قضية للمناقشة: الإخوان .. قتل وإنكار للوطن

40

حجبت المناقشات الدائرة حول عضوية ” جمال عبد الناصر” في جماعة الإخوان المسلمين قبل وأثناء انجاز ثورة يوليو 1952 ـ حجبت المعاني والقضايا الأساسية التي طرحها الكاتب ” وحيد حامد” في الجزء الثاني من مسلسل ” الجماعة”.

انزعج الناصريون من هذه الحقيقة التي يعرفها مؤرخو المرحلة جيدا ، ألا وهي أن” عبد الناصر” كان يستكشف الواقع السياسي في البلاد شأنه شأن كل الشباب القلق في ذلك الحين من القبضة الخانقة للثلاثي الذي يجثم على أنفاس البلاد أي الملك والرجعية المصرية والاحتلال الإنجليزي ، وكانت خسارة الجيش المصري أمام العدو الصهيوني في حرب فلسطين ، والتي انتهت باغتصاب الصهاينة لفلسطين بسبب المؤامرات والأسلحة الفاسدة والتواطؤ الدولي ـ كانت سببا رئيسيا في شروع تنظيم الضباط الأحرار لإنجاز الثورة وطرد الملك والدخول في تفاوضات الجلاء مع الانجليز .

ويؤكد خالد محيي الدين في مذكرات الآن أتكلم ” أنه مع ” جمال عبد الناصر ” إنضما ليوم واحد لجماعة الإخوان المسلمين وأقسما على المصحف والسيف ولكنهما لم يعودا مرة أخرى إلى الجماعة التي نفرا منها فواصلا البحث لدى القوى الأخرى.

كان الضباط الأحرار يبحثون لا فحسب عن قوة سياسية تدعم مشروعهم ، ولكن أيضا عن قوة اجتماعية تساعدهم على نسج علاقات قوية مع الشعب المصري الذي كان يئن تحت وطأة المظالم ، ولذا كان قانون الإصلاح الزراعي أول القوانين التي أصدروها.

ونعود إلى واحدة من أهم القضايا التي لا يجوز أن يحجبها ماهو جزئي ، ألا وهي اختيار جماعة الاخوان منذ نشأتها للعمل المسلح والاغتيالات السياسية وتصفية الخصوم والمنشقين عن الجماعة وهو ما سجله ” وحيد حامد ” بذكاء ونفذه المخرج ” شريف البنداري ” ببراعة فائقة ظلت هذه البذرة الكامنة في المنشأ تكبر مع الجماعة طيلة تاريخها وحتى الآن ، وحين تفرعت منها جماعات أخرى صغيرة ثم كبرت حملت نفس السمات ، وقامت بدورها باستخدام السلاح ، لا فحسب ضد من أسموهم بخصوم الإسلام ، وإنما أيضا ضد المنشقين عنها ، وهو التاريخ الذي لم يكتبه أحد بعد بكل تفاصيله ، ولعل الجزء الثالث من الجماعة أن يقدمه لنا.

ولما كانت علاقة جماعة الإخوان معروفة مع الاحتلال الإنجليزي منذ التأسيس في مدينة الإسماعيلية ، والاتصال المستمر للمرشد الأول ” حسن البنا ” مع شركة قناة السويس والدعم المالي الذي قدمته الشركة أثناء تأسيس الجماعة ، فإن مالم يكن معروفا للجمهور العام هو علاقة الجماعة مع الأمريكيين والتي أضاءها ” وحيد حامد” في هذا الجزء من المسلسل ليؤكد أن ما قامت به الإدارة الأمريكية من مساندة شاملة للجماعة بعد أن أسقطها ملايين المصريين في الثلاثين من يونيه 2013 كان له تاريخ قديم لم تخترعه ” هيلاري كلينتون ” وتندرج هذه العلاقة ” الحميمة” مع القوى الاستعمارية .

والتي يبررها البعض بالبراجماتية المشروعة في العمل السياسي ـ تندرج في إطار الفكرة الاستراتيجية الأشمل في عقيدة الجماعة التي لا تعترف بالوطن لأن الإسلام هو الوطن كما يدعون وهو ما عبر عنه ” محمد مهدي عاكف ” بالقول الشهير ” طظ في مصر .

احتدم الخلاف بين عبد الناصر والجماعة التي كانت تتطلع إلى فرض وصايتها على ثورة يوليو فإتهمت جمال عبد الناصر بأنه ” لايسمع ولا يطيع” .

والسمع والطاعة مبدأ مشترك بين جماعة الإخوان والجيش ، وكان من الطبيعي ـ مبدئياً ـ أن يصطدما بعد أن استحال التوافق  ، وبوسعنا أن نجد سببا إضافيا يبرر ما يسميه علم النفس بذاكرة السمك أي اللاذاكرة لدى المجلس الأعلى للقوات المسلحة الذي تشكل مباشرة بعد الإطاحة بمبارك عام 2011 حين تحالف مع الاخوان ومهد لهم الأرض لحكم البلاد بعد ذلك ثم اكتشف مرة أخرى حقيقة المشروع الاخواني الذي قاد البلاد إلى النفق المظلم الذي دخلت فيه ، وفتح سيناء أمام المنظمات الإرهابية باسم الدين لتمارس حرب استنزاف وحشية ضد الجيش والشرطة والمدنيين.

هذه بعض الأفكار والمعاني التي يطرحها هذا العمل المحكم ضمنا أو جهراً  وهي في ظني التي تستحق النقاش العام لتسهم في تحويل الدفة من الجزئي والعابر إلى الكلي والشامل ، وتؤسس لنظرة موضوعية للصراع مع اليمين الديني .

عرف ” شريف البنداري ” جيدا كيف يوظف الشخصيات بعد أن اختار الممثلين ، حتى ينساب العمل بهدوء كنهر من الأحداث والقيم والمواقف والأفكار ، وهو ما يستحق كتابة مستقلة ومستفيضة إذ أنه يؤكد أن الكتابة الحقيقية تفتح الباب أمام الفنانين مخرجين وممثلين للإفصاح عن مخزون مواهبهم ، وهنا المناطق المجهولة حتى لهم هم أنفسهم .

وفي هذا السياق لا يفوتني أن أحيي الفنان ” محمد فهيم ” هذا الاسم الذي أظن أننا جميعا نتعرف عليه لأول مرة ، والذي لعب دور ” سيد قطب ” ببراعة إستثنائية ، وقدرة معجزة على تمثل الشخصية التي أسست أفكارها لكل جماعات التكفير والعمل المسلح ضد المجتمع بل وضد العصر ذاته .

 

التعليقات متوقفه