السمات الفكرية للدكتور رفعت السعيد (2-2)

99

كان للاستراتيجية عند الدكتور رفعت السعيد، مداخلها الجديدة وتعبيراتها الخاصة التي تنتمي لطريقته فى تناول القضايا بجذبها من توجهاتها العامة واستراتيجياتها إلى قضايا السياسة العملية وتفاصيلها اليومية، ودون أن تتخلى كتاباته عن البعد الوطني التقليدي فى ارتباطه بقضايا الاستقلال الوطني ومواجهة تحديات الأمن القومي، أو تتخلى عن البعد الاجتماعي المرتبط بقضايا العدالة الاجتماعية والحقوق الاقتصادية والاجتماعية للفئات الشعبية، قام السعيد بعمليتين:
الأولى: هي استثمار خبراته الخاصة وثقافته كمؤرخ ومفكر دارس للتاريخ المصري فى عملية ربط القضايا الراهنة للثورة المصرية بجذورها التاريخية باعتبارها حلقات ثورية متتابعة منذ الثورة العرابية، وربطها بنضال القوى والتيارات الوطنية واليسارية فى ظل هذه الحلقات الثورية عبر التاريخ الحديث.
الثانية: هي قيامه بإضافة القضايا المعاصرة الجديدة لتكون فى القلب من استرتيجية الثورة الوطنية الديمقراطية فى حلقاتها الجديدة، وأضاف فى هذا السياق ثلاثة مداخل مترابطة هي:
المدخل الليبرالي
وصنع السعيد لنفسه بهذا المدخل وضعاً جديداً كقائد حزبي يصبغ يساريته بصبغة ليبرالية واضحة فى مجالات الفكر والرأي والتعبير، وذهب يدعم هذا المدخل بالعديد من الكتابات الصحفية والمؤلفات عن الشخصيات ذات التوجه الليبرالي وأهميتها فى التاريخ المصري الحديث.
الوحدة الوطنية
وشغلت قضايا الوحدة الوطنية والمواطنة وظهور الفتنة الطائفية والإرهاب الموجه ضد أقباط مصر مساحة كبيرة من النضال السياسي والكتابة الفكرية للدكتور رفعت السعيد، وما من ورقة – تخص بيانًا سيصدر أو تقريرًا سياسيًا يجري إعداده أو برنامجًا عامًا أو انتخابيًا – وقعت تحت يده إلا وأضاف فيها بقلمه جملة عن الوحدة الوطنية ورفض الطائفية ورفض التمييز بين المواطنين على أساس الجنس أو الأصل أو الدين المرأة كالرجل والمسيحي كالمسلم والفقير كالغني، ولم يكن هذا التوجه الواضح فى الدفاع عن الوحدة الوطنية وأقباط مصر مثار نقد قوى العنف والطائفية والإرهاب فقط، بل كان كذلك مثار نقد بعض اليساريين الراديكاليين ممن لا يرون فى اليسارية سوى ما يتصورون أنه صراع طبقي، وبينما كانوا ينظرون لهذا التوجه للدكتور رفعت السعيد باعتباره تخليا عن اليسارية واستبدال الدفاع عن الطبقة العاملة والنضال الطبقي بالدفاع عن الأقباط، كان السعيد ينظر إلى نقدهم باعتباره طفولة يسارية.
الرفض المبدئي للدولة الدينية
وبينما كان هذا المدخل المدني فى ارتباطه بالمدخلين السابقين، مدخل الوحدة الوطنية ومدخل ليبرالية الفكر والسياسة وبناء الدولة المدنية واضحاً عند الدكتور رفعت السعيد فى دعوته لإقامة دولة مدنية ديموقراطية حديثة ذات دستور مدني لدولة ليبرالية حديثة ‘ فقد كان هذا المدخل هو الأكثر وضوحاً فى شقه الرافض لتنظيم الإخوان من منطلق رفضه لعملية خلط الدين بالسياسة التي يمارسها الإخوان، واصفاً هذا الخلط بالتأسلم ورابطاً سياسات وتوجهات الإخوان والجماعات المرتبطة بها بما أسماه بالتأسلم وليس بالإسلام، وسمى الإخوان وهذه الجماعات بالمتأسلمين ورفض تسميتهم بالإخوان المسلمين أو تسميتهم بالإسلام السياسي.
الدولة المدنية
وحذر الدكتور رفعت السعيد، مبكراً من مخططات جماعات التأسلم التي تسعى لإقامة الدولة الإخوانية، وحذر من لجوء هذه الجماعات للعنف والإرهاب وإثارة الفتنة الطائفية تحت وهم الجهاد من أجل إعادة إحياء دولة الخلافة، وبينما كانت هذه النقطة هي إحدى اهم النقاط الاستراتيجية فى الفكر السياسي لرفعت السعيد وأهم معاركه السياسية، كانت هي نفسها أهم نقاط الخلاف معه من بعض القوى الليبرالية والقومية واليسارية التي كانت تسعى دائماً للتحالف مع الإخوان، ولم تفطن لتحذيراته إلا بعد صعودهم بعد ثورة 25 يناير ولأسباب يطول شرحها لحكم مصر بين يونيو 2012 ويونيو 2013، ويبدو أن البعض لم يفطن بعد لتحذيراته وكأنها صرخات فى صحراء، ولم يستطع أن يرى ما رآه الدكتور رفعت السعيد مبكراً وما تنبأ به وسطره فى كتاباته ومقالاته وكتبه التي ستظل كلماتها أجراساً تدق ضد تيارات العنف والتطرف والإرهاب والطائفية وخلط الدين بالسياسة، وتدافع عن الدولة المدنية الديموقراطية ودولة المواطنة والحرية والمساواة وبناء مجتمع العدالة الاجتماعية.

محمد فرج

التعليقات متوقفه