ضد التيار : الكثافة السكانية ليست نقمة

66

 

ينطوي الجهد الجبار الذي قام به جهاز التعبئة العامة والإحصاء بقيادة اللواء أبو بكر الجندي ، بإصدار التقرير الرابع عشر للتعداد السكاني ، على أكثر من رسالة، بينها أن المؤسسات الرسمية في مصر ، إذا أرادت فعلت ، وإذا فعلت أنجزت ، وإذا أنجزت تمسكت بالكفاءة والإخلاص المهني والوطني ، وتخلت عن نظرية تسديد الخانات ” التي أدمنتها البيروقراطية المصرية ، فأضاعت بها فرصاً متاحة ، وبددت موارد بشرية ومالية هائلة ، فضلا عن إشاعة مناخ من الإحباط  من ضعف الأداء المهني لأدوارها. والتقرير الصادر يوم السبت الماضي ، يضع أمام صانع القرار ، خريطة دقيقة تستند إلى العلم والمعرفة والأرقام ، فتنير له الطريق للإقدام على اتخاذ القرار السليم في التوقيت الصحيح .

لكن الرسالة الأهم أن هذا الجهد الكبير المميز ، الذي سهر على إنجازه نحو 45 ألف شخص من الشباب العاملين داخل الجهاز وخارجه ، يعزز ثقة المواطنين في مؤسسات الدولة ، كما يغرى تلك المؤسسات بالتنافس فيما بينها على تحسين الأداء للارتقاء بأساليب خدمة المصالح العامة للوطن والمواطنين .

يحفل تقرير التعداد بدلالة سارة ، بينها أن 69% من تعداد السكان البالغ عددهم هذا العام 2ر104 مليون نسمة هم من الشباب ، بما يعني أن مصر دولة شابة كما عبرت عن ذلك بفرح وزيرة التخطيط الدكتورة هالة السعيد ، بل هي في عز شبابها ، بما يتيح الفرص لدفع جاد في اتجاه المستقبل بتأهيل وتدريب هذه الكتلة السكانية الشابة .

لكن الأرقام خيبت آمالنا بالدلالات الأخرى التي حملتها وبينها ، الارتفاع المزعج في ظاهرة زواج القاصرات ، وارتفاع نسبة الأمية إلى 18 مليون مواطن أغلبهم من النساء ، وارتفاع أعداد المتسربين من مراحل التعليم الأولى إلى 28 مليون تلميذ .

وليس هناك أدنى شك ، أن الزيادة السكانية الكبيرة والتي تحدث بمعدل نمو قدره 56ر2% سنويا ، هي مشكلة كبيرة تلتهم أي نتائج تحدث للتنمية والإصلاح الاقتصادي، لكن هذا الوضع بات من التعقيد بحيث يصعب البحث عن حلول للكثافة السكانية بالتقاليد البالية التي أثبتت فشلها في الماضي ، وبينها الحملات الدعائية لتحديد النسل ، التي طالما تم مواجهتها من قبل التيارات الدينية المتطرفة بتكفير تلك الدعوات وتحريمها بزعم مخالفتها للدين ! .

ولعل الانزعاج الرسمي من الزيادة السكانية ، ألا يكون مؤشرا على السير نحو طرق المعالجة القديمة ، ولأننا لا نخترع العجلة ، فليس أمامنا سوى ما أوصانا به اللواء الجندي ، وهو دراسة النماذج الدولية المشابهة التي عرفت الكثافة السكانية الكبيرة ، وفي القلب منها الصين ، التي تمكنت بإرادة من فولاذ أن تصبح ثاني أكبر اقتصاد على المستوى العالمي ، وتمضي بخطى حثيثة كي تصبح الاولى عالمياً ، اتبعت الصين نظاما كفؤا للرعاية الصحية منذ نحو أربعة عقود ، وطورته ليخدم مختلف الفئات الاجتماعية وفي القلب منها فقراء الريف والحضر وكبار السن والجنود والعمال عبر تدعيم المؤسسات الصحية العامة وإصلاح أنظمة إدارتها ، كي يتمتع بمزايا الخدمات الصحية الشاملة كل الشعب الصيني بحلول عام 2020.

كما وجهت الصين كل جهودها لإنجاح برامج التعليم الأساسي لمواطنيها والتدريب المستمر على تأدية المعلمين لأدوارهم بالتركيز على التنمية الشاملة لهيئات التدريس في المراحل المختلفة باختيار أعضائها من الكفاءات وحملة المؤهلات الأكاديمية .  كما استحدثت نظم تعليمية بسيطة تستوعب المتسربين من مراحل التعليم الأساسي ونقدم الدعم للمصاريف الدراسية ، ولتحديث المرافق المدرسية والجامعية .

الكثافة السكانية ليست كارثة ، ولا هي غول ، ولا مأساة إذا ما اعتمدت الدولة في العقد القادم على بناء منظومة تعليمية جيدة ، ونظام صحي كفؤ يعتمد التنمية البشرية في قطاعي الصحة والتعليم لكي نحيل عوامل الإخفاق إلى آليات نجاح.

 

التعليقات متوقفه