#هاشتاج: «ملكيون أكثر من الملك»

177

من الظواهر الغريبة التى لاحظتها أن عددا كبيرا من المسئولين المصريين النافذين فى الشركات العالمية العاملة فى قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات فى مصر، يتحولون إلى «ملكيين أكثر من الملك»، لدرجة تجعلنا نشعر أنهم نقلوا ولاءهم بالكامل إلى الشركات التى ارتبطوا بعقود معها. ولما كانت تلك الشركات عابرة للحدود، ومتعدية، ومتعددة الجنسيات، تجد نفس المواصفات تكاد تنطبق على هؤلاء المسئولين، فتشعر وأنت تتعامل معهم، وكأن ولاءهم تخطى حدود الوطن، وأصبح ولاءا عابرا للحدود، متعد للحدود الجغرافية، ومتجاوز للقيم التقليدية.
صحيح أن عقود العمل، والأخلاقيات المهنية تفرض على موظفى تلك الشركات الولاء للشركة، والحفاظ على مصالحها، وحماية سرية بياناتها، وغير ذلك، إلا أننا لا نفهم إطلاقا، أن يعتبر بعض المسئولين المصرين فى تلك الشركات أن هذه الالتزامات تعنى التوحد الكامل مع مصالح الشركة، والقتال بشراسة عن مواقفها حتى لو ظهر أن «المصلحة الوطنية» تقتضى أن تتصرف الشركة بشكل أكثر مسئولية.
وأعتقد أن الظروف التى مرت، وتمر بها عملية طرح تراخيص الجيل الرابع كانت كاشفة لبعض المواقف، والسياسات، والممارسات التى تضعنا أمام الكثر من علامات الاستفهام.
وجدنا منذ الإعلان عن تفاصيل تراخيص الجيل الرابع من جانب الجهاز القومى للاتصالات، البعض وهم يتخذون مواقف متشددة، ويثيرون المتاعب تجاه كل بند من بنود الرخصة، ويحاولون وضع العراقيل، واختلاق الأعذار، واختراع مبررات وأعذار واهية، والاحتجاج على بعض البنود والشروط. ووجدنا مماطلات، ومحاولات للضغط على الجهاز القومى لتنظيم الاتصالات، فى سابقة لم نعهدها من الشركات مع الأجهزة الحكومية المعنية بطرح مثل تلك التراخيص حول العالم. وظهر الأمر وكأن مسئولى الشركات يحاولون لى ذراع الدولة، أو على الأقل عرقلة خطة طرح التراخيص بنجاح، وإعاقتها لأطول وقت ممكن، مع افتعال أكبر قدر من الزوابع والأعاصير، حتى لو خرجت الرخصة إلى النور، تخرج بصعوبة، وتفقد بريقها وتضيع على الوزارة وعلى الجهاز القومى لتنظيم الاتصالات، وعلى القطاع بأكمله الفرحة بنجاح طرح تراخيص الجيل الرابع.
ويبدو أنه على مدار السنوات القليلة الماضية، وتعاقب عدة وزراء ضعفاء على وزارة الاتصالات، زادت الشركات توحشا، وباتت تعتقد أنها أقوى من الدولة، وأقوى من الجهاز المشرف عليها، منذ بدء الإعلان عن طرح تراخيص الجيل الرابع، استمرت مواقف مسئولى الشركات تتراوح سخونة وحدة، وأعلن بعض مسئولى الشركات فى أوقات مختلفة عن اعتقادهم عدم حاجة السوق إلى طرح رخصة رابعة، وفى أوقات أخرى مورست ضغوط، بل، واستعراضات للقوة، فى محاولة لإرهاب الدولة. وعندما تف الوزارة والجهاز فى السيطرة، فإن المجال سيصبح مفتوحا للشركات لفرض هيمنتها الكاملة على السوق.
المهم أننا، وخلال تلك الأوقات، كنا نتوقع منهم التصرف بشكل مختلف. كنا نتوقع أن يرتفعوا فوق ولاءاتهم الضيقة للشركات التى يعملون بها، وأن يتفهموا ظروف الواقع الذى يعملون فيه، وأن ينقلوا الصورة مع تقييم للموقف لقيادات الشركات الأم، والتوصية بقرارات معينة، والتصرف بشكل أكثر حكمة وأبعد نظرا.
كنا نتوقع أن لا يتحولوا إلى مجرد أداة لتنفيذ «الألاعيب» التى قد تمارسها بعض الشركات، دونما أدنى اعتبار للمصلحة الوطنية، وتقييم سليم للواقع الاقتصادى. كنا نتوقع أن يسعوا لإقناع قيادات شركاتهم العالمية بأن سوق الاتصالات المصرى سيتأثر سلبا بهذه التصرفات، إلا، أننا، وبكل أسف، وجدنا العكس يحدث تماما. وكأنهم وضعوا مصالح شركاتهم فوق المصلحة العامة، وفوق الوطن، وراحوا يتفاضون قدر الإمكان لضمان شروط أفضل لشركاتهم على الرغم من إدراكهم التام بالآثار السلبية الواسعة التى ستتركها تلك القرارات.
عموما، الحمد لله أن لدينا حاليا وزير قوى، نجح فى رفع مؤشرات أداء القطاع، وسينجح فى مواجهة ألاعيب تلك الشركات ومراوغات المسئولين فيها، وستكون مصلحة الوطن فوق الجميع، وعلى الشركات العاملة فى السوق أن تحترم قواعد اللعبة، وإلا فلا مانع من خروجها، والسوق المصرى سوق جاذب للاستثمارات، وهو كالدجاجة التى تبيض ذهبا، ولكن للأسف، البعض يريد أن يحتكر الذهب لشركته، حتى لو ذهبت الأوطان إلى الجحيم.

التعليقات متوقفه