ضم الأغوار: رفض دولى.. وتقارب فلسطينى.. ومأزق إسرائيلى

سيناريوهات مستقبل الصراع الإسرائيلى الفلسطينى

409

تسعى الحكومة الإسرائيلية، فى تنفيذ مخطط ضم أجزاء واسعة من الضفة الغربية المحتلة ومنطقة غور الأردن الاستراتيجية, وسط رفض أممى وأوروبى, حيث أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلى ” نتنياهو بنيامين”, عن موعد الضم أن يتم فى الأول من شهر يوليو الحالى, لكن وسط تناقضات وضغوطات دولية تم تأجيل القرار دون موعد.
وأشار نتنياهو، فى وقتٍ سابق إلى أن إعلان الضم, لن يتضمن كلمة بشأن موافقة إسرائيل على قيام دولة فلسطينية مستقبلية ” كما يخشى البعض من اليمين”، معتبراً أن هذه ” قضية منفصلة”, حيث تقترح خطة الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب” للسلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين ضم غور الأردن إلى إسرائيل، إذ تعتبر هذه المنطقة إستراتيجية وحيوية لأمن الدولة العبرية, كما أن فيها سهول زراعية غنية بمواردها المائية.
وذكرت صحيفة “يسرائيل هيوم”، عن نية تطبيق مخطط ضم أجزاء من الضفة الغربية على مرحلتين, المرحلة الأولى: تشمل ضم المستوطنات اليهودية المعزولة التى تقع في أطراف الضفة الغربية، وتشغل حوالي (10% ) من مساحة الضفة، وليس ضمّ التجمعات الاستيطانية الكبرى. والمرحلة الثانية : بعد إنجاز المرحلة الأولى من الضم للسلطة الفلسطينية وتدعوها لاستئناف المفاوضات، وفي حال رفضها الدعوة، سيتم ضم (20% ) من مساحة الضفة.
وستمتنع ضمن المخطط عن ضم منطقة “غور الأردن”، بهدف تقليص فرصة إقدام الأردن على ردة فعل قوية, وإذا كانت إسرائيل ستضم (30%) من مساحة الضفة وهي تفترض أن ضم منطقة غور الأردن والتجمعات الاستيطانية التي تمثل أكثر من (30%) من مساحة الضفة سيكون حتمياً في المستقبل، فإنّ هذا يعني أن المخطط تمّت صياغته ليفضي عملياً إلى ضم المناطق “ج”.
ومن ثم قرر الرئيس الفلسطينى ” محمود عباس” إلغاء اتفاقية أوسلو مع إسرائيل, ودعا عدد من المسئولين الفلسطينين لتشجيع قيام انتفاضة جديدة ضد سلطات الاحتلال الإسرائيلى, كردّ فعل على إصرار الحكومة على ضمّ أراضٍ من الضفة الغربية وغَور الأردن, ما أدى إلى ” قلق” لدى الجيش وقوات الأمن الإسرائيلية الأخرى من احتمال تصاعد التوتر, حيث كانت هناك توصية من هيئة الأركان العسكرية للقيادة السياسية بعدم التسرع فى خطوة الضم, وأن التحدى الأكبر للجيش هو اندلاع انتفاضة فلسطينية جديدة خارجة عن السيطرة، خصوصاً إذا أضيف لذلك وقف التنسيق الأمنى، فإن التحدى سيكون أكبر.
وعقدت حركتى حماس وفتح، مؤتمراً صحفياً مشتركاً، معربة عن دعمها أي خطوة من شأنها تعزيز الوحدة الوطنية وتوحيد الصف في مواجهة الهجمة الإسرائيلية، وبدورها رحبت حركة المقاومة الشعبية في فلسطين، بهذا المؤتمر وثمنت اللغة التوافقية والمواقف الايجابية بينهم, حيث قال عضو المكتب السياسي للجبهة الشعبيّة لتحرير فلسطين “كايد الغول”, “نرحَّب بالأجواء والنتائج التي تمخضت عن المؤتمر المشترك بين حركتي فتح وحماس, والبحث عن القواسم المشتركة التي تمكننا من تحشيد طاقات شعبنا رغم حالة الانقسام”.
واندلعت الاشتباكات العنيفة بين جيش الاحتلال الإسرائيلى والفلسطينيين فى مناطق الخليل وجنين, ودعا تيار الإصلاح الديمقراطى، كل قوى الشعب الفلسطينى وفصائله السياسية للاستجابة الفورية لضرورة عقد لقاءٍ وطنيٍ يفضى لإنهاء حالة التشرذم والهوان التى تمر بها القضية الفلسطينية، ويعيد إصلاح المؤسسات الفلسطينية ويجدد شرعيتها، ويؤسس لحقبةٍ جديدةٍ يتعافى فيها الشعب الفلسطينى من آثار الانقسام، ويستعيد بوصلته باتجاه تحقيق طموحه المشروع في إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس.
ويرى المحللون أنه إذا طبقت خطة الضم، ستكون التداعيات الأكثر إيلاماً على للفلسطينيين رمزية أكثر منها عملية, قد يؤدى ذلك لانخفاض كبير للدعم الفلسطينى لحل الدولتين, ويقود صانعى القرار الفلسطينيين لخطوات سلبية, لذا ينبغى وجود حل حاسم وسريع للقضية الفلسطينية, لأن مثل هذه الخطوات الأحادية تقضي على مساعى حل القضية الفلسطينية, وتهدد المعايير الأساسية التى تدير العلاقات الدولية وبينها ميثاق الأمم المتحدة.
يُذكر فى نفس السياق أن غور الأردن يمتد من جنوب بحيرة طبرية وصولاً لشمال البحر الميت، وهي تعد استراتيجية على صعيد الانتاج الزراعي والمخزون المائى, وذكرت منظمة “بتسليم ” الإسرائيلية إنّ 56% من السهل تقتصر على الاستخدام العسكري، ولا يمكن للفلسطينيين الوصول إلى 85% من أراضيه, أما عن الخيارات المطروحة الآن بعد قرار نتنياهو تأجيل الضم, تنحصر بين القيام بضم جزئي يشمل بعض المستوطنات والكتل الاستيطانية الكبيرة مثل معاليه أدوميم وغوش عتصيون, على اعتبار أنه جرى الحديث عن ضمها لإسرائيل في إطار تبادل الأراضي بين فلسطين وإسرائيل في التسوية السياسية المنشودة، وبين تأجيل الضم لعدة شهور لاستكمال التشاور مع الإدارة الأمريكية، ولاستكشاف ردود الفعل العملية المترتبة على الإقدام على الضم الآن وبشكل أحادي الجانب.
والآن أصبح نتنياهو بين نارين: نار وعوده لناخبيه ولقطاعات اليمين بأن يلتزم بموعد الأول من تموز، ونار عدم وجود ضوء أخضر أمريكي واحتمال تدهور الأمور على الجبهة الفلسطينية وعلى جبهة التطبيع مع دول الخليج التي على ما يبدو أبلغت واشنطن بصعوبة الاستمرار في العملية التطبيعية إذا ما أقدمت إسرائيل على الضم بشكل أحادى.
على الجانب الآخر, حذر الأمين العام لجامعة الدول العربية “أحمد أبو الغيط” في اتصال هاتفي مع المبعوث الخاص للأمم المتحدة للشرق الأوسط ” نيكولاي ملادينوف”, من مغبة مستجدات الأوضاع في الأراضي الفلسطينية المحتلة، والتبعات الخطيرة لوباء كورونا على القضية الفلسطينية، ومعيشة السكان في الأراضي المحتلة في الضفة وقطاع غزة المُحتليَّن، فضلاً عن مخيمات اللاجئين, وأعرب عن القلق والانزعاج جراء مؤشرات عِدة, تعكس سعي إسرائيل اغتنام فرصة جائحة الكورونا لتحقيق مخططاتها لإعلان ضم أراضٍ فلسطينية محتلة، محذراً من أن هذه الخطوة ستُمثل إشعالاً خطيراً في الموقف، لا يُمكن التنبؤ بعواقبه.
وأعلنت الخارجية الألمانية عن قلق برلين الشديد بشأن خطط إسرائيل لضم أجزاء من الضفة الغربية المحتلة, وأن خطة ضم المستوطنات والغور لا تنسجم مع القانون الدولى, ودعت بلجيكا وإستونيا وفرنسا وألمانيا في بيان مشترك إسرائيل لعدم اتخاذ أى قرار أحادى من شأنه أن يؤدى لضم أى أرض فلسطينية محتلة, لكن يبدو أن الاتحاد الأوروبى يخشى هذا الامتحان لأنه منقسم جداً, حيث كانت الدبلوماسية الهولندية “سوزانا تيرستال” الممثلة الخاصة للاتحاد الأوروبي في الشرق الأوسط أكثر وضوحاً, إذ كتبت في تقريرٍ عرض على الوزراء ” لا رغبة لدى الدول الأعضاء في معاقبة اسرائيل في حال ضمت”.
وتريد إسرائيل تجنب رد فعل أوروبي قوى، خصوصاً أنها ترتبط مع الاتحاد الأوروبي بمصالح اقتصادية, إذ بلغت القيمة الإجمالية لتجارتهما 30 مليار يورو (34 مليار دولار) عام 2019, لذا أعلن وزير الخارجية الإسرائيلى “غابى أشكنازى”, أنه لا يتوقع اتخاذ أى خطوات للبدء بفرض تل أبيب سيادتها على أجزاء واسعة من الأراضي الفلسطينية المحتلة, ووصف الوزير الضم المتوقع بأنه عملية طويلة يجب تنفيذها عبر الحوار ودون الإضرار بالاستقرار, لذا يجب أن تكون عملية منظمة، بالتنسيق مع المسؤولين الدفاعيين.
وفى هذا الصدد ذكرت “إذاعة الجيش” أن أشكنازى, خلال اجتماع عقده مع المبعوث الأمريكي الخاص لعملية السلام في الشرق الأوسط ” آفي بيركوفيتش”, وسفير واشنطن لدى إسرائيل ” ديفيد فريدمان” لفت لضرورة أن تكسب إسرائيل مزيداً من الدعم الدولى قبل الشروع في تطبيق خطط الضم.
وقال الوزير ” تساحي هانغبى”, عن حزب الليكود الحاكم أن تطبيق السيادة على أجزاء من الضفة الغربية من خلال عملية الضم أمر لا مفر منه, حيث أن أكثر من مليون من ناخبى الليكود يريدون السيادة في إسرائيل, وأنه يجب استغلال فرصة وجود رئيس أميركى يتبنى النهج الذى يقول إن تطبيق السيادة هى جزء من أى ترتيب مستقبلي, وسنفعل ذلك بغض النظر عن أي قضية أخرى, ونحن لا نسميها ضم بل نطبق السيادة الإسرائيلية, كما فعلنا فى مرتفعات الجولان والقدس الشرقية.
وأكد “بينى جانتس” زعيم حزب أزرق أبيض للسفير الأمريكى ” ديفيد فريدمان” ومستشار البيت الأبيض “آفي بيركوفيتش”, إن الموعد المستهدف في الأول من يوليو” ليس مقدساً”, وأبلغ جانتس أعضاء حزبه بأنه كل ما ليس متعلقاً بكورونا, فسينتظر لما بعد القضاء على الفيروس, لكن جميع التقديرات والتحليلات تشير إلى أن التأجيل سيطول لما بعد الانتخابات الرئاسية الأمريكية المُقرر عقدها شهر نوفمبر من العام الحالى, لتتضح الرؤية, وحتى إشعار آخر.

التعليقات متوقفه