ضد التيار : نداء للرئيس السيسي

57

 

لم يعد سرًا الحديث عن الأزمات التي تتعرض لها صناعة الصحافة الورقية في مصر في الآونة الأخيرة .

ومن المعروف أن تلك الأزمات قد تفاقمت في أعقاب تعويم الجنيه وتحرير أسعار ورق الطباعة وأحبارها ، فضلا عن مستلزمات توزيعها ، وساهم في تصاعد تلك الأزمة ضعف الاشتراكات وانخفاض التوزيع ، الذي أعقب رفع أسعار بيعها ، بالاضافة إلى التغيرات التي أحدثتها ثورة الاتصالات ، التي وضعت الصحافة الورقية في مصر وفي كل أنحاء العالم أمام تحديات كبرى ، في القلب منها عدم قدرتها على منافسة الإعلام الفضائي والإعلام الاليكتروني الذي منح الجميع القدرة على تتبع ومعرفة كل ما يدور في أنحاء الكرة الأرضية على مدار 24 ساعة .

تمكنت الصحف الخاصة من تجاوز بعض أزماتها ، بسبب الدعم الضخم لملاكها من رجال الأعمال ، وهو دعم برغم كلفته الهائلة ، لم يحل دون قيام تلك الصحف بتخفيض نفقاتها بإنقاص عدد الصفحات والاستغناء عن أعداد من العاملين بها من الصحفيين والإداريين، وخفض المكافآ ت والرواتب .

وتوقفت بعض الصحف الخاصة نهائيا عن منح مكافآت لكتابها من خارج طاقم من يعملون بها، كما تعثر بعضها الآخر في دفع رواتب الصحفيين ولجأ إلى تقسيطها.

أما الصحف القومية المملوكة للدولة ، فقد ورثت تلالا من المشاكل ، تراكمت عليها على امتداد أكثر من خمسين عامًا ، فبحكم الدور الذي رُسم لها القيام به في الدفاع عن سياسات الحكم وتبرير أخطائه ، والقاء الضوء على قياداته ، فقد تعاملت الحكومات المتعاقبة بتساهل مدهش مع المشاكل المصطنعة التي نشأت في تلك المؤسسات، وأسفرت عن تضارب في المصالح ، وإثراء غير مشروع، وتبديد للموارد ومراكمة للديون، لأن السياسة التي تم اعتمادها لشغل المواقع القيادية في تلك المؤسسات هي ضمان الولاء ، حتى لو انعدمت الكفاءة المهنية ، وحامت الشكوك حول شبهات فساد وسلوك إخلاقي غير منضبط ! .    

 وفي معظم العصور، لم تهتم الحكومة بأدنى مراجعة للتأكد من الأوجه الرشيدة للأنفاق في تلك المؤسسات، ولم تضع أية شروط لتخفيض أوجه الإنفاق الترفي الزائد عن الحاجة بداخلها ، ومن بين أمثلته المستفزة مؤخراً، سفر رؤساء مجالس إدارات تلك المؤسسات ورؤساء تحريرها، وعدد من محرريها لتغطية الزيارات الرسمية لمؤسسة الرئاسة ، دون التوقف لحظة للتساؤل حول الضرورات التي تبيح هذا التنافس بين قيادات تلك المؤسسات، الذي لا معنى له سوى الإهدار غير المبرر للموارد والإمكانات ، لكي تتعالى فيما بعد الشكاوي من تفاقم مديونيات الصحف القومية ، وتحتشد الجهود من أجل تعويمها ومدها بوسائل الدعم لاستمرار الصدور ودفع الرواتب وسد أوجه النقص فيما تحتاجه من إنفاقها الترفي .

ولم يكن من الطبيعي والحال هكذا أن تكون الصحف الحزبية بعيدة عن هذه الأزمة ، التي أخذت في التفاقم، بعد عام 2011 حين أوقفت الدولة الدعم الذي كانت تقدمه للأحزاب سنويا، ويتم إنفاقه في إصداراتها الصحفية ، وبعدما تعرضت لما تعرضت له بقية الصحف ، من ارتفاع في نفقات إصدارها ، ونقص في الإعلانات والاشتراكات وانخفاض في التوزيع .

النقاش يجري الآن لحل أزمة الصحف القومية ، وقبل أكثر من عامين وفي لقاء للرئيس السيسي مع رؤساء تحرير الصحف طلبت من سيادته أن تدرج الصحف الحزبية في النقاش حول البحث لسبل الخروج من الأزمة .

قد يقول قائل إن بمصر أكثر من مائة حزب تشكل كتلة كبيرة من حجم أزمة الصحافة الحزبية، لكن الرد هو أن تلك الأحزاب لا تصدر صحفا، وأننا عند التفكير في حلول ، لابد من التفرقة بين صحف حزبية داومت برغم العواصف على الاستمرار في الصدور ، ولم تشهد أحزابها خلافات قضائية حول شرعية وجودها مثلما جرى في أحزاب الأحرار ، والعمل والعربي الناصري وأخرى مستقرة .

وفي مثل هذه الظروف ينبغي التعامل مع صحيفتي ” الأهالي ” و” الوفد ” اللتين تمكنتا من الصمود ومواصلة الصدور على امتداد أكثر من ثلاثين عامًا، بطريقة تختلف عن غيرها من الصحف الحزبية الأخرى المتعثرة في الصدور، لاسيما وقد التزمتا في ظل ظروف المنافسة غير العادلة مع الصحف الخاصة بأخلاقيات المهنة وبالمسئولية الاجتماعية والوطنية، التي تقدم المصلحة العامة على الرغبة في الإثارة والسبق الصحفي، فضلا عما يقره الدستور من أن الأحزاب هي جزء من النظام التعددي الأساسي للدولة، وبالتالي فعلى المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام والهيئة الوطنية للصحافة، وهي تدرس حل مشاكل الصحف القومية، أن تعامل “الأهالي” و”الوفد” بالمثل ، وفي هذا السياق أناشد الرئيس السيسي تنفيذ وعده بالمساعدة على تجاوز الأزمة المالية التي تواجه الصحيفتين المهددتين، ليس فقط لحماية حياة العاملين بهما ، بل كذلك حفاظاً على التوازن في الساحتين الصحفية والسياسية الذي بات واضحًا أنها تحولت لحلبات صراع بين مصالح متضاربة ولجشع المطامع الفردية ! .

التعليقات متوقفه