سابع جار.. التليفزيون هو الحل

191

على شاشة إحدى شبكات التليفزيون الخاصة بدأ منذ أسبوع عرض مسلسل بعنوان «سابع جار».. والذي يعيد المشاهد إلى دراما العائلة.. والأسرة سواء البيت الصغير لزوجاته حديثات أو الأكبر لزوجين يعيشان فى بيت الأسرة مع الأم والأخت، أو الأسرة وأطفالها، كل هذا فى إطار مكاني واحد هو «عمارة « من تلك التي يسكنها أبناء الطبقة المتوسطة أساساً مع قدر من المتغيرات يخص المتغيرين منها أي من الطبقة، أو الثائرين على حالتها الآن، أو القادمين للانضمام إليها تحت لواء الزواج.. الخ.. وفى الأسبوع الأول يطرح علينا العمل قضايا وهموم ناسه بدءا من علاقتهم بأهلهم فى نفس البيت، والجديد الذي طرأ على هذه العلاقات الحميمة كعلاقة ابنة بأمها واكتشاف الأم أن ابنتها الموظفة قد اشترت شقة لها مستقلة لتنتقل إليها فيما بعد ! مع مشاركة هذه البنت فى الصراع الدائر ضد شقيقتها الكبرى بسبب مشاركتها وزوجها منزل الأسرة نفسه مع أنهما يملكان شقة تركاها وحضرا حين علما بأن الشقة قد تباع لمالك المنزل الذي ينوي هدمه.. وعلى طريقة « حقي وحقك» تأتي الشقيقة مع زوجها للإقامة لأنه « حقي فى البيت» قبل أن يسعى زوجها لفرض نفسه على الجميع بحجة أنه رجل، والتسلل إلى خصوصيات الكل، ومنها الأب الغائب الحاضر الذي ترك أسرته وطلق امرأته وبقى يراقب الموقف من بعيد، وحين علم بأن الشقة فى المزاد أعلن أنها باسمه، وهو ما نسيته الأم والبنات بعد عمر من الإقامة واعتقادهن بان الأب حتى لو فارقهن.. فهو لن يبيعهن.
المسلسل مازال فى مرحلة الصراع، صراع الإرادات بين سكان العمارة.. وبين صاحبها.. بين دعوة البعض لجيرانه بالوحدة وتكوين جبهة قوية تفاوض المالك على أفضل شروط للجميع.. وبين من يفكر فى نفسه فقط.. وليذهب الآخرون إلى الجحيم.. ومن خلال هذه النقاشات والانتقالات بين العائلات والجيران.. والشقق، يقدم المسلسل ما يمكننا اعتباره شهادة مهمة على الحياة والإنسان فى مصر فى هذا الزمان.. بالطبع لن ينتهى الحديث إلا بعد نهاية عرضه، لكن ما دفعني للكتابة هنا هو عدة أمور.. أولها حفاوة الكثيرين من المشاهدين بالعمل ودعواتهم لبعضهم البعض لتتبعه وهو ما التقطته الصحف بالتالي ومحررو الفن بها الذين انطلقوا وراء هذا الاهتمام الكبير بمسلسل تليفزيوني جديد يعرض فى غير الموسم السنوي الدرامي، أي شهر رمضان، وأيضا الاهتمام بموضوعه لأنه يعرض فى وقت تعرض فيه أعمال أخرى جديدة بهدف خلق موسم ثان للدراما التليفزيونية مثل « حكايات بنات» الجزء الثالث، ومثل مسلسل « الطوفان» المأخوذ عن فيلم بنفس الاسم للكاتب الكبير بشير الديك كان قد أخرجه أيضا فى الثمانينيات كأول وأخر تجربة إخراج سينمائي له، هذان العملان يجاوران (سابع جار) فى مساحة العرض الآن وثلاثتهم يبحث عن وسيلة مضمونة لكسر فتور سابق من الجمهور فى التعامل مع أعمال مابعد رمضان وهو فتور مبعثه فى اعتقادي هو اعتماد قنوات التليفزيون على نفس الأعمال التي عرضت فى رمضان فى بقية شهور العام كله ولسنوات غير قليلة.. صحيح أن الأعمال الأكثر جودة وتميزا كانت تأخذ حقها من المشاهدة فى إعادة العرض.. لكنها النسبة الأقل جدا، وبالتالي مل الكثير من المشاهدين رؤية أعمال لا تستحق إعادة عرضها.
ثلاثة مخرجات
.. ووجدان واحد
فى سابع جار .. نتوقف أمام حقائق وظواهر أخرى، فهذا مسلسل كتبته هبة يسري، وأخرجته أيضا بالاشتراك مع أيتن أمين ونادين حامد وهو ما يحرص منتجو العمل على تصديره إلينا بوضوح قبل التيترات.. والثلاثة هبة وأيتن ونادين هم ثلاث مخرجات صاعدات واعدات، الأولى هبة قدمت منذ أربع سنوات فيلمها الطويل الوثائقي الأول ( مستوزاد أول عشق) عن المغنية الكبيرة الراحلة شهرزاد وحياتها وزمنها وقد عرض الفيلم فى مهرجانات دولية عديدة وحصل على عدة جوائز كانت شهرزاد جدتها لأبيها، أما الأب فهو مدير التصوير السينمائي الكبير عبد المنعم بهنسي، وقد درست هبة السينما كمخرجة لكنها بدأت حياتها مع الفن بالتمثيل وهاهي تمتلك موهبة الكتابة أيضا، أما « أيتن أمين» المخرجة الثانية للمسلسل فقد درست السينما أيضا، فى الجامعة الأمريكية وقدمت فيلم التخرج القصير الذي أثار ضجة فى حينه وكان عنوانه « راجلها» قبل أن تشارك كمخرجة فى فيلم مهم بعد ثورة يناير 2011 وهو» الطيب والسياسي والشرس» وقد قدمت الجزء الثالث منه : الشرق، وبعد عامين، 2013 أخرجت أول أفلامها الروائية الطويلة « فيلا69». وهو فيلم مهم حصل على جوائز عديدة، قبل أن تصمت أربع سنوات حتى «سابع جار»، أما «نادين خان» المخرجة الثالثة فهي ابنة فنان السينما الكبير محمد خان التي درست السينما وتدربت جيدا مع والدها فى عمليات المونتاج والمكساج والمساعدة فى الإخراج قبل أن تقدم فيلمها الروائي الطويل الأول « هرج ومرج» عام 2012.. ولمدة خمس سنوات أخرى صمتت حتى شاركت فى هذا المسلسل الذي نكتشف فيه أيضا اختيارات مهمة لهؤلاء المخرجات فى فريق التمثيل وعودة لنجوم اختفوا مثل أسامة عباس ومحمد متولي ودلال عبد العزيز وشيرين وغيرهم من نجوم مسلسلات العصر الذهبي.. فى النهاية يبقى السؤال المهم وهو إلى متى كانت هذه الأسماء المبدعة والكاتبات والمخرجات ستبقى فى بيوتها بلا عمل لولا الانتاج التليفزيوني الدرامي النشط الآن، ولولا شجاعة بعض المنتجين وإدراكهم أن الجيل الجديد من مخرجات السينما لديه القدرة والموهبة على تقديم الجديد فى عالم دراما التليفزيون، حتى لو كان هذا الجديد هو العودة إلى القديم، أي دراما العائلة المصرية بكل مافيها من شجون ومن فيها من شخصيات قريبة إلى قلب المشاهد بقدر صدقها فى التناول وفى التعبير عن أزمة الناس الآن.. وهو ما عبرت عنه صديقة لي دعتني إلى متابعة هذا العمل بجملة غير متوقعة هي أن « الناس فيه يشبهوننا «.. وإلى متى أيضا سيتحمل التليفزيون بإنتاجه الدرامي كل المبدعين السينمائيين الذين لا يجدون من ينتج أفلامهم ؟

التعليقات متوقفه