ضد التيار: غوغائية حقوقية

64

 

في قواميس اللغة، تم تعريف كلمة غوغائية بأنها سياسة تملق الجماهير لاستغلال مشاعرها وكسب ودها، وتعريف الغوغائي بأنه سياسي يتملق الجماهير لكسبها في صفه وهو طبقًا لهذا الوصف كما تقول تلك القواميس عدو للديمقراطية .

وليس هناك أكثر غوغائية من البيان الذي أصدرته ست منظمات حقوقية تنتمي للمجتمع المدني، رئيس إحداها، يقبع في جنيف بعد رحيل الإخوان عن السلطة بثورة يونيو الشعبية، بزعم الخوف على حياته من “سلطات الانقلاب”، تندد فيه بذرائع واهية وكاذبة بمرشحة مصر إلى اليونسكو مشيرة خطاب .

أما المبررات التي تسوقها لذلك فهي أن المرشحة “ممثلة لدولة معادية لحرية التعبير وحرية استخدام النت وتفرض الرقابة على الصحف “، ولأن منصب اليونسكو كما تقول مكافأة من المستبدين لمن يدعمونهم.

والواقع أن هذا اللون من الخطاب الحقوقي المنغلق على الذات، والذي يحاكم الواقع بمعيار مصالحة الشخصية المحدودة، التي تنكر على هذا الواقع تعقيداته، ومشاكله وتحدياته هي بالضبط ما تغري بالتضييق على الحريات الديمقراطية في البلاد، وتمنح القوى المعادية لها دعماً جديداً ليس فقط بسبب افتقادها أي حس إنساني سليم، بل كذلك لأنها خلط فاضح في الأوراق والمفاهيم، وفهم سطحي وصبياني أجوف للمعارضة، وليس اختيار مصرية من الكفاءات الدبلوماسية والتنفيذية للترشح باسم الدولة المصرية على الموقع الدولي، هي ما تفعل ذلك.

غوغائية البيان الحقوقي، تتجلى في محاولة تزييف كاسح للوعي، حين تريد أن تقنعنا أن سماسرة تلك المنظمات الحقوقية، التي احترف بعضها التزوير لجلب التمويل، وخلق فئة اجتماعية جديدة شديدة التميز والثراء من خلف هذا التمويل، هم حقًا حماة الحريات الديمقراطية والمدافعين عنها .

إن إضفاء البطولة على فعل أحمق يخفي أهدافه النفعية ـ  كانت جماعة الإخوان وأنصارها في الداخل والخارج هي المحتفى الوحيد به ـ  بمعارضة مرشحة مصر لليونسكو، هو سهم طائش ارتد إلى صدور مطلقيه، لأنه بممارساته النفعية وتبريراته الانتهازية أفقدهم أي نوع من المساندة الشعبية لمواقفهم المرتبكة والتافهة وأرائهم المشوهة والانتقائية للواقع ، التي تسهم في زيادة عزلتهم عن الناس وعن الداعمين، فضلاً عما تقوم به من تلويث لجهود آخرين في المجتمع المدني طالما وضعوا أمكانياتهم المتاحة في خدمة المجتمع والمواطنين .

ولو طبقنا المعايير الهشة والضعيفة التي اتخذتها المنظمات الست بمعارضة كل ما يقوى الحكومة المصرية، لكانت المعارضة المصرية قاطعت اللجنة القومية العليا لطابا التي شكلتها الحكومة في مايو عام 1985 من كفاءات قانونية وتاريخية وجغرافية وعسكرية ودبلوماسية وسياسية كهيئة دفاع عن مصرية طابا، وكان من بينها قيادات في حزبي التجمع والوفد بينهم وحيد رأفت ولطفي الخولي ومن المستقلين ممن يخوضون ليل نهار معارضة داخل البرلمان وخارجه ضد سياسات نظام الرئيس الأسبق حسنى مبارك، وبسبب هذه التفرقة المسئولة بين الحكومة والدولة نجحت هيئة الدفاع المصرية في إقناع هيئة التحكيم الدولية بأحقية مصر في فرض سيادتها كاملة على طابا وكامل منشآتها إلى مصر في مارس 1989 .

ولأن تعريف الدولة في العلوم السياسية يذهب إلى أنها مفهوم يشمل الأرض والبشر والجغرافيا والمؤسسات العاملة في المجال العام، وأن الحكومة هي جزء منها، لهذا فإن مشيرة خطاب تمثل في معركة اليونسكو مصر الدولة ومساندة ترشحها هو دعم للدولة وشعبها، ويظل هذا البيان القاصر العقل والنظر وثيقة للعار في سجل المنظمات التي وقعت عليه.

التعليقات متوقفه