الانتخابات الأمريكية: المؤشرات لا تقود إلى الحقائق

بايدن يتقدم فى استطلاعات الرأي .. وترامب واثق من النجاح

156

كتب مارك مجدي

تؤكد استطلاعات الرأي الأولية أن بايدن يحظي بالتأييد علي حساب ترامب بفارق بسيط, و يبدو أن هذه النتائج تؤثر بقوة علي ترامب وإدارته. فمنذ اللحظة التي أعلن فيها جو بايدن  مرشحاً للحزب الديمقراطي, لم يبالِ ترامب بالتوقعات والاستطلاعات التصويتية التي تراقب ميول الناخبين واعتبر أنها لا تعبر عن الحقيقة, خاصة بعد تجربته في سباق 2016 الذي فاز فيه رغم مؤشرات الاستطلاعات الأولية التي رجحت فوز المنافس, ولكن لاحظ المراقبون تغيرا كبيرا في نظرته لهذه الاستطلاعات الانتخابية عندما نشر تغريدته الشهيرة علي تويتر في 30 يوليو  التي أعلن فيها أنه يفكر في تأجيل الانتخابات مع تزايد الاستطلاعات التي تؤكد تقدم بايدن.

فقد كان ترامب يروج أنه الرئيس الذي نجح في تحقيق وعوده  لناخبيه, كما عبرت خطاباته عن ثقته بالفوز في الانتخابات القادمة, ولكن يبدو أن الشواهد غير الطيبة بالنسبة له بدأت في الظهور مع تقدم بايدن في الاستطلاعات التصويتية عبر مختلف الولايات, مما انتهي لتشكيكه في إمكانية عقد الانتخابات من الأساس ومحاولته للدفع نحو تأجيلها.

لكن هل يعني ذلك أن فوز جو بايدن أصبح أكيداً ؟

في تفسير تقدم بايدن في الاستطلاعات الأولية يذهب جيمس بيندل المحلل والكاتب الصحفي, أنه بينما كانت تجري انتخابات 2016 بين مرشحين مكروهين هم ترامب وكلينتون, فإن انتخابات 2020 هي بمثابة استفتاء علي رئاسة ترامب و ليست منافسة بين ترامب وبايدن.

ويؤكد بيندل علي ذلك من خلال الإشارة إلى المؤشر التصويتي الذي كشف عن نتائجه في أول أغسطس, حيث يتفوق بايدن علي ترامب بنسبة 49% لصالح بايدن و 42% لصالح ترامب, وهو ما يتماس مع نتائج الاقتراعات الأـخري.

وعندما سُئل المشاركون في الاقتراع من داعمين ترامب عن سبب تصويتهم له كان رد 68% منهم أنهم يؤيدون ترامب ومقتنعون بأدائه و17% قالوا أن تصويتهم لصالح ترامب كان لمواجهة بايدين. بينما كان 80% من المصوتين لصالح بايدين يصوتون له لكونهم معارضين لترامب ويريدون رحيله, 20% فقط صوتوا لبايدن لكونه مرشحا مناسبا لقناعاتهم.

و يبدو هذا منطقياً, ففي الموسم الرئاسي الأول لم يسوق بايدن نفسه كمرشح لديه مشروع قائم بذاته, بينما سوق لفكرة أنه يمثل العودة لفترة أوباما. و كانت هذه الرسالة هي المناسبة لجذب الكتلة التصويتية العريضة للحزب الديموقراطي, حيث وضحت نتائج اقتراعات العام الماضي أنهم يبحثون عن مرشح يستطيع مواجهة ترامب و فقط.

في بداية انتشار الجائحة كان الرأي العام منشغلاً بالقضية وردود أفعال ترامب تجاه الأحداث وكان بايدن خارج المشهد الإعلامي, والآن تدور الانتخابات حول ترامب نفسه وخاصة بعد أن ساد الرأي الذي يحمل ترامب المسئولية فيما يخص عدد الاصابات الهائل في الولايات المتحدة, و قد انعكس ذلك من خلال الاقتراع الذي أظهر أن 66% من الأمريكيين غير موافقين علي أسلوب ترامب في التعامل مع جائحة كورونا.  هذه هي الاستراتيجية الناجحة التي يتبعها بايدن حتي الآن, حيث تسعي حملة الانتخابية  في تلخيص المشهد أمام الناخب في تساؤل بسيط: هل تريد ترامب أم لا؟ .

“من المتعارف عليه في الانتخابات الأمريكية أن المرشح المنافس لرئيس يريد أن يعاد انتخابه عليه أن يقنع الناخبين بأن هذا الرئيس يجب أن يرحل, و لكن يبدو أن ترامب يقوم بذلك بنفسه دون جهد لافت من بايدن” يقول جيمس بيندل.

يركز بايدن في خطابه علي اقناع دوائر السلطة والدولة بأنه مؤهل للرئاسة بصفته عضو مجلس الشيوخ المتمرس والخبير في عدة ملفات تمكن من إدارتها عبر زمن طويل, بينما لا يسعي لترسيخ فكرة أنه المرشح الأمثل للجمهور, فهو يعرف جيداً أنه  يعبر عن المؤسسة السياسية التقليدية في الولايات المتحدة, ولذلك فهو يكتفي بمحاولة اقناع رافضي ترامب بالتوجه للتصويت ضده, و مثل هذا الخطاب لا يمكن قياس فعاليته من خلال الاقتراعات التي تقيمها شركات الدعاية والرصد.

ويتجسد ذلك في النتيجة الإجمالية بمعظم الاقتراعات التي عقدت هذا الشهر, حيث يتقدم بايدن علي ترامب بفوراق بسيطة, و لكن جدير بالذكر كذلك أن نجاح ترامب لم يكن مرجحاً في أي اقتراعات عقدت قبل انتخابات 2016, و فوجيء الجميع باتجاهات تصويتية مختلفة انتهت بفوز ترامب علي المرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون.

عقبات وحقائق ترجح ترامب

ربما استطاع بايدن أن يحرز تقدماً علي ترامب بسبب جائحة كورونا التي أربكت إدارة ترامب, و لكن يظل بايدن يعبر عن صورة نمطية من السياسيين المرتبطين بالمؤسسة الرسمية التي ينتقدها قطاع كبير من الأمريكيين و بالأخص الأجيال الشابة منهم و في مقدمتهم نشطاء الحزب الديمقراطي من الشباب.

يقول كورنيل ويست الاستاذ الجامعي و الناشط الديمقراطي و أحد الفاعلين في حملة بيرني ساندرز المرشح الرئاسي الديمقراطي المستبعد: “علينا أن نقر و نواجه أنفسنا بحقيقة أن بايدن هو مثال للسياسيين متوسطي القدرات و النيو ليبراليين الذين كافحنا ضدهم داخل المؤسسة الديمقراطية طوال الفترة الماضية”.

وإذا عزف مؤيدو بيرني ساندرز عن التصويت لصالح بايدن نتيجة لاختلاف التوجهات الملحوظ بين سياسات بايدن و ساندرز, فسوف يؤدي ذلك لخسارة بايدن لأهم كتلة تصويتية يستند عليها و التي تتمركز في الولايات التي عرف عبر تاريخها تأييدها للحزب الديمقراطي.

وبالفعل فقد أعرب كثير من النشطاء في حملة ساندرز والفاعلين في الحزب الديمقراطي أنهم لن يدعموا بايدن في الانتخابات, تقول نينا تيرنر أحد قادة حملة ساندرز: “أمامنا كومة من القاذورات وعلينا أن نختار بين أكل الكومة بالكامل أو نصفها فقط.

يدرك ترامب هذا الانقسام بين صفوف الديمقراطيين ويستغله جيداً, فقد حاول ترامب استمالة مؤيدي ساندرز بعد خروجه من الاقتراع الداخلي للحزب بقوله أن الحزب الديمقراطي تآمر علي ساندرز لصالح بايدن في محاولة منه للتتشكيك في نزاهة الحزب ومؤسساته.

كما يواجه بايدن مشكلة رئيسية تتمثل في عملية التصويت أثناء الجائحة, فالولايات التي حصل فيها علي تأييد مرتفع بصفتها ولايات مؤيدة للحزب الديمقراطي قد تدخل مرحلة الاغلاق مرة أخرى في حالة تصاعد الاصابات و هي ولايات معروف عنها أنها تتخذ اجراءات حظر مشددة, وحتي إذا عقدت الانتخابات فمن الممكن أن يؤثر الخوف من الاصابة علي الناخبين في الاقبال علي الانتخابات.

الحل الأمثل لهذه المشكلة بالنسبة لبايدن هو التصويت عبر البريد, و لكن كان ترامب سباقاً في توقع أن التصويت بهذه الطريقة سيزيد من فرص بايدن و لذلك سوق لفكرة أن التصويت بالبريد هو مؤامرة علي الجمهوريين من قبل الديمقراطيين, و قد نجح ترامب بنسبة كبيرة في استبعاد حل التصويت البريدي وبذلك يصبح جو بايدن مهددا بأن أغلبية رافضي ترامب في هذه الولايات قد لا يتمكنون من التصويت خوفاً من العدوى.

ما يحدث في شهر أكتوبر كذلك هو أحد عناصر الحسم في أي انتخابات مرت علي الولايات المتحدة, حيث تعقد الانتخابات في نوفمبر, و يكون تأثير أحداث هذا الشهر كبيرة علي الناخب, فإذا تمكن الرئيس الذي يسعي لإعادة انتخابه من إحداث متغير مهم وجوهري علي المستوى الاقتصادي أو السياسي أو العسكري, فحينها تزداد فرصه حتي لو لم يكن يحظى بالتأييد في المدة الأطول من فترة رئاسته.

وفي حالة ترامب, فهناك حدثان مرجحا الحدوث قد يؤثران بشكل حاسم علي الانتخابات, الأول هو الإعلان عن توفير لقاح لكورونا, والذي سيغير المردود السلبي لأداء ترامب أثناء الجائحة بشكل كبير, و الثاني هو صعود مؤشرات تعافي الاقتصاد. في حالة وقوع أحد الحدثين, قد يتراجع بايدن بشكل نهائي و يحسم  السباق لصالح ترامب.

في النهاية  لا تعني استطلاعات الرأي الأولية أن بايدن سينتصر بالفعل, فكما ذكرنا سابقاً, كانت الاستطلاعات الأولية في انتخابات 2016 تظهر تفوقا ملحوظا لهيلاري كلينتون, رغم ذلك تسلم ترامب السلطة و أصيب الجميع بالصدمة بمن فيهم قطاع ليس بقليل من الجمهوريين, فلقد حصلت كلينتون بالفعل علي عدد أصوات أكبر من ترامب على المستوى الإجمالي, لكن كان للنظام الانتخابي الأمريكي رأي آخر.

التعليقات متوقفه