” والسندريلا ” والشحرورة ” و”أبو ضحكة جنان “وغيرها الكثير فى تقديم صورة حقيقة ورؤية حول الشخصية والوضع العام المحيط بها وذلك ما يحتاج دوما لفريق عمل لديه القدرة على تقديم تلك الرؤية.

وهنا فإن سيطرة المخرج على العمل وامتلاكه رؤية واضحة لتقديم الشخصيات التاريخية هو من أهم عوامل النجاح ولا نتوقع فى حالة قيام المخرج “محمد سامى ” أن يتحقق هذا النجاح الذى نعنيه ونقصده وهو النجاح فى تقديم تفاصيل “أحمد زكى ” والمحيط الاجتماعى والسياسى والاقتصادى والثقافى الذى نشأ وأبدع به.

وحتى لا ننسى فقد ظلم “أحمد زكى “فى عام 2005 عندما قدم فيلم “حليم ” وهو يصارع المرض، وقامت شركة الإنتاج بالترويج للفيلم مستغلة مرض النجم الراحل وظهر فى حالة أحزنت جمهوره .

فهل يظلم “أحمد زكى “مرة أخرى عندما يقدم حياته “محمد رمضان ” ؟ علينا أن ننتظر.

التعليقات متوقفه