محمود دوير يكتب:”آفة حارتنا النسيان “..عن علاقة المواطن “الإخوانى ” بالوطن 

491

هل فعلا صدق العظيم “نجيب محفوظ ” حين قال “آفة حارتنا النسيان” ؟..أم أن الذاكرة الجمعية للشعوب تختزن أوجاعها ومعاناتها أكثر مما تحتفظ به من انتصارات وأفراح .

على كل الأحوال نظن – وبعض الظن إثم – أن الذاكرة تحتاج منا إلى عملية تنشيط مستمرة ودائمه لعنا نُذكر من نسى أو تناسى ونؤكد على من يقرأ دروس التاريخ ويستوعب حكمته فى رؤيتنا للحاضر .

التاريخ حلقات متصلة كما يرى رجاله .. ولكل مرحلة من حلقاته ظروف موضوعية تساهم فى صياغته وتفاعلاته لكن المؤكد والثابت أن البعض يبحث دائما عن قراءة ذاتية لتفاصيل التاريح ويحاول أن يستنطقه بما ليس فيه.

نحن فقط سوف نفتش عن بعض ما يؤكد ما نعتقد أنه صحيح وهو أن جماعة الإخوان المسلمون كانت منذ اللحظة الأولى على عداء مع هوية الشعب المصرى التى صاغها الراحل الكبير “ميلاد حنا” فى كتابه المؤسس “الأعمدة السبعة للشخصية المصرية” والذى تناول خلاله مكونات تلك الهوية والعوامل التى ساهمت فى تشكيل هذا الوجدان الفريد والمتميز .

ويظل التصور الذى تتأكد صحته يوما بعد يوم فى أن التناقض مع تلك الجماعة هو بالأساس تناقض حضارى وثقافى وقيمى له وجوه اقتصادية وسياسية وأن الصراع السياسى ما هو إلا طريق لفرض نموذجهم الحياتى والحضارى الذى يعود بنا لقرون من الزمان حتى لو ارتدى بدله واحتسى القهوة واستخدم وسائل التكنولوجيا الحديثة فما هذا كله سوى أدوات يظنون أن الله قد سخرها لهم مثل البهائم والأنعام لتحقيق مرادهم وحلمهم المريض الذى يتناقض مع حقيقة الكون والتطور الطبيعى للبشرية والانسانية التى حباها الله نعمة العقل ومنحها حق التنوع والإختلاف وميزها بالرقى والتحضر .

فى عام 2011 وبعد أقل من شهرين من استفتاء مارس الشهير الذى صنع من “صبحى صالح ” نجما اعلاميا فجأة وحوله بقدرة قادر إلى خبير دستورى فذ تلقى المجتمع المصرى صدمة افقدته توازنه وأثارت جدلا واسعا وفتحت الأذهان على ما كنا نحن ندركه ونعى مخاطره فقد أطل علينا المحامى قائلا “وإحنا لما نجيب الإخوة نجوزهم بالأخوات هيطلعلونا عيال إخوة بالميراث، فلما ننطلق بعمل جماعى نبقى إحنا بعائلاتنا عملنا مجتمع إخوان فرض نفسه على الدنيا.. من البيت نصنع مجتمعا ومن مجتمع نصنع حكومة، واللى جاية إسلامية إن شاء الله رشيدة “لكن الأخطر فى تلك التصريحات كانت رؤيته للآخر – غير الإخوانى – حيث قال الجهبذ القانونى ” ” هل نترك إبنتنا التي ربيناها لمجرد أن الإخواني أحب واحدة من على الرصيف”، ثم يعود ليضيف” أنا أتحدث عن بناتي .. بنات الإخوان اللاتي ربيناهن ” هكذا يرى الإخوان غيرهم !!

ويواصل “صالح ” الكشف عما يخفيه الإخوان فى صدورهم ويقول قبل أن يعتذر عن تلك التصريحات بسبب ضغوط سياسية ومواءمات انتخابية” «جماعة الإخوان لا تعترف بمفاهيم: مسلم ليبرالى ومسلم علمانى ومسلم يسارى، نحن لا نعرف إلا مسلماً يكفيه دينه عما سواه من المناهج ” وقد كشفت التجربة بأن ما قاله صبحى صالح هو ما تؤمن به الجماعة وما عكس ذلك فهى مجرد مناورات ومساحيق تجميل تزول فورا بعد أو غسلة وهذا ما حدث بالفعل .

ويكمل “صالح ” عنقود تصريحاته الثمين داعيا الله فى عام 2013 “اللهم أمتني علي الإخوان”

يمثل “صبحى صالح” وجه الإخوان الواضح والمباشر الذى قدم لنا خدمات جليلة علينا أن نقر بها فقد كانت صراحته مفيدة لمن لا يريد أن تخدعه المساحيق.

أما هؤلاء الذين غُيب وعيهم بتلك المساحيق فكنا ومازلنا ندعو لهم بالطريق الصحيح والقدرة على استجلاء الحقائق.

لكن “صالح” لا يمثل الجماعة وهو بشر قد يخطىء ويصيب ودعونا نتعامل مع القيادات المؤسسة والرموز – هذا ما قاله ويقوله البعض من أصحاب شعار”أنا مش إخوانى بس بأحترمهم” !!!

وليكن هذا … ونقول لهم  ماذا عن رأى الشيخ “حسن البنا” نفسه فى شأن الوطن وهو إمامهم ومرشدهم الأول ومؤسس الجماعة …وهل هناك فرق كبير بين ما جاء به “صبحى صالح” ؟

يؤكد  ” البنا” في “رسالتة التى تحمل عنوان “دعوتنا” قائلا “الوطنية، هي أحد أسباب تشرذم الأمة إلى طوائف متناحرة متقاتلة، على أساس المصالح الشخصية والأهواء الدنيوية، مما يشجع أعداء الأمة على استغلال هذا الخلاف لصالحهم…”ويتابع تعريفه تحديد حدود الوطن على أساس العقيدة الدينية فيقول” أما أوجه الخلاف بيننا وبينهم، فهو أننا نعتبر حدود الوطنية بالعقيدة، وهم يعتبرونها بالتخوم الأرضية، والحدود الجغرافية، فكل بقعة فيها مسلم يقول (لا إله إلا الله محمد رسول الله)، وطن عندنا له حرمته وقداسته وحبه والإخلاص له والجهاد في سبيل خيره.” وهنا يقصد بين الجماعة وبين أصحاب الرؤى المدنية والمدافعين عن الوطن .

ويؤكد ” وكل المسلمين في هذه الأقطار الجغرافية أهلنا وإخواننا نهتم لهم ونشعر بشعورهم ونحس بإحساسهم”

ربما تذكرنا كلمات “البنا” بتلك التى قالها المرشد الراحل “مهدى عاكف” عندما قال “إن أندونيسيا أو ماليزيا مسلما أهم من مصر كلها”.

ولن نجد خلافا بين ما قاله المرشد المؤسس أو المرشد الأسبق عن ما جاء به “سيد قطب ” فى كتاب “فى ظلال القرآن” “لم يعد وطن المسلم هو الأرض إنما عاد وطنه هو دار الإسلام، الدار التي تسيطر عليها عقيدته، وتحكم فيها شريعة الله وحدها، الدار التي يأوي إليها ويدافع عنها ويستشهد لحمايتها، ومد رقعتها، وهي دار الإسلام “ويضيف” جاء الإسلام ليرفع الإنسان ويخلصه من وشائج الأرض والطين ومن وشائج اللحم والدم، وهي من وشائج الأرض والطين، فلا وطن للمسلم، إلا الذي تقام فيه شريعة الله، فتقوم الروابط بينه وبين سكانه على أساس الارتباط بالله، ولا جنسية للمسلم لا عروبة ولا ما يحزنون إلا عقيدته، التي تجعله عضوا في الأمة الإسلامية في دار الإسلام ”

هكذا تبدو الصورة أكثر دقة ووضوحا …. لم يخرج صبحى صالح عن النص ولم يخالف “مهدى عاكف” أدبيات الجماعة وأسسها الفكرية بل عبروا بكل دقة عنها لكن البعض مصمم – بحسن نيه أو بدونها –  على اختزال الأمر فى مجرد صراع سياسى فقط دون الغوص فى أبعد من ذلك .. هو صراع هوية ونضال وطن تسعى الجماعة لأن يتحلل ويتلاشى .. ألم نقل ما قاله “نجيب محفوظ” أن آفة حارتنا النسيان .

التعليقات متوقفه