أمينة النقاش تكتب:اتلسعنا من الشوربة

277

ضد التيار

اتلسعنا من الشوربة

أمينة النقاش

ليت الحملة المسعورة التى تقودها قناة الجزيرة والعاملون بها والمستأجرون من خارجها والهاربون فى اسطنبول والمدن الإسبانية من يد العدالة وبعض مكاتب المخابرات الغربية، على الجيش المصرى والقيادة المصرية أن تقرأ التاريخ جيدًا، وهى تعوى فى كل اتجاه، وتحرض المواطنين المصريين على إشاعة الفوضى، لكى تدرك أن ما تروج له هو محض ترهات، وما ترنو إليه هو أضغاث أحلام، ممن تقودهم أحلام يقظة برغبة فى إعادة الزمن إلى الوراء، إلى هلوسات وافتراءات ومظلوميات كاذبة وروايات مفبركة.
فالجيش المصرى هو أحد كبار البنائين لنهضة مصر الحديثة. وهو الجيش الوحيد ربما فى العالم الذى قاد ثورتين فى قرنين متتاليين، إحداهما الثورة العرابية فى نهاية القرن التاسع عشر، وثورة 23يوليو فى منتصف القرن العشرين، وكان ولا يزال جيشًا وطنيًا، يشكله ويقوده ويرأسه، أبناء الشعب المصرى من العمال والفلاحين وأبناء الطبقة الوسطى من مختلف التخصصات، الذين لم يبخلوا بجهودهم وحياتهم وخبراتهم للذود عن مصالح الأمة والوطن منذ ما قبل عام 1948 وحتى الآن. وهو يلعب الآن بعض الدور الذى كان يقوم به القطاع العام، بعد ان أجهزت عليه فى السباق، الرأسمالية الطفيلية ونهبته وخسرته واستولت عليه برخص التراب، لتحتكر أسواق التصديروالاستيراد!.
يعرف الشعب القطرى الشقيق تلك الحقيقة جيدًا وتحظى بدعمه وتقديره، ويدرك تمامًا أن الإمارة التى يعيش فيها، لا جيش لها، بل يحميها جنود مرتزقة من كل أنحاء الأرض، يقبعون فى قاعدتى “العديد” البرية و “السيلية” البحرية أكبر القواعد الأمريكية فى المنطقة، والتى تحتل ثلث أرضه بجوار قناة الجزيرة، التى باتت الناطق الرسمى باسم التنظيم الدولى لجماعة الإخوان. ومن القاعدتين انطلقت الطائرات والبوارج الحربية لغزو العراق واحتلاله، وتحطيمه ونهب موارده، وتسليمه لداعش، أشرس المنظمات الإرهابية وسط حركات الإرهاب الجهادى، ثم إلى حكم ولاية الفقيه، لتشعل بداخله حربًا مذهبية، لا يعلم سوى الله متى تنتهى، ويدخل العراق طرفًا دون إرادة شعبه وضد مصالحه، فى حروب إيران الدولية والإقليمية. ها هو لبنان يلحق به، من جراء رهن قراره السياسى فى يد طهران!.
يعرف القطريون، كما يعرف غيرهم، الدور المخرب الذى يبدد به حكام بلدهم ثروات وطنهم سعيًا لزعزعة استقرار دول المنطقة، وتلبية لرغبات القوى الاستعمارية التى لا حدود لشرها فى النهب والهيمنة حماية لأمن إسرائيل. فضلاً عن الجرى وراء أوهام إحياء دولة الخلافة التى سقطت فى عقر دارها، وبات راعيها أردوغان يترنح على وقع الانقسامات فى حزبه الحاكم، وتزايد المعارضين لحكمه، وعزلته الإقليمية والدولية، وحروبه الطائشة فى ليبيا وشرق المتوسط!
ما يفوت على الجزيرة وأبواقها المحرضة على استعادة أجواء الفوضى فى مصر وإسقاط الدولة ، وعلى الأسرة الحاكمة القطرية وأذرعها الإخوانية الراغبة فى صنع تاريخ لها، حتى لو ملوث بدماء الشعوب، إن الشعب المصرى يتعلم من تجاربه، وحين “اتلسع من الشوربة” خلال سنة كئيبة من حكم فاشية دينية فاشلة وجاهلة ومسعورة للتملك والثروة والسلطة والبطش والإقصاء، فعمل على إسقاطها، صار”ينفخ فى الزبادى” كما يقول مثله الشعبى الرصين. لذلك ومهما بلغت درجة معاناته الحياتية، وسخطه على ما لا يرضيه من سياسات، وتحمله لأعباء الإصلاح الاقتصادى فإنه غير مستعد لإعادة فوضى الماضى القريب، وهو من دفع ثمنًا غاليًا من أمنه واستقراره المهنى والعائلى، من النتائج المعروفة التى ترتبت عليها. والمؤكد أن هذا الماضى الإخوانى البغيض لن يعود، لسبب بسيط أنه لا أحد مستعد لنسيان الدماء الغزيرة التى سالت وما تزال تسيل من قبل جماعة الإخوان وأنصارها من القوى الإرهابية المسلحة، لهدم معنويات الشعب المصرى، وقتل أبنائه وتحطيم مؤسساته الأمنية فى الجيش والشرطة، التى شكلت حائط صد بجانب وعى المواطنين امام”نظرية الفوضى الخلاقة” التى صكتها المخابرات الأمريكية، ونفذتها أذرعها داخل الحكم وخارجه لتؤل دول المنطقة إلى ما آلت إليه من حروب أهلية، بين عرب وغير عرب، وسنة وشيعة ومسيحيين ومسلمين، وليصبح اللاجئون العرب، على رأس قائمة الهجرة الشرعية وغير الشرعية فى العالم، كما شرح ذلك الرئيس السيسى فى خطابه الأخير.
التبشير بعودة فوضى الماضى فى بلادى، هو كالمستحيل الرابع، بعد الغول والعنقاء والخل الوفى.

 

التعليقات متوقفه