ماجدة موريس تكتب : الإعلام العام يبتعد.. والخاص يتقاتل

241

صدق أو لا تصدق، أن محاكمات اثنين من رؤساء مصر السابقين لم تعد حكرا علي تليفزيون الدولة المصرية تنقلها عنها قنوات العالم في الخارج والداخل، وانما اصبحت من نصيب قناة (صدي البلد) حصريا..وصدق أو لا تصدق أن أول حوار مع المرشح الرئاسي الأوفر حظا في الانتخابات القادمة كان مع قناتي (اون) و(CBC) حصريا ايضا مساء الاثنين الماضي، وحيث تبدلت المقاعد والمواقع فجلس جيش العاملين في التليفزيون المصري يتفرج علي الحوار علي القنوات الخاصة بينما كان الطبيعي أن يعرض أولا أو يبث علي تليفزيون الدولة وتنقله عنها القنوات الخاصة الجديدة. 54 عاما هو عمر التليفزيون المصري الذي بدأ عملاق عام 1960، وانتقل بالمشاهد من زمن عبد الناصر والوحدة العربية والمشروع القومي إلي زمن السادات وانجاز حرب اكتوبر ثم اعلان الانفتاح الاقتصادي وايضا رد الاعتبار لجماعات التطرف التي ردت الجميل بقتل الرئيس، ثم زمن مبارك الذي وصل بالتنمية  إلي الصفر فهوت العدالة وارتفع الفقر ، فكانت ثورة 25 يناير 2011، التي اقتنص الاخوان قيادة مصر بعدها ليثور المصريون عليهم وعلي الرئيس مرسي الاخواني، خمسة وخمسون عاما ارتبط فيها التليفزيون المصري بما يحدث من تغييرات في الدولة المصرية، لم يمتلك ارادته الحرة في كل الاوقات لكنه كان موضع ثقة الكثير من المصريين في “الحد الأدني” مما يقدمه من تغطيات وتحليلات، خاصة عبر نشرات الاخبار علي قناته الاولي، وكان احتكاره لبث الاحداث الرسمية وخطابات الرؤساء والاحتفالات المهمة للدولة جزءا مهما تتأكد من خلاله اهميته كجهاز لا يملكه احد وانما الدولة، ولا يخص مجموعة بذاتها وانما كل المصريين، وربما لهذا كانت فجيعة الملايين فيه حقيقية بعد ثورة يناير 2011 حين ضلل ملايين الناس بصورة  لجدار خال في ميدان التحرير نافيا وجود ثورة، ثم جاء اطمئنان هذه الملايين ايضا بعد استعادته الرؤية دون حول ، وتقديمه لما يحدث بلا مبالغة واعترافه فورا بقيمة الموضوعية لحظة اعلان لمرشحين للرئاسة والفيلم الذي قدمه عن (صباحي) في نفس النشرة التي اعلن خلالها (السيسي) ترشحه.. استعادة الثقة ليست امرا هينا وهو ما كانت تسير فيه تغطيات شاشة هذا التليفزيون حتي جاءت الضربات متوالية ، الاول بانسحابه من نقل محاكمات (مبارك) ورجاله و(مرسي) ورجاله، (رغم وجود قناة مخصصة لذلك هي صوت الشعب) ثم تراجعه عن اطلاق الحوار الاول مع (السيسي) تاركا هذه الفرصة الضخمة للقنوات الخاصة، وكأنه غير موجود، وكان يمكنه، اذا اراد الاستمرار في دوره التاريخي والحالي، أن يتفق معهم لتتسع الشاشات العامة والخاصة لحوار المرشح الرئاسي، ثم لحوار ثان مع المرشح الثاني، وكان هذا الاتفاق، لو تم، سيكون دلالة علي التغيير الفعلي للاعلام الرسمي للتعاون مع الإعلام الخاص بدلا من التراجع وترك القيادة لهذا الاعلام، فإذا كان التليفزيون المصري الآن يفتقد أدوات عديدة للتنافس مع التليفزيون الخاص وجذب المشاهد والمعلن، فإن موقفه وتاريخه من نقل الاحداث السياسية والحوارات الأهم لم يكن أحد ليجادل فيه، خاصة أن وزارة الاعلام لاتزال موجودة لم تلغ بعد، ووزيرة الاعلام درية شرف الدين لاتزال تحضر يوميا مجلس الوزراء وتدرك جيدا معني وقيمة هذه النوعية الاهم من الحوارات “السيادية”.. ومن المؤسف أننا لا نعرف في اطار الايام القادمة. ما الذي سوف يتخلي عنه ايضا تليفزيون الدولة من مسئولياته وقدراته في التغطيات للانتخابات الرئاسية المقبلة، وهل وضع الخبراء من العاملين به خططهم عبر كل ما يملكونه من ادوات اولها اربع شبكات هي الشبكة الارضية والمتخصصة والفضائية ثم شبكة القنوات المحلية، وهل وضعوا في حساباتهم اماكن بعيدة عن العاصمة تعتمد فقط علي التليفزيون المصري الارضي والمحلي ومن حقها متابعة هذه التغطيات علي اعلي مستوي.. وهل فكروا في ايجاد فريق جديد من العاملين داخل هذا الجهاز يتحلي بالثقافة والمقدرة ليقدم برامج الانتخابات بعد أن “طفش” اغلب العاملين به إلي القنوات الخاصة، وما الذي يتوقعه خبراء اعلام الدولة في هذه الحرب التي بدأت ولن تنتهي بانتهاء الاستفتاء علي الرئيس وانما تبدأ بعدها تغطيات مجلس الشعب القادم. ما الذي يتوقعونه من تغطيات وأساليب وبرامج وخطط للاحتفاظ بماء وجه تليفزيون الدولة، أو قل كرامته المهنية، قبل أن تشفط القنوات الخاصة مشاهديه المخلصين والذين يصدقونه حتي الآن.. ثم كيف نسعي إلي بناء دولة قوية بدون اعلام عام قوي وحائز لثقة الاغلبية، وكيف نضع كل العبء في يد شبكات اعلامية خاصة، متنافسة ، ومتورمة الذات وهو ما بدا واضحا في اصرارها علي عرض الجلسة التي حضرها بعض نجومها مع المرشح (السيسي) مساء الاحد، والاستفاضة في شرح مقاصده وهو يرد علي الاسئلة، رأيت هذا علي (المحور) و(سي بي سي) و(دريم) و(صدي البلد) و(القاهرة والناس) و(ام بي سي مصر) و(الحياة).. ولتتحول ليلة الاحد الماضي إلي برنامج واحد متصل الغرض منه أن يقولوا للناس: “نحن كنا في الاجتماع، ونحن مهمون برغم أن (اون CBC) اقتنصتا الحوار الاول مع الرجل .. قتلتهم المنافسة بينما تخلي التليفزيون المصري ببرود عظيم.. وكأنه غير معني بالقضية كلها.

التعليقات متوقفه