ماجدة موريس تكتب :ناصر والزمن

293

ناصر والزمن

ماجدة موريس

خمس أغنيات، أو أناشيد وطنية، لعبد الوهاب قدمتها إذاعة الأغاني ظهر الاثنين الماضي، في ذكري رحيل جمال عبد الناصر، كان يوم الرحيل في الثامن والعشرين من سبتمبر عام 1970 يبدو بعيدا جدا عنا- رقميا- فهو مشوار طوله خمسين عاما كاملة، لكنني شعرت أنه ليس بعيدا لهذه الدرجة، فعبد الناصر ما زال بيننا، نتذكره في كل الأوقات التي نتحاور فيها عن الماضي والمستقبل، ونتذكر لمساته الانسانية، ومشروعاته من أجل مصر والمصريين، وبالنسبة لي، فإن الثقافة والفن مشروعان أساسيان بنفس أهمية كل مشروعات التنمية الاخري، وإذا كانت وزيرة الثقافة المحترمة إيناس عبد الدايم تحاول اليوم إيصال الثقافة والفن الي كل محافظات مصر فإن علينا أن لا ننسي أن هذا المشروع وغيره بدأ مع تولي ثروت عكاشة تلك الوزارة بعد إلحاح من عبد الناصر لإدراكه عمق ثقافة هذا الرجل، والذي خطط لإنشاء، أكاديمية الفنون بالجيزة ومعاهدها التي حملت مسئولية أجيال، من مصر وكل الدول العربية، في تعلم الفن والثقافة عبر معاهد السينما، والمسرح، والباليه، والنقد الفني، وما زالت الاكاديمية تضئ موقعها وإن احتاجت إلي دعم جديد، وفِي هذا العهد الناصري ايضا عرفت مصر قصور وبيوت الثقافة في كل المحافظات لكي يجد ابناؤها منافذ لمواهبهم، كما عرفنا كيف تدعم الدولة فنا مكلفا من خلال «المؤسسة العامة للسينما» التي رأسها أدباء كبار مثل نجيب محفوظ وعبد الحميد جودة السحار، وبالتالي كانت المنفذ والمنقذ للفنانين ذوي الأفكار الجريئة، والأفلام الطموحة، وهو ما عرفناه بعد سنوات طويلة حين ألغيت هذه المؤسسة، بعد زمن الانفتاح، وبدأت الأفلام المهمة تبحث عن منتج فلا تجد غالبا، وبالطبع فإن تجربة عبد الناصر مع الاعلام التليفزيوني تحديدا، وإنشاء التليفزيون المصري، الذي كان، مع كل التحفظات، يحتفي بالثقافة والفنون والآداب، ويقدم للملايين، من خلال كوادر مثقفة ومدربة غالبا، سواء الذين قدموا من الاذاعة، أو الذين تدربوا علي يد خبراء مصريين واجانب، هذا المناخ الذي يضع الثقافة والفن جانبا إلي جنب مع الإنجاز السياسي والاقتصادي هو ما جعل الغناء للثورة، ولعبد الناصر رغبة تعني المحبة، وتعبيرا عن الاشواق للتقدم والحرية وفقا لكل مبادئ الثورة وزعيمها، ولا أستطيع أن احصي عدد الأغاني والأناشيد الوطنية لفناني مصر،لكن عبد الوهاب وحده قدم لهذا الزمن،ولناصر، اكثر من أربعين عملا،«وفقا لجوجل»، كما قدمت ام كلثوم عشرين، إلي جانب ما قدمه فنانو الثورة وشعراؤها مثل صلاح چاهين وكمال الطويل، وعبد الحليم وغيرهم، والذين لو أحصينا أعمالهم لوجدنا أنفسنا امام كنز حقيقي لا يمكن أن يأتي تملقا او خوفا للحاكم، وانما محبة وتقديرا.. رحم الله جمال عبد الناصر.. وأبقاه لنا سيرة ومسيرة لا يمكن نسيانها.

التعليقات متوقفه