ماجدة موريس تكتب: مهرجان القاهرة السينمائي.. ومرحلة جديدة

209

حين تلبى دعوة للذهاب إلى مكان تحبه، ومناسبة تنتظرها تصبح فى حالة تفاعل مبدئى مع اللحظة، وحين تفاجئك اللمسات الأولى للمكان وما تحول إليه من موقع لعشق السينما المصرية وتاريخها ومبدعيها ومساحة للتواصل مع كل سينمات العالم فإنك تستعيد ما فقدته من رونق الثقافة والفن، جزءا مهما منه، من خلال وجود فاعليات مهرجان القاهرة السينمائى الدولى على أرض “الأوبرا” بكل ما تحتويه من إمكانيات تخرجها من إطار الاسم المضيء “دار الأوبرا المصرية” إلى كونها حاضنة لكل الفنون الأخري، وهنا تحتضن هذه الأرض أكبر مهرجان دولى للسينما فى العالم العربى وأفريقيا، وأعرق مناسبة تحتفى بالسينما.. فقد تحولت كل المواقع فيها إلى الاحتفاء بالسينما سواء عروضها “سبع قاعات مغلقة تبدأ من المسرح الكبير” إلى القاعات المفتوحة المخصصة للفن التشكيلى وحتى قاعة اجتماعات المجلس الأعلى للثقافة التى تحتضن حلقات البحث حول السينما حتى يوم الثلاثاء القادم، سبع قاعات لعروض برامج عديدة يقدمها المهرجان لجمهوره هذا العام، بداية من “المسابقة الدولية” إلى “أسبوع النقاد الدولي” ثم برنامج “سينما الغد” الذى جمع بين مسابقات عديدة للمبدعين الجدد فى عالم السينما، وهو برنامج جديد تماما على المهرجان مثله مثل أسبوع النقاد، غير أن الأهم من هذا البداية الساخنة للمهرجان صباحا.. وقبل الافتتاح الرسمى المسائى الذى شاهده الملايين عبر شاشات التليفزيون، ففى الصباح كانت “الأوبرا” تحتضن فنان السينما الكبير هنرى بركات من خلال معرض أقيم تحية لمرور مائة عام على مولده، وفى قاعة المعارض بمركز الهناجر للفنون، توافد عشرات، بل مئات من محبى السينما ليستعيدوا جزءا مهما من مسيرتها مع بركات (1914 – 1997) من خلال وثائق وصور ومطبوعاتها عرضت فى إطار فنى مؤثر ومعبر عن عالم ومرحلة من الفن وكتاب يسجل الرحلة والزمن من رؤية وإعداد الناقدة صفاء الليثى وصمم لوحات المعرض مصطفى عوض وصمم الكتاب أحمد تهامى بينما افتتحه فنان السينما المخرج هاشم النحاس، وعلى الجانب الآخر من القاعة كان المؤرخ السينمائى أحمد الحضرى يفتتح معرضا ثانيا للمطبوعات السينمائية والذى ضم مجموعات من المطبوعات والأغلفة والصور والوثائق التى جمعها عدد من محبى التراث السينمائى المصرى ولأجد نفسى أمام جيش من محبى السينما والعاملين بها وجمهورها ممن انتظروا هذه اللحظات ليحضروا المعرضين وليسعدوا بوجود مناخ ملائم لأنشطة السينما بكل أطيافها.. ولو لأيام قليلة.. فبجوار هذين المعرضين كانت “حوارات السينما” تبدأ بقصر الإبداع.

لماذا يتحول جمهور السينما؟

فى المؤتمر الصحفى الأول للمهرجان، كان الضيف هو المخرج الألمانى الكبير فولكر شلوندورف، والذى يتذكر محبو السينما فيلمه الشهير “الطبلة الصفيح” المأخوذ عن رواية الكاتب الألمانى جونتر جراس حول زمن النازية، ويعرض له المهرجان ثلاثة أفلام منها فيلمه الأخير “دبلوماسية” إنتاج هذا العام والذى حصل على جوائز دولية عديدة، وفى المؤتمر الذى أقيم له صباح يوم الافتتاح وقبل تكريمه بجائزة نجيب محفوظ “الهرم الذهبي” قال شلوندورف الكثير عن حياته فى السينما والتى امتدت من ألمانيا إلى أمريكا ثم فرنسا الذى يحمل فيلمه الأخير جنسيتها، ومن أهم ما اعترف به هو مفاجأة اعتراف صديقه القديم جونتر جراس بعلاقته بالنازى فى بداياته وهى التى تم اكتشافها مؤخرا ورأيه فى تحول جمهور السينما من فكر إلى آخر وفقا للتغييرات التى تحدث على أرض الواقع.. كان حديث المخرج الكبير مهما فى ندوة أدارها رئيس المهرجان الناقد سمير فريد ومثلت بداية قوية للمهرجان، خاصة مع حضور كبير لنقاد السينما العرب، وأيضا حضور للنقاد الأجانب والمصريين.. غير أن الأمر اختلف مع الافتتاح الرسمى فى المساء من محكى القلعة.

افتحموا القاعات لأفلامنا

بقدر ما سيطر المكان – أى القلعة وساحتها الفسيحة التى احتضنت من قبل العديد من الفعاليات الثقافية وآخرها مهرجان الغناء الصوفى الدولي، إلا أن جزءا مهما من قوة الاحتفال الرسمى ضاع بعدم عرض فيلم الافتتاح “القطع” للمخرج الألمانى التركى فاتح اكيه، وهو ما قد يرسى قاعدة جديدة أن تقام المهرجانات السينمائية مستقبلا بدون فيلم افتتاحي، وربما كان السبب هو انشغال المسرح الكبير بدار الأوبرا بختام مهرجان الموسيقى العربية فى الليلة ذاتها، ولكننا رأينا فى المحكى فيلما قصيرا عن السلام وهو مكون من 12 فيلما أغلبها من أفلام التحريك، كان عزف الأوركسترا السيمفونى أروع ما احتواه الافتتاح المسائي، وأيضا كلمات بعض رؤساء لجان التحكيم مثل يسرا، وخيرى بشارة الذى أوجز القضية فى أن السينما هى أجمل الاختراعات لأنها تعنى الخلود، وأن يرحل المبدعون وتبقى أعمالهم تتحدى الزمن.. أما ميبت بلور الناقد السويسرى رئيس لجنة تحكيم الاتحاد الدولى للصحافة السينمائية فقد تحدث عن سعادته بعودة المهرجان بعد إلغائه فى العام الماضى للظروف التى تمر بها مصر “نحن نعلم الصعوبات التى تمرون بها، ولكن مهرجانكم هو المهرجان الوحيد فى الشرق الأوسط وفى قارة أفريقيا كلها الذى يحمل الصفة A مع مهرجانات برلين وكان وفينيسيا وكارلو فيفارى ومهرجانات أخرى قليلة، ولذلك هو واحد من أهم المهرجانات فى العالم كله ونحن فخورون بعودته”.. هكذا قال الناقد المحترم ليذكرنا بأن لنا مهرجانا مهما، أما “نورالدين صايل” رئيس المركز السينمائى المغربى وأحد المكرمين فى المهرجان، فقد كانت كلماته صريحة وهو يتسلم جائزة نجيب محفوظ، حين فاجأ جمهور حفل الافتتاح الكبير بأنه يصفق بلا حرارة بينما فى مهرجان “مراكش” المغربى يصفقون بحرارة أكثر! مؤكدا أنه أخذ من السينما المصرية أحسن ما فيها ومنها علاقة السينما بالجمهور مطالبا العاملين بالسينما المصرية الآن بتقديم أفلام أفضل، ليس على المستوى العربى وإنما العالمى ومطالبا الموزعين السينمائيين وأصحاب دور العرض المصرية بفتح أبواب قاعاتهم أمام الأفلام المغربية، وليته يعلم أنهم لا يفتحون أبواب هذه القاعات حتى أمام الأفلام المصرية الجديدة إلا بصعوبة شديدة ويفضلون عليها الأفلام الأمريكية!

أنا شاهدة على التاريخ

من الجدير بالذكر أن دورة المهرجان السادسة والثلاثين أهديت إلى اسم الفنانة مريم فخرالدين التى رحلت عن دنيانا منذ أيام، لكنها – أى دورة المهرجان – أعلنت مبكرا عن اختيار الفنانة نادية لطفى كضيف شرف حيث وضعت صورة نصفية لوجهها على ملصق المهرجان، وفى ختام الافتتاح حضرت نادية من خلال الشاشة لتوجه كلمة إلى الحضور، كلمة شديدة الرقة قالت فيها إن هذا التكريم أعاد لها سعادتها التى استمرت معها طوال عملها بالسينما قالت فى رسالتها: “هذا يوم خالد فى عمري، تاريخى موجود فى أفلامي، وفى مشاعرى التى قدمتها عبر هذه الأفلام، لقد حضرت أول دورة من المهرجان من 36 سنة، فأنا شاهد على التاريخ، وأفلامى أصبح لها معنى بفضل حب الجمهور وعلاقتى بهذا الجمهور الذى عملت له ألف حساب، فقد كان له الفضل فى الكثير من قراراتي، أفلامى ارتفعت بيا وارتفعت بها، عمركم لم تخذلونى ولم أتصور أننى سأحصل على كل هذا الحب.. ولهذا أهدى جائزة تحمل اسم نجيب محفوظ بكل الحب إلى أبناء وطنى وشهدائنا..” كلمات مهمة من فنانة كبيرة اجتهدت كثيرا وهى تقدم أدوارها على الشاشة بإحساس مرهف ثم وهى تتحول إلى دينامو أثناء حرب أكتوبر 1973 وما بعدها فى مساندة جرحى الحرب ورعايتهم.. لكن الغريب هنا أن المهرجان لم يضع أى فيلم لنادية لطفى ضمن برامجه المتعددة.

التعليقات متوقفه