فريدة النقاش تكتب:لا إيران ولا إسرائيل

542

قضية للمناقشة

لا إيران ولا إسرائيل

فريدة النقاش

أتابع بانتظام ما يكتبه الدكتور ” مراد وهبة ” حول رؤيته للقرن الواحد والعشرين وأتوقف كثيراً أمام بعض استخلاصاته العقلانية وكتب ” وهبة ” أخيراً مقالاً بعنوان إما إيران أو إسرائيل والذي بدأه بالحديث عن العلاقة العضوية بين الأصولية الدينية والرأسمالية الطفيلية ، ورأى في كل منهما وجهاً للآخر في معاداة الحضارة ، وهو استخلاص محترم وجدير بالنقاش ، وإن كان ناقصاً لأن الصهيونية ، أي الفلسفة التي قام عليها المشروع الإسرائيلي لاغتصاب ” فلسطين ” هي أيضاً أصولية جداً .

وقد وصل د. مراد عبر تحليل منطقي لخصائص وأسباب نشوء كل من الظاهرتين الأصولية والطفيلية ، ثم أشار بسرعة إلى علاقتهما بأمريكا ، ودور مشروع ما سمى بالانفتاح الإقتصادي في نشأتهما ودعمهما ، وأضيف ـ أنا ـ أنهما أيضاً كانتا فكرتين لمواجهة مشروع التحرر والاشتراكية .

وسرعان ما ينتقل الدكتور ” مراد ” في تحليله من المنطق العلمي إلى المنطق الشكلي ، ثم يصل ـ عبره ـ إلى القول حرفياً : بما أن ” إيران ” والأصولية ملتزمة بتدمير إسرائيل ، فيلزم الدخول في علاقة مع إسرائيل ، ومن ثم تنتهي خرافة منع التطبيع ، ومعها يبدأ التقدم بلا خرافة ”  وكأنما تقدمنا نحن العرب مرهون بتطبيع العلاقات مع إسرائيل ، وهي التي لعبت منذ نشأتها دوراً في عرقلة التقدم العربي .

وأتوقف هنا أمام القول ” بخرافة منع التطبيع ” إذ يبدو أن العرب مختلون نفسيا ، وغاويين تكوين أعداء  ، ولذلك يعادون إسرائيل ويرفضون ـ في غالبيتهم التطبيع معها ، وفي هذا المنطق تجاهل واضح لحقيقة إسرائيل كدولة إحتلال ، ناهيك عن نشأتها غير الشرعية باغتصاب فلسطين وطرد أهلها منها .

ومطالب العرب من إسرائيل ” زي الشمس واضحة وبسيطة ومتواضعة ” ، أول هذه المطالب جلاء قواتها من فلسطين والجولان دون قيد أو شرط ، ثم الاعتراف بدولة فلسطينية حدودها 4 يونيه 1967 ، وعاصمتها القدس الشرقية ، وليست قرية                 ” أبوديس ”  التي يروج لها الدكتور” مراد ” كعاصمة للدولة الفلسطينية وتعرضها عليهم إسرائيل .

وإذا ما حدث ذلك يمكن للعرب أن يضعوا مبادرتهم المتواضعة جداً موضع التنفيذ ، والتي طرحوها سنة 2002 تحت شعار الأرض مقابل السلام .

وحين يصف الدكتور ” مراد ” منع التطبيع بالخرافة ، فإنه يلتقى مع بنيامين نتنياهو الذي يضع شرطا للتسوية بعنوان”السلام مقابل السلام” ويطلب إلى العرب أن لا يتحدثوا مجددا عن الأرض فهي كلها أرض إسرائيل الكبرى والحقيقة أن رفض التطبيع هو سلاح الجماهير العربية الباقي ، وعنوان إحتجاجها على الإحتلال والصلف الإسرائيلي وعرقلة حق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته على الجزء الصغير المتبقي له من أرضه ، ورفض التطبيع هو أيضا شكل من أشكال المقاومة ضد هرولة بعض النظم العربية لإقامة علاقات تطبيع مجانية مع الدولة  الصهيونية ، وذلك بعد أن فقدت الأمة العربية ـ لأسباب كثيرة ، أدوات المقاومة الأخرى للاحتلال الإسرائيلي ، الذي هو بالمناسبة أخر احتلال في العالم .

وتتضمن الدعوة  لرفض الاعتراض على التطبيع بإعتبار هذا التطبيع خرافة معنى واضحاً لغض الطرف عن الاحتلال ، وكأنه شئ طبيعي أن تظل فلسطين محتلة ، والجولان السورية محتلة ، وعلينا نحن العرب أن نتعايش مع هذا الإحتلال باعتباره وضعاً طبيعياً .

ولابد أن الدكتور مراد وهبة يعرف أكثر منا جميعا تلك العلاقة العضوية بين نشأة إسرائيل بمساندة كل من الاستعمار القديم والجديد ، وعلاقة هذه النشأة بالعنصرية والأصولية فقد حولت إسرائيل الدين إلى قومية ، ونشأ بناء على هذا التحول شعار يهودية الدولة .

وأندهش حقاً لأن الدكتور مراد لا يرى هذا التطابق بين أصولية إيران وأصولية إسرائيل فإيران وإسرائيل دولتان دينيتان ، ولا يجوز في هذا الصدد أن تخدعنا شعارات إسرائيل العلمانية .

إن الموضوع الذي نحن مدعوون لغض الطرف عنه من قبل دعاة الإنخراط اليوم قبل الغد في علاقات طبيعية مع إسرائيل ليس تفصيلة تافهة يمكن تجاهلها بل إنه قضية مصير ، فهل يقبل العرب جميعاً بأساً أو براجماتية حتى أن يتنازلوا عن رفضهم للتطبيع ـ حتى الان ـ تطبيقا لشعار السلام مقابل السلام ، ويبقى الإحتلال جاثماً في فلسطين والجولان إلى أن يقضي الله أمراً ؟

وماذا سيكون الهدف ياترى الذي يستحق أن يلقي العرب من أجل تحقيقه السلاح الوحيد الباقي في أيدي بعضهم لمقاومة الاحتلال الإسرائيلي ، والتصدي لمشروع الصهيونية بكامله والذي يطرح بوضوح مخططا لإسرائيل الكبرى من النيل للفرات بينما يسير العرب جميعا في ركاب الولايات المتحدة الأمريكية التي تسعى لحشد المنطقة تحت قيادة ” إسرائيل ” لمكافحة إيران .

ويرفض العرب المشروع التوسعي الإيراني ويعرفون خطورته ، كما أنهم يرفضون المشروع التوسعي الصهيوني ويعرفون خطورته كما أنهم يعرفون ما لم يرصده الدكتور ” مراد وهبة ” من علاقة عضوية بين إسرائيل وأمريكا .

والبحث عن حلفاء ضد التوسع الإيراني والتوسع التركي أيضاً لا يجوز وليس منطقياً أن يقودنا إلى الاستعانة بعدو ليساعدنا على عدو آخر وعلينا أن نرفع شعار لا إيران ولا إسرائيل ،فهما مشروعان توسعيان إحتلاليان يرفضهما العرب مهما كانت الخروقات التي تتم هنا وهناك ، وبين الحين والآخر ، وهو ما يعرفه المواطن  العربي البسيط الذي يرفض أن يرى في الاحتلال قدرا مهما طال عمر ذلك الإحتلال ، كما أنه يرفض أن يعترف بمشروعية إسرائيل رغم كل شئ .

حين قام ” السادات ” فجأة بزيارة القدس ” المحتلة حينذاك ” سنة 1977 كتب ” عبد الرحمن الأبنودي ” مجموعة من القصاد الموجعة ، أنقل لكم بعض ما قاله تعبيرا عن ألمنا ، مصوراً حال المتهافتين على الصلح المجاني مع إسرائيل :

(( أدعي يصالحني عدوي ويغفر لشهدائي ))

التعليقات متوقفه