التظاهرات والطموح السياسى فى ليبيا… إلى أين؟!

211

انطلقت تظاهرات كثيفة الأسبوع الماضى في عدة مدن بغرب ليبيا، للمطالبة بتحسين الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية, وتصاعدت الاحتجاجات على تدهور أوضاع المعيشة والفساد في طرابلس, واستخدم مسلحون الرصاص لتفريق المتظاهرين وتخللت المظاهرات أحداث عنف، ما أسفر عن إصابة عدد من المتظاهرين, وتم فرض حظر تجول على مدار 24 ساعة لمدة أربعة أيام, للتصدي لفيروس “كورونا” المستجد, في خطوة اعتبرها منتقدون تكتيكاً لقمع الاحتجاجات.

ورغم ذلك استمرت رقعة الاحتجاجات تتسع وصولاً إلى مدينة سبها بالجنوب الليبي، للمطالبة بتحسين الأوضاع المعيشية المتردية, التي يعاني منها المواطنون هناك منذ سنوات، وإقالة المسؤولين عن إدارة شؤون البلاد، في وقت تكابد هذه المنطقة حالة من الاستقطاب السياسي بين الأطراف الفاعلة في المشهد راهناً, وندد المتظاهرون الذين خرجوا تحت راية حراك ” ثورة الفقراء”, بتعرض مناطقهم للإهمال والنسيان من قبل الحكومات المتعاقبة على إدارة شؤون البلاد, منذ إسقاط نظام الرئيس الراحل “معمر القذافي”.

وندد المتظاهرون بانتشار المرتزقة وتعريض حياة المواطنين الليبين للخطر على أيدى الميليشيات المسلحة والمرتزقة الذين أرسلتهم تركيا إلى البلاد، بعد ارتكاب الميليشيات لعمليات سرقة ونهب وابتزاز بحق المواطنين, بالإضافة إلى أن العاصمة الليبية طرابلس تعاني تردياً يوصف بالمهول في الخدمات العامة، وتواصل انقطاع الكهرباء لمدة تزيد عن 16 ساعة فى بعض الأحيان، وسط تساؤلات حول سبب هذا “التعثر” رغم وجود موارد مالية مهمة.

كما أغلق المتظاهرون الطرق وأشعلوا النيران في إطارات السيارات بمنطقة الحي الإسلامي، فيما أظهرت لقطات مصورة انتشاراً لمسلحين بعد تبادل إطلاق نار لأسباب غير معلومة، بالإضافة إلى إغلاق (كوبري 17) مدخل طرابلس الغربي في منطقة جنزور قرب مقر بعثة الأمم المتحدة, واندلعت الاشتباكات بين الميليشيات المسلحة لحكومة الوفاق, بالقرب من مقر إقامة السراج في منطقة النوفليين بالعاصمة, تم خلالها تبادل إطلاق نار في محيط مقر كتيبة متمركزة بمنزل عائشة القذافي في المنطقة.

 

وبعد أن انسحبت القوات التابعة لحكومة الوفاق من ميدان الشهداء, وذلك بعد تدخل مسلحين لفض المحتجين, اختطفت الميليشيات عددا من المتظاهرين في ميدان الشهداء, ودعت منظمة (العفو الدولية) إلى إطلاق سراح ستة محتجين على الأقل, اختطفوا عندما أطلق مسلحون الذخيرة الحية لتفريق مظاهرة في العاصمة، عندما احتشد محتجون في طرابلس وأماكن أخرى في غرب ليبيا للتنديد بتدهور الأوضاع الاقتصادية والفساد, وقالت منظمة العفو إن مسلحين يرتدون زياً عسكرياً, فتحوا النار على المتظاهرين, دون سابق إنذار, مستخدمين بنادق كالاشنيكوف وأسلحة آلية مثبتة على شاحنات.

ومن جهة أخرى، كشفت مصادر عسكرية ليبية عن حدوث انشقاقات بين جبهات المرتزقة والميليشيات في طرابلس، وتؤكد الصور عمليات اعتقال من الميليشيات لبعض عناصرها, وأوضحت المصادر أن الانقسام يتمثل في جبتهين يقود إحداهما وزير داخلية السراج ” فتحي باشاغا”, والأخرى بقيادة ” أسامة الجويلى” الذي يعد أحد كبار القادة العسكريين لقوات حكومة الوفاق, بعد قيام قوة من عناصر باشاغا القبض على مرتزقة تابعين لميليشيات الجويلي في منطقة ورشفانة.

يُذكر أن قبل شهور أوعز الجويلى إلى السراج، تشكيل قوة عسكرية مشتركة تقوم وقت الحاجة بتأمين العاصمة ومقرات الحكومة, وبالفعل في شهر يوليو الماضي، تقرر إنشاء ما بات يعرف باسم “القوة المشتركة”, من الوحدات التي تشارك في عملية بركان الغضب لقوات الوفاق، بقوام 500 فرد من كل منطقة عسكرية تحت دعوى تأمين المنطقة الغربية والقبض على العصابات المسلحة.

على الجانب الآخر, أوضح مدير التوجيه المعنوي بالجيش الوطني الليبي العميد ” خالد المحجوب”, أن الصراعات بين الميليشيات في طرابلس نابعة من رغبة كل طرف منهم في السيطرة على عملية صنع القرار أو نتيجة الاختلافات الآيدولوجية, وكشف المحجوب عن نية تركيا إقامة منطقة خضراء داخل العاصمة الليبية طرابلس، وهو الأمر الذي بدأ يثير حفيظة وقلق المواطنين الليبيين في طرابلس, وأشار إلى أن الأتراك يقومون بتدريب المرتزقة السوريين في طرابلس، عوضا عن تدريب قوات ليبية، وسط تقارير عن استمرار قدوم المسلحين من سوريا عن طريق تركيا.

وأكد الجيش الوطني الليبي إنه جاهز للتصدي لأي هجوم من قبل مرتزقة تركيا على سرت، فيما تواصل أنقرة تقديم دعمها للميليشيات، وسط انتقادات دولية, وتعهّد قائد الجيش الوطني الليبي، المشير خليفة حفتر، بطرد الأتراك من ليبيا، قائلا إن الشعب الليبي لم ير من الأتراك، سوى القتل والشر والجباية خلال 300 عام من الاحتلال التركي, وأكد حفتر أن المرتزقة الذين أتوا إلى ليبيا مأجورون ومدربون, فهذه المجموعات لا وطن لهم ولا عائلة لهم ولا صفة لهم سوى الاسترزاق.

ورأى بعض المراقبين والمحللين أن هذه المظاهرات قد جعلت اتفاق وقف إطلاق النار يتراجع إلى الوراء، وهو الاتفاق الذي أعلنه كل من رئيس مجلس النواب في شرقي ليبيا “عقيلة صالح”، ورئيس حكومة الوفاق ” فايز السراج” في بيانين منفصلين, ورأى آخرون أن موجة الغضب تلك تشير إلى أنه ” لا مجال لاستمرار ما يسمى بحكومة الوفاق”.

وتعيش طرابلس حالة من التوتر, بعد إقدام ” السراج” على وقف ” فتحى باشاغا” وزير الداخلية بحكومة الوفاق (التى تولت السلطة نهاية عام 2015 م بموجب اتفاق الصخيرات بالمغرب), احتياطياً عن العمل وإحالته لتحقيق إدارى، وتكليف وكيل له جميع مهامه، على خلفية اتهامه بمساندته ودعمه للمتظاهرين الذين خرجوا ضد السراج.

يُذكر أن “باشاغا” العائد من زيارة إلى تركيا، قد أعلن اعتقال شخص بتهمة إطلاق النار على المتظاهرين، وقال في بيان له إنه ستتم إحالته للنيابة, وقد جاء هذا البيان في وقتٍ تصاعدت فيه أصوات معسكر السراج للمطالبة بإقالته من منصبه، لكن ” حراك 23 أغسطس” دعا في بيانه الرابع لتنظيم مليونية في ميدان الشهداء ودعا باشاغا لحمايتها.

ويحظى باشاغا بتقدير كبير من قبل الداعمين الدوليين لحكومة الوفاق, وقد أعلن خطوات لكبح جماح الجماعات المسلحة التي تمسك بالسلطة الحقيقية في طرابلس, لذا تم وقفه عن العمل, ولعل هذا التحسب كان سبباً في تأجيل صدام كان محتوماً في نهاية المطاف، رغم تأجيله عدة مرات قبل أن تفجره مظاهرات.

فى هذا السياق, قال الأمين العام لحلف شمال الأطلسي ” ينس ستولتنبرغ”, خلال اجتماع لوزراء دفاع الاتحاد الأوروبي في برلين، إن تركيا تواصل عرقلة جهود الناتو للتعاون مع الاتحاد الأوروبي في فرض حظر الأسلحة الصادر عن الأمم المتحدة, وأضاف أن التحالف الدفاعي للحلف يبحث عن سبل للتنسيق المحتمل مع عملية الاتحاد الأوروبي لمراقبة حظر الأسلحة “إيريني”, التي تهدف لمراقبة تنفيذ حظر الأسلحة على ليبيا.

واتهمت بعثة الأمم المتحدة في ليبيا قوات الأمن التابعة لحكومة الوفاق الوطنى, بـ” الاستخدام المفرط للقوة “, وحثّت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، على الهدوء وتطبيق سيادة القانون والحفاظ على حقوق جميع المواطنين في التعبير السلمي عن آرائهم, وذكرت في بيانٍ لها أن ليبيا تشهد تحولاً لافتاً في الأحداث, ما يؤكد الحاجة المُلحة للعودة إلى عملية سياسية شاملة ومتكاملة من شأنها أن تلبي تطلعات الشعب الليبي إلى حكومة تمثله بشكل ملائم، كما وإلى الكرامة والسلام.

ومع تصاعد حدة تلك المظاهرات السلمية غير المسبوقة، يتطلع كل طرف سياسي إليها بحسب ما يتمناه أو يرجوه, لكن ذلك لا يمنع المتوجسين من توقع دخول البلاد في دائرة المجهول, وذلك عبر سيناريوهات عديدة قد تعيدها إلى الفوضى مجدداً.

التعليقات متوقفه