د. جودة عبدالخالق يكتب:لا  تٌصالِحْ

1٬642

 لقطات

لا  تٌصالِحْ

جودة عبدالخالق

أعزائى القراء. ها نحن نلتقى بعد شهر من الغياب الذى ظلت فيه زاوية  “لقطات” خالية. وما عن قلى كان البعاد، وإنما لدواع صحية حالت دون لقائنا طوال هذه الفترة. كم افتقدتكم وكم أشتاق إلى لقائكم. إنه غياب لمدة شهر، لكنه طويل طويل، كأنه دهر. فأهلا ومرحبا بكم.

خلال فترة انقطاعى عن الكتابة وقع أمر جلل. هو بمثابة بداية تصدع الموقف العربى تجاه  إسرائيل- عدو العرب التاريخى. نعم، فهذه هى الدلالة الاستراتيجية لاتفاقات التطبيع التى عقدتها تباعا كل من دولة الإمارات و مملكة البحرين مع الكيان الصهيونى برعاية  العَرَّاب الأمريكى. في مواجهة اتفاقات التطبيع الخليجية هذه مع العدو الصهيوني، أستدعى بعض الأجزاء بتصرف من قصيدة “مَقْتَل كُلَيْب” للشاعر العروبى أمل دنقل.  كان قد كتبها في نوفمبر 1976، أي قبل حوالى عامين من توقيع اتفاقات كامب ديفيد في 17 سبتمبر 1978. ضَمَّنهَا الوصايا العشر على لسان كُلَيْب بن ربيعة التغلبى (القرن الخامس الميلادى) لأخيه الزير سالم (المُهلهَل عُدَى بن ربيعة التغلبى). ولكنها اشتهرت باسم “لا تُصالِحْ”، بدلا من اسمها الأصلى “مَقْتَل كُلَيْب”.

لا تُصالِحْ،

..و لو منحوك الذهب

أترى حين أفقأ عينيك

ثم أُثَبِّتُ جوهرتين مكانهما..

هل ترى ..؟

هي أشياء لا تشترى..!

 لا تُصالحْ،

ولو توَّجوك بتاج الإمارة

كيف تخطو على جثة ابن أبيكَ..؟

وكيف تصير المليكَ..

على أوجهِ البهجة المستعارة؟

كيف تنظر في يد من صافحوك..

فلا تبصر الدم .. في كل كف؟

إن سهمًا أتاني من الخلف..

سوف يجيئك من ألف خلف

فالدم -الآن- صار وِسامًا وشارة

لا تُصالحْ،

ولو توَّجوك بتاج الإمارة

إن عرشَك: سيفٌ

وسيفَك: زيفٌ

إذا لم تزنْ -بذؤابته- لحظاتِ الشرف

واستَطَبْتِ  الترف

أتنسى ردائي الملطَّخَ بالدماء..

تلبس فوق دمائي ثيابًا مطرَّزَةً بالقصب؟

إنها الحربُ!

قد تثقل القلبَ..

لكن خلفك عار العرب

لا تصالحْ..

ولا تتوخَّ الهرب

لا تُصالحْ،

ولو قيل ما قيل من كلمات السلام

كيف تستنشق الرئتان النسيم المدنَّس؟

كيف تنظر في عيني امرأة..

أنت تعرف أنك لا تستطيع حمايتها؟

كيف تصبح فارسها في الغرام؟

كيف ترجو غدًا.. لوليد ينام

  كيف تحلم أو تتغنى بمستقبلٍ لغلام

وهو يكبر -بين يديك- بقلب مُنكَّس؟

لا تُصالحْ،

ولا تقتسم مع من قتلوك الطعام

وارْوِ قلبك بالدم..

واروِ التراب المقدَّس..

واروِ أسلافَكَ الراقدين..

إلى أن تردَّ عليك العظام!

لا تُصالحْ،

ولو ناشدتك القبيلة

باسم حزن “الجليلة”

أن تسوق الدهاءَ

وتُبدي -لمن قصدوك- القبول

سيقولون:

ها أنت تطلب ثأرًا يطول

فخذ -الآن- ما تستطيع:

قليلاً من الحق..

في هذه السنوات القليلة

إنه ليس ثأرك وحدك،

لكنه ثأر جيلٍ فجيل

وغدًا..

سوف يولد من يلبس الدرع كاملةً،

يوقد النار شاملةً،

يطلب الثأرَ،

يستولد الحقَّ، من أَضْلُع المستحيل

لا تُصالحْ،

إلى أن يعود الوجود لدورته الدائرة:

النجوم.. لميقاتها

والطيور.. لأصواتها

والرمال.. لذراتها

والقتيل لطفلته الناظرة

كل شيء تحطم في لحظة عابرة

 كلُّ شيءٍ تحطَّم في نزوةٍ فاجرة

والذي اغتالني: ليس ربًا..

ليقتلني بمشيئته

ليس أنبل مني.. ليقتلني بسكينته

ليس أمهر مني.. ليقتلني باستدارتِهِ الماكرة

لا تُصالحْ

فما الصلح إلا معاهدةٌ بين نِدَّينْ..

(في شرف القلب) .. لا تُنتقَصْ

والذي اغتالني مَحضُ لصْ

سرق الأرض من بين عينيَّ

والصمتُ يطلقُ ضحكته الساخرة!

لا تُصالحْ

ولو وقَفَتْ ضد سيفِك كل الشيوخ

والرجال التي ملأتها الشروخ

هؤلاء الذين يحبون طعم الثريد وامتطاء العبيد

هؤلاء الذين تدلت عمائمهم فوق أعينهم

وسيوفهم العربية قد نسيت سنوات الشموخ

لا تُصالحْ

فليس سوى أن تُريد

أنت فارسُ هذا الزمان الوحيد

وسواك.. المسوخ!

 لا تُصالحْ

لا تُصالحْ

=======================

عزاء:

فارقنا منذ أسابيع قليلة واحد من أهم المجاهدين العرب في مجال العلوم و التكنولوجيا والأمن القومى العربى، وهو الدكتور أنطوان (طونى) زحلان، الأستاذ بالجامعة الأمريكية في بيروت. إن خير صنيع لإحياء ذكراه هو أن ندعو الأجيال الجديدة لتأمل سيرته  ومسيرته لرفع شأن أمته. تقبله الله مع الصديقين و الشهداء.

 

التعليقات متوقفه