عيد عبد الحليم يكتب:”فرقة الصامتين”.. شباب يتحدى الإعاقة بالفن

230

الفن هو أقدر الأشياء على تحويل المستحيل إلى أمر ممكن، وهذا ما ينطبق على “فرقة الصامتين” المسرحية، وهي الفرقة الأولى من نوعها في مصر من الصم والبكم، الذين تغلبوا على الإعاقة بالإبداع، وخلقوا من العجز حالة من العطاء والقدرة على الابتكار.

تأسست الفرقة عام 2005 بمدينة المحلة الكبرى على يد رضا عبد العزيز مخرج ومصمم الرقصات الذي اتخذ من أسلوب الموسيقار العالمي “بيتهوفن” في التعامل مع الموسيقى وحيا وإلهامًا، وهو ما يعرف بالاتصال العظمي، وهو عبارة عن تحويل النغمات الموسيقية إلى ذبذبات يحسها الصامتون عوضا عن سماعها، وهو فنان قام بتطوير هذا الأسلوب عن طريق النقر على الكفوف والأكتاف ليتناسب مع طبيعة إعاقة الصامتين. وقد اختار رضا لفرقته هذا الاسم ليعبر به عن عالمهم الصامت الساكن.

ويهدف “مسرح الصامتين” إلى الارتقاء بالطفل والناشئين الصم بهدف خلق جيل مبدع من ذوي الإعاقة منفتح على العالم، قادر على المشاركة في تأسيس مجتمع مبدع ناضج فكريا، ومساهم في تطوير الحضارة الإنسانية.

وحول الفكرة يقول رضا عبد العزيز: جاءت الفكرة عام 2005 حيث كنت أعمل مدرسًا في مدرسة الأمل للصم بالمحلة أخصائي مسرح، رأيت عروضا مسرحية بلغة الإشارة قبل عملي في مجال المسرح، وأنا كذلك موسيقي واستعراضي، فتوقفت عند الموضوع، وحاولت خلق طريقة للاقتراب من هؤلاء الأشخاص الذي حرموا من السمع والنطق. فبدأت أبحث عن لغة فنية من خلال ثقافتي الموسيقية، فحاولت إقامة عروض تتماشى مع قضاياهم من خلال توظيف لغة الجسد، ومن خلال توظيف كل الوسائل المتاحة عندهم، بدأت بعروض تجريبية، حتى قابلت الراحل د.رفيق الصبان، فحدثته عن تجربتي، خاصة أنه كان مهتما بالمسرح الراقص، فأحضرت له شريط فيديو لعروض الفرقة فقال لي: أنت أحدثت شيئا جديدا في فن الرقص الحديث، فرشحني للمهرجان الدولي للرقص بإدارة وليد عوني، وهو المهرجان الذي توقف بعد سفر “عوني” وبعد العرض وصفنا د.الصبان في مقال له: بأننا مفاجأة المهرجان، وهي فرقة تأتي من الأقاليم المصرية بروح المغامرة.

أشادت بنا كل وفود الدول الأوروبية، خاصة التكتيك الفني، خصوصا أن هناك صعوبات واجهتني وهي كيف أجعل الممثلين متفاعلين مع الموسيقى وهم صم وبكم، فتغلبت على ذلك بالرجوع إلى بيتهوفن، فبعد إصابته بالصمم أنه كان يضع رأسه على جسم البيانو حتى يحس بعظم الجمجمة بالموسيقى الخارجة من البيانو، أطلقت مصطلح “الاتصال العظمي” وهو ما جعل الصامتين يحسون بالموسيقى بالاتصال العظمي عوضا عن سماعها.

ويضيف عبد العزيز قائلا: “بيتهوفن” حتى سن 32 عاما كان يسمع، أما الأولاد الذين أتعامل معهم فولدوا صما، فتحتم عليّ أن أكرر أسلوب “بيتهوفن” وكنت أريد الوصول إلى منهج جديد “التيمبو الموسيقي” إيقاع بحركة الأكتاف حتى يحسوه بعظامهم من خلال تكثيف البروفات.

كذلك حركة العين استطاعوا التواصل بها مع الجمهور، وهي تقنيات فنية وليدة اللحظة، وعن أهم عروض الفرقة سوف نجد أنها قدمت مجموعة من العروض منها” العرض الأول “أجنحة صغيرة” وهو العرض الذي عرفنا به في الوسط الثقافي، وتناول قضية الانتهاكات التي يتعرض لها أصحاب الاحتياجات الخاصة، وعرض على المسرح الصغير بالأوبرا، وحضره عدد كبير من المهتمين بفن المسرح. وشاركت به في مهرجان الرقص الحديث.

ويؤكد رضا عبد العزيز أن هناك توجها واضحا لعروض الفرقة، حيث كل عرض قدمناه له قضية، فالهدف من الفرقة تحقيق تواصل بين الصم والجمهور، وعلى سبيل المثال قدمنا عرض “نيران صديقة” والمقصود بها نيران السجائر والمخدرات، وعرض في المركز الثقافي الفرنسي ولاقى استحسانا كبيرا، وحضره عدد كبير من طلبة الجامعات، وهو عرض اجتماعي قمنا فيه بتقديم نماذج حية حتى يبتعد الشباب عن العادات السيئة، بعد ذلك جاء عرض “كليوباترا” وهو عرض تاريخي ويتكلم عن الحضارة الفرعونية وهوية مصر وتاريخ لشخصية “كليوباترا” التي تعتبر واحدة من أهم الشخصيات المصرية القديمة.

كيان “الصامتين” منقسم لفرقتين “هتاف الصامتين” للأطفال الصغار، ولا يوجد لها دعم فهي تابعة للهيئة العامة لقصور الثقافة وكثيرون منهم لا يعمل بأجر، وقد تحدثت مع رئيس هيئة قصور الثقافة ولم يستجب أحد لمطالبنا حتى الآن رغم أنها بسيطة وكلها مرتبطة بالدعم المادي البسيط.

وتحدثنا مع د.صابر عرب وزير الثقافة الأسبق الذي وعدنا بالاستجابة لمطالبنا، وإلى الآن أصرف على الفرقة من جيبي الخاص، العروض تتكلف كثيرا، ومع ذلك أنا سعيد بما أقدمه.

الفرقة الأخرى “الصامتين” وهي فرقة خاصة للكبار وتقدم عروضها بشكل مستمر، خاصة في التجمعات الثقافية، وحاليا نقدم عروضنا في مركز طلعت حرب الثقافي بالقاهرة.

وعن رؤيته لمستقبل الفرقة يقول عبد العزيز: بالنسبة لي المسألة تمثل مشروعا فنيا أسعى جاهدا من خلاله إلى التواصل مع الجمهور فلا يوجد شيء أو عمل بمعزل عن اتصال الناس به، وهنا يصبح فصل العمل عن المشاهد مستحيلا، كما لا يمكن اعتبار الفن حالة خاصة– أي شيئا مكتملا في ذاته ومبررا لنفسه- بل يصبح أثرا ينتج عند “الاتفاق” بين العمل ومتلقيه، أي نقطة تتحدد وفق عمليات التفاوض المتغيرة وتخضع لها، والفن وفق هذه النظرة، وكذلك الأعمال الفنية، ليست مجرد “أشياء” بل هي وقائع وأحداث لا يمكن أن ننسب هويتها إلى عمل الفنان وحده أو إلى تلقي المشاهد لها وحده.

لذا ستحاول الفرقة جاهدة في عروضها القادمة التواصل مع البيئة المحيطة بها لتقدم مسرحا يتماشى مع اللحظة والمكان، وأرى أن المسائل تتطور يوما بعد الآخر، فأعضاء الفرقة يكتسبون كل يوم خبرات جديدة، على مستوى الرؤية، وعلى مستوى تطوير الأداء الحركي، وهنا يمكننا الحديث عن التطلع إلى اجتياز حدود الشكل من أجل تقديم المسرح الشامل، الذي يتضمن إبهارا بصريا وعقليا.

 

التعليقات متوقفه