ماجدة موريس تكتب: الشرف الإعلامي.. وانتظار الخطأ القادم

243

 

حينما يصبح الحديث عن الإعلام مباحا للجميع عدا العاملين في الإعلام العام أو إعلام الدولة.. فإن الأمور تبدو غير طبيعية والحديث هنا عن الإعلام المرئي تحديدا وعن دوره المتعاظم من خلال القنوات الخاصة المصرية التي أصبحت  البطل الآن فيما يخص بث الأخبار وإجراء اللقاءات والتحقيقات الميدانية والمواجز كل ساعة، وصولا إلي برامج الساعة الصباحية والمسائية ثم (التوك شو) ونجومها فيما تراه الآن من استعراض يومي لكل قناة يتنافس فيه إعلاميون جاءوا من داخل مصر وخارجها وصحفيون أصبح تقديم البرامج مهنتهم الأغلبية  منهم ومنهن مصريون ولكن هناك زحفا بطيئا للإعلاميين العرب أيضا ومابين لهاث الشكبات والقنوات الخاصة للحصول علي أكبر قدرمن كعكة الاعلانات يصبح الحفاظ علي قواعد وأخلاقيات العمل الإعلامي وهما ويصبح الصوت العالي لمقدم البرامج واللهجة التحريضية للبعض واستخدام إشارات القوة أو نقل الإحساس المفرط بالأهمية للمشاهد وصولا إلي تقمص دور الزعيم أو الزعيمة، تصبح هذه العلامات في أداء أصحاب وصاحبات البرامج المميزة خللا لا يمكن إيقافه إلا بخطأ مباشر جسيم مثلما حدث مع رانيا بدوي علي فضائية التحرير حين أغلقت الهاتف في وجه سفير أثيوبيا رافضة استكمال الحوار معه، وقبلها رفضت مقدمة برامج أخري في نفس القناة “مها بهنسي” تصديق رواية مراسلتها عن عنف التحرش بالنساء يوم الاحتفال بتنصيب الرئيس مهونة الموضوع أما “أماني الخياط” نجمة البرنامج الصباحي لقناة “أون تي في” فقد أساءت إلي الشعب المغربي ودولته في إطار حماسها “القومي” وربما كانت الإعلاميات الثلاث سيئات الحظ لكونهن أخطأن بشكل محدد ومباشر فيما يمس علاقات مصر الصعبة الآن مع دول شقيقة أو صديقة أو متأزمة أصلا، بينما هناك من فاقت أخطاؤه أخطائهن من الزملاء والزميلات أثناء “حرب الكرة” بين الجزائر ومصر منذ سنوات قليلة والتي وصل فيها التناول الإعلامي من جانب العديد من القنوات المصرية الخاصة لمرحلة تستحق التوقف عندها طويلا لتعبيرها عن أسوأ ما يصل إليه العاملون بالإعلام من انفلات أما الآن وبرغم ما حدث وإيقاف الثلاثة فإن هناك غيرهم من أصحاب البرامج تحديدا لايزال يخرج علينا وكأنه صاحب الحق وحده، ويحرضنا ويتوجه إلي مشاهدين كثر لم يتعودا التعامل مع اختلاف الأفكار والآراء ولا احترام الرأي والرأي الآخر فيعلي من اجتذاب مشاعرهم واستقطابها فيما هم مستقطبون فيه أساسا، وللاسف فقد أصبح هؤلاء الذين يخرجون علينا من خلال الشاشات الصغيرة هم الأكثر تأثيرا وقدرة علي الذهاب بالمشاهد حينما يردون إلا حين يدرك هذا المشاهد حيلهم، والكثيرون لاينشغلون بهذا أو ينتابه الملل من تكرار الأسلوب وتصاعد الشخصانية والإحساس بالعظمة.. في هذا الإطار كله يتحول هذا الفريق من الإعلاميين إلي نجوم فوق العادة، وفوق أجيال من زملاء وزميلات المهنة أكثر خبرة ومهنية وكفاءة لكن مكانهم محطات الإذاعة أو قنوات التليفزيون المصري العام، ولأن المسئولين من القنوات الخاصة يدركون هذا فإن عمليات إغراء العاملين بقنوات التليفزيون المصري وصلت إلي قمتها منذ شهور وحيث تمت أكبر عملية سطو علي عشرات ممن بدأوا تدريبهم في تليفزيون الدولة لتأخذهم القنوات الخاصة علي الجاهز ليصبحوا عماد قنواتها.. والقضية هنا أنهم في هذا الموقف لا يتقيدون بالقواعد والكوابح التي كانت في تليفزيون الدولة ولا يجدون قواعد أخري بديلة للتعامل مع المشاهد وجها لوجه فيخيل إليهم في لحظة أن كل شيء مباح فهل كان ممكنا أن تقول أماني الخياط أن الاقتصاد المغربي قائم علي الدعارة وهي التي تربت وتدربت مع الدفعة الأولي لقناة النيل للأخبار التي ضمت آخرين أصبحوا نجوما الآن مثل ( شريف عامر) و(عمرو خليل) وغيرهم ممن تعلموا الانضباط في التليفزيون المصري قبل انطلاقهم في شبكات أخري عالمية ومصرية.. القضية الآن لم تعد انتظار الخطأ القادم لهذا الإعلامي أو تلك، ولم تعد أيضا تقديم احتمالات الخطأ بدون أي مواجهة مع فعل “الطرد” والإيقاف حين الخطأ، ووفقا لنوع الإدارة ومدي حسها هنا أو هناك ولكنها مصلحة المشاهد قبل الشبكة ومصلحة المنتج الإعلامي المصري قبل مصلحة هذه القناة أو تلك وفي هذه الأوضاع لابد من منظومة شرف إعلامي تضمن ما يقدم للملايين عبر الشاشات سواء محتوي البرامج أو أساليب التقديم وأيضا حرية مقدم البرامج في التصرف في المواد المرئية المساعدة لموضوعه، وهناك مثال قريب جدا هو استعادة برنامج “هنا العاصمة” علي شاشة السي بي سي لفيديو اعتداء رئيس دار أيام مكة علي الأطفال الصغار لمدة ساعة كاملة، وتكرار هذا في اليوم التالي حيث استكمل مجدي الجلاد مناقشة القضية، فإذا كان الفيديو مثيرا للألم والغضب مرة فإن تكراره من خلال قسم الشاشة لنصفين علي مدي ساعة أو نصف الساعة هو أمر يفوق طاقة المشاهد ويحرضه علي سلوكيات فوضوية فهل يحتاج الناس كل هذه التكرارات لصورة الاعتداءات علي الأطفال؟ ومن الذي يؤكد أن هذا لصالحهم وليس ضدهم.. هل هو مدير القناة أو رئيس تحرير البرنامج أو مقدم البرنامج نفسه.. وهل أصبح المشاهد حقل تجارب للإعلام المرئي؟.. اعتبر المثير في هذا أن أصحاب القنوات الخاصة أنفسهم هم من أكثر من يدافعون عن أنفسهم من قبل أن يوجه إليهم أي اتهامات والأهم أن نقول أنهم يدافعون عن مصالحهم فقط وليس مصلحة الإعلام المصري التليفزيوني كله، وفي هذا جاءت وقفتهم ضد اتفاق التليفزيون المصري في آخر عهد وزيرة الإعلام السابقة درية شرف الدين مع شكبة “إم بي سي” ال
سعودية الخاصة وهو اتفاق كان سيعيد تليفزيون مصر إعلاميا وهو يمر بأزمة مالية كبري لم تتقدم إحدي القنوات المصرية الخاصة لحلها ولأن الحكاية كلها تفتقد الشفافية ، سواء هذا الاتفاق الموقوف أو ما قبله من حدوتة “نسب المشاهدة” التي تعلنها شركة “أبسوس” الأوروبية ويدير فرعها العربي لبنانيون، والتي تفرق كثيرا فيما يذهب من إعلانات لهذه الشبكة أو تلك، وبسبب هذا القلق الذي يمس نسب الإعلانات وفلوس هذه القنوات تم إنشاء ( غرفة صناعة الإعلام المسموع والمرئي) ثم تدور الآن اجتماعات جدية من أجل تكتل جديد يدافع عن مصالح القنوات الخاصة قبل أن تفاجئها الدولة بتنظيم ( الجهاز الوطني للإعلام الخاص) و( المجلس الوطني للإعلام) أو ( ميثاق الشرف الإعلامي) إنهم مبادرون للدفاع عن حقوقهم، وهذا حقهم لكن من الذي يدافع عن حقوق الإعلام العام أو اتحاد الإذاعة والتليفزيون بكل شبكاته؟ ومن الذي يدافع عن حقوق المشاهد والمستمع؟ وهل هناك نية لدي الدولة حقا في حسم هذه القضية من أجل أمان إعلامي مطلوب وبشدة.

التعليقات متوقفه