أمينة النقاش تكتب :..ومتى تكون الكفاءة أولا؟ 

481

 ضد التيار 

..ومتى تكون الكفاءة أولا؟ 

أمينة النقاش 

استدعى المارثون المفتوح لترشيحات التعيين فى مجلس الشورى، من قبل بعض الكتاب والصحفيين، موضوعا تأخر كثيرا عن النقاش العلنى الصريح، وأقصد به المعايير التى يتم على أساسها داخل دوائر الحكم وأجهزته المتعددة، ومؤسساته، الاختيار لشغل المسئولية فى مؤسسات الدولة المختلفة. ما هى الجهات التى تحدد من يصلح ومن لا يصلح لتولى تلك المهمة أو غيرها؟ وقبل هذا وبعده، من هم المسئولون عن الترشيح أولا قبل تحديد الصلاحية ؟ هل هناك ما يكفى من الثقة فى قدرتهم على النظر فى الصالح العام فقط عند تقديم المشورة فى هذا الإطار؟ وهل تكفى التقارير الأمنية كى تكون المعيار الأساسى للاختيار، أم ينبغى أن يكون الرضا الأمنى واحدا فقط من بين معايير كثيرة تتصدرها الأهلية والكفاءة المهنية والعلمية، والجدارة التى تكسب الموقع احتراما وتقديرا  بشخص من يتولاه، وليس بشخص تفرضه حسابات شخصية على الموقع التنفيذى دون مؤهلات، فيهبط به إلى الحضيض، حيث لا قيمة لمعايير الصعود أو حتى الهبوط.

حضرت تلك القضية بقوة خلال الأسابيع الماضية، فى أعقاب التعيينات التى تمت مؤخرا فى بعض هيئات الدولة  ومؤسساتها، وأثارت من الدهشة والاستغراب وعلامات الاستفهام بل الخوف الكثير، ليطرح السؤال الكبير من هؤلاء؟ ما هى مؤهلاتهم  سوى التزلف والرياء والضعف المهنى والشخصى كى تعتمد الدولة عليهم و تمنحهم الثقة لإدارة تلك الهيئات؟ . سيقول لى قائل معترضا، كل اختيار فى موقع تنفيذى لن يرضى عنه  الجميع وسيلقى معارضة. هذا صحيح بشرط، ألا تغيب عن هذا الاختيار عوامل موضوعية يصعب تجاهلها كالكفاءة، والقدرات المهنية الواضحة التى يسهل بها محاججة المعارضين، بل حتى إسكاتهم.

عانت مصر عبر عقود، ولا مبالغة فى القول بل عصور، من ظواهر فساد سياسى، كان  الولاء والمحسوبية والقرابة والمصاهرة والثروة والرشوة هى الطريق الوحيدة للترقى الوظيفى والاجتماعى.  ولعبت ثورة 23 يوليو فى هذا السياق دورا محوريا فى محاصرة تلك الظاهرة، بأن أرست قيما لمجتمع جديد، جعلت العمل والموهبة والكفاءة هى المعيار الأول للترقى الاجتماعى والوظيفى للجميع بدرجات وفرص متساوية. لكن رياحا عاتية هبت علينا مع سياسات الانفتاح الاقتصادى لتفتح البلاد على مصراعيها لمغامرين وأفاقين  ولصوص، لنهب ثروات البلاد وتجريفها، وتحطيم قيم اجتماعية راسخة، لتغدو  الثروة والفهلوة والنفاق السياسى، وتداخل المصالح، هى العوامل الحاكمة للصعود الاجتماعى والسياسى.

فى خطابه فى العيد الثامن والستين لثورة 23 يوليو، أكد الرئيس السيسى، أننا بالعلم والعمل نبنى إنسانا يستطيع مواجهة تحديات العصر، وننفذ ملحمة تنموية لبناء وطن متقدم بجميع المجالات. لكنه حذر فى الوقت نفسه من أن مصر تمر بتحديات لم تعرفها من قبل فى التاريخ  الحديث، بما يجعل الاصطفاف الوطنى أمرا حتميا، ويتطلب أن يكون المصريون على قلب رجل واحد، لمواجهة تلك التحديات للحفاظ على مصر وحق شعبها فى الحياة.

ولا يستطيع أحد أن يجادل فى ضرورات الاصطفاف الوطنى، وأن تصبح مصر على قلب رجل واحد، لمواجهة أخطر التحديات الداخلية والخارجية وشتى أنواع الضغوط، وهى تعيد -رغم كيد الأعداء- منذ ثورة 30 يونيو، بناء نفسها بمشروعات عملاقة غير مسبوقة، تقضى ضمن ما تقضى على التراخى والقبح والفساد، وشهوة الاعتداء على المال العام، وتفتح أبواب العمل لعشرات الآلاف من الأيدى العاملة التى تعطلت بحكم كل الظروف، عن العمل، فتعمر صحراء كانت قاحلة، وتمدد الطرق والكبارى وتشق الأنفاق لتنفتح آفاق جديدة للتنمية، وتستعاد صناعات أُفِلَتْ، ويزهو العمران بإنشاء مدن جديدة، ويستعيد الاستثمار والسياحة العافية، لتخطو مصر بخطى واثقة  نحو عصر جديد.

وإعطاء  أولى الأمر، الاهتمام الواجب  والضرورى فى تلك الظروف الصعبة، لتنقية البناء الوطنى، من تلك الاختيارات  السلبية التى تضعف هياكله، وتشيع اليأس بين بعض فئاته، حين يتصدر بعض الجهلة والتافهين والأفاقين والآكلين على كل الموائد، وقبل ذلك وبعده غير الأكفاء،  للمشهد العام انسياقا وراء حسابات هامشية وصغيرة، وهو أمر تستحقه عن جدارة مصر الأبية  المكافحة الصابرة.

التعليقات متوقفه