النزاع الذي سيمكن أمريكا من بحر الصين الجنوبي

765

 

 

كتب د.نصر عبد الخالق

يشهد بحر الصين الجنوبي نزاع حدودي بين كل من الصين، فيتنام، ماليزيا، بروناي، الفليبين و تايوان. و تتداخل مطالب هذه الدول بشكل يشبه لوحات الفن التجريدي،  فمطالبة الصين ب ٩٠ ٪ من المياه المتنازع عليها تجعل تشابك المطالب واقع لامفر منه.

و يكمن رصد هذه المطالبات في السيطرة علي الجزر المتناثرة في أرجاء هذا البحر و المقسمة إلي أرخبيلين : براسيل و سبراتلي. الأول تطالب به فيتنام و الصين فقط، و قد حسم أمره في العام ١٩٧٤ بعد مواجهة عسكرية انتهت بسيطرة الأخيرة علي الأرخبيل و أدت الي مقتل ١٨  صينيا و ٥٣ فيتناميا.

أما الثاني، فبخلاف الصين التي تدعي السيادة الكاملة عليه، تطالب به جزئياً كل من فيتنام و ماليزيا و بروناي و الفليبين و تايوان

و يعتبر أرخبيل سبراتلي هو النقطة الساخنة في النزاع، حيث تسيطر فيتنام علي حوالي ٥١ جزيرة و صخرة منها ما تحول إلي قواعد عسكرية و منها ما تحول إلي مدن لاستضافة السائحين و منصات للإستكشافات العلمية. و إذا كانت الصين تسيطر علي أرخبيل براسيل بالكامل فإنها لا تضع يدها سوي علي ٧ مرتفعات بحرية في سبراتلي، بينما تحتل منه الفليبين ٩ مرتفعات بحرية و تحتل تايوان جزيرة ايتو أبا أكبر الجزر في الأرخبيل، أما ماليزيا فتسيطر علي ٥ مرتفات بحرية تقع بالقرب من سواحلها.

و علي صعيد أخر، سيطرت الصين في العام ٢٠١٢، بعد مواجهة عسكرية مع القوات الفليبينية،  علي مرتفع سكابورو الواقع بالقرب من المنطقة الاقتصادية للفلبين. و حرصت الأخيرة علي التزام القنوات القضائية و رفعت قضية علي الصين أمام محكمة التحكيم الدائمة بلاهاي، و التي اعتبرت ف حكمها عام ٢٠١٦ ان مطالب الصين في النزاع لا أساس لها في القانون الدولي.

و تأخذ تايوان نصيبها في الصراع مع الصين علي جزيرة براتس التي وضع فيها وزير الدفاع التايواني, في مايو الماضي, اللواء بحري ٩٩ المعروف باسم “القوة الحديدية” لأول مرة منذ عشرين عاماً تحسباً لأي هجوم صيني.

و كما اعتدنا دائماً أن الثروات تصاحبها الصراعات، فإن بحر الصين يحوي كميات هائلة من النفط و الغاز الطبيعي.

هذا فضلاً عن أهميته الاستراتيجية كونه ممر ملاحي يعبره نصف الحمولة العالمية للهيدروكربونات كما تعبره سنوياً ما يقارب الستين الف ناقلة تجارية أي ثلاثة أضعاف ما يعبر قناة السويس.

 

و لذلك يمثل هذا البحر لبكين أهمية قصوي إذا ما أخذنا في الاعتبار مشروع طريق الحرير الجديد الذي يستلزم من بكين تأمين مصادر الطاقة و حماية محيطها من التواجد الأمريكي المتزايد في المنطقة

و تبرر الولايات المتحدة هذا التواجد بحماية حلفائها و حرية الملاحة في المنطقة، فجاءت أخر المناوشات بين القوتين عندما اخترقت طائرتي تجسس منطقة الحظر الجوي الصينية و ذلك أثناء  تدريبات للجيش الصيني. هذا بالإضافة إلي العقوبات الأمريكية التي فرضتها أمريكا علي ٢٤ شركة صينية لاتهامها بمساعدة الحكومة الصينية في بناء قواعد عسكرية في البحر المتنازع عليه.

و إذا ما وضعنا نزاع بحر الصين في سياق الحرب التجارية الصينية-الأمريكية نجد ان الأخيرة لم تبدأ في التعبير المباشر عن انحيازها  إلا بعدما اشتدت الصراعات التجارية بينهما و العقوبات المفروضة علي الشركات الصينية بداية بهواوي ثم تيكتوك ثم وي شات، فهل التواجد العسكري الأمريكي هو ورقة ضغط علي بكين لتقديم تنازلات في القضايا التجارية العالقة؟ أم أن الخيار العسكري سيكون ورقة واشنطن الأخيرة لوقف التقدم الإقتصادي الصيني؟ و هل سنشهد اليوم الذي تتحارب فيه قوتين نوويتين أم أن صوت العقل سيُحكم  ؟

التعليقات متوقفه