فريدة النقاش تكتب:الإعلام .. النقد والخصام

340

قضية للمناقشة

الإعلام .. النقد والخصام
فريدة النقاش

” إن الهيئة الوطنية للإعلام مستمرة في تفعيل دورها على نحو يسهم في تحقيق أهداف السياسة الإعلامية للدولة من زيادة الوعي وتنوير العقول، وتحقيق الشفافية والمصداقية في التناول الإعلامي لمختلف القضايا”.

أنقل هذا النص حرفياً عن “حسين زين” رئيس الهيئة الوطنية للإعلام، الذي جددت له الدولة ليترأس الهيئة لدورة ثانية ولابد لمن يتوقف أمام هذا الإعلان عن الولاء الصريح لسياسات الدولة أن يصاب بالقلق إذ أن مضمون هذا الإعلان يحمل تسليما صريحاً، بل والتزاما واضحاً بعدم توجيه أي نقد لسياسات الدولة أو مراجعة لقراراتها، والحجة الجاهزة التي يسوقها عادة أصحاب هذا الرأي، أن هذه المؤسسات سواء الهيئة الوطنية للإعلام أو المجلس الأعلى للإعلام ذاته أو الهيئة الوطنية للصحافة هي مؤسسات مملوكة للدولة، وأن من حق الدولة بالتبعية، أن تجعل منها متحدثا رسمياً باسمه، متحدث لا يحيد قيد أنملة عن الصيغة التي حددتها الدولة له .

فبداية هناك خلط ـ وهو شائع جداً ـ بين الدولة والحكومة، فالدولة بحكم التعريف هي دولة الشعب كله، ولا يجوز لها بهذه الصيغة أن تنحاز لموقف ضد آخر، أو لطبقة ضد طبقة، ولا يجوز لها أيضاً إخضاع المؤسسات المملوكة لها لموقف أو رأي أو رؤية الحكومة، ففي مجتمع متعدد ومتنوع وقائم ـ كما يقول أصحاب السلطة ـ على تعدد الأحزاب فإن الحكومة تعبر عن اختيارات وآراء وسياسات الحزب، الذي من المفترض أنه حاز في انتخابات حرة ونزيهة بأغلبية الأصوات، وهناك بطبيعة الحال أحزاب معارضة هي خارج الحكم ـ ولكن من الممكن ـ نظرياً ـ أن يحملها الناخبون إلى الحكم في انتخابات قادمة، وبالتالي فليس من العدل ولا من تقاليد النظام التعددي كما عرفه العالم أن تنحاز الدولة أو مؤسساتها إلى حزب الحكومة أو تعتبر نفسها ناطقا باسمه، فليس معنى ملكية الدولة لهذه المؤسسات أن يكون لها ـ أي الدولة- الحق في إخضاع هذه المؤسسات للحزب الحاكم، وليس لها الحق أيضاً في التماهي هي نفسها مع الحكومة لأنها هي دولة الجميع الحكومة والمعارضة والمستقلين الذين لا ينتمون لأي حزب .

وربما يدعونا هذا الوضع إلى تأمل الوصف الذي أطلقته أحزاب المعارضة في مصر ـ وبخاصة حزب التجمع على التجربة التعددية الحزبية في البلاد بأنها حكم الحزب الواحد في إطار تعددي .

ولو تأملنا أكثر النتائج السلبية لهذه الصيغة على الحياة الفكرية السياسية والثقافية في البلاد سوف يكون بوسعنا أن نعرف واقعياً كيف جرى تهميش أحزاب المعارضة بل وشيطنتها كلما اختلفت جذريا مع السياسات الحكومية، أو عبرت بوضوح عن هذا الاختلاف وطرحت بدائل عقلانية للسياسات الحكومية التي رأت فيها مساساً بمصالح الغالبية العظمى من المواطنين .
وهنا علينا أن لا ننسى أبداً القاعدة الذهبية التي تقول إن السياسة هي تعبير عن مصالح في خاتمة المطاف، ولذا حين تتشبت الجماهير بالخيار الديموقراطي فإنها لا تتطلع فحسب لحريتها في التعبير عن آرائها ـ كما يحلو للبعض أن يختزل الديموقراطية، في هذا الحيز فقط، وإنما هي تتطلع أساساً للدفاع عن مصالحها وحقوقها في ثروات بلادها وتمثيلها بجدية في سلطة إتخاذ القرار، أي أنها تتطلع إلى وضع الشعارات التي تطلقها السلطات عن العدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية والحرية بمعناها الأشمل موضع التنفيذ .

فلو أن الدولة والمؤسسات المملوكة لها تعاملت مع الواقع السياسي والاجتماعي في البلاد إنطلاقاً من الصيغة المنطقية الأصلية لمؤسسات الدولة لتحولت هذه المؤسسات إلى منابر حقيقية للديموقراطية بمعناها الشامل، وكما يفهمها الجمهور بشكل فطري، في هذه الحالة لن تنظر هذه المؤسسات، بل لن ينظر الجمهور نفسه إلى الإنتقادات التي يمكن أن توجهها للسياسات الحكومية باعتبارها خصومة أو حتى عداء للحكومة أو للدولة، وسيعود الإعلام إلى طبيعته الأصلية كساحة صراع، ولن يبقى مجرد أداة دعاية أو حتى إعلان فج عن سياسات حكومية أحيانا ما لا تكون موضع رضا من الغالبية الساحقة .

وهناك قضية أخرى لا تقل أهمية تتعلق بتهميش وشيطنة أحزاب المعارضة التي تتحرك أصلاً في مناخ غير ديموقراطي، وذلك بعد أن عجزت منذ بداية التجربة التعددية الحزبية في سبعينيات القرن الماضي عن تحقيق أحد أهدافها الكبرى ألا وهو الغاء كل القوانين المقيدة للحريات، ولا يزال الجيل بعد الآخر يأتي، ويذهب وهو الهدف الغالي على قلوب المصريين موجودا على رأس قائمة الأولويات النضالية، وتلك القضية تخص صحف المعارضة .

فقد أدى تهميش وشيطنة أحزاب المعارضة في سياق الحزب الواحد في قالب تعددي إلى أضعاف صحف المعارضة وتخويف الصحفيين من العمل فيها، إذ لا مستقبل لهم هناك في ظل الأوضاع القائمة، بل تمادت السلطات القائمة في حصار هذه الصحف في صيغة المعارضة فقط، وأصبح وصف القومية مقتصراً على المطبوعات الحكومية رغم أن صحف المعارضة هي قومية أيضاً، لأن الأحزاب دستوريا هي جزء من النظام سواء كانت في الحكم أو خارجه.

ناقشت أحزاب المعارضة مطولا هذه القضايا الأساسية، ولكنها لم تصل إلى مكان بسبب استعلاء أحزاب السلطة التي بقيت دائماً في السلطة، بينما بقيت الأحزاب الأخرى في المعارضة، وكأن هناك لافتة معلقة على باب الحكم تقول لها ممنوع الاقتراب، ولذا يبقى النقد الذي تمارسه خصومه ضد الحكم لا حل لها .

التعليقات متوقفه