قضية للمناقشة: عيد الثورة الاشتراكية

107

تحتفل كل القوى والأحزاب والمنظمات التقدمية شيوعية وإشتراكية على امتداد المعمورة بالعيد المائة لثورة أكتوبر الاشتراكية التي أدت إلى ولادة الإتحاد السوفيتي وتستمر الاحتفالات طيلة شهر نوفمبر الذي توجت فيه الثورة نضالها بالانتصار.
تتنوع أشكال الاحتفال بين الندوات وورشات العمل والمهرجانات وتتطلع فى الغالب الأعم لاستخلاص دروس القيام والسقوط.
وقد كان سقوط الاتحاد السوفيتي وتفكك المنظومة الاشتراكية زلزال نهاية القرن العشرين الذي وقع بعد سبعين عاما من الانتصار المدوي للثورة الاشتراكية، والذي كان بدوره زلزال بداية القرن الذي غير خريطة العالم، إذ بقى النظام الاشتراكي تحديا مستمراً للرأسمالية ونظمها التي أخذت تقدم التنازلات للنضال العمالي والتحرري بسبب إحتمال هزيمتها فى المنافسة المحتدمة مع النظام الاشتراكي، خاصة حين بدا فى ستينيات القرن العشرين أن التقدم الاقتصادي فى روسيا السوفيتية هو أفضل منه فى الولايات المتحدة الأمريكية.
يتجاهل نقاد الاشتراكية والشامتون بالاشتراكيين مجموعة من الحقائق الثابتة، وهم يواصلون التعتيم على كل ما مثلته الثورة الاشتراكية فى تاريخ الإنسانية فى سعيهم لتشويه وعي الكادحين وحشو عقولهم بأفكار زائفة حتى أن أحد مفكري الامبريالية الكبار هو « فرانسين فوكوياما « كتب كتابا يعلن فيه نهاية التاريخ بعد إنهيار المنظومة الاشتراكية.
أول هذه الحقائق التي يجرى تجاهلها هي أن الاشتراكية هي نظام جديد تماماً يشكل قطيعة شبه تامة مع كل ما سبقه من النظم، لأن هذه النظم السابقة قامت كلها بشكل أو بآخر على إستقلال الإنسان للإنسان، بينما كان الهدف الأساسي للإشتراكية ولايزال هو نفى هذا الاستغلال وتحرير الإنسان من كل ما يعطل إمكانياته، أو يقف حجر عثرة فى طريق سعيه للعدل والمساواة والعيش الكريم والحرية.
ولطالما وصف مفكرو الرأسمالية هذا التطلع الإشتراكي بأنه يوتوبيا وهم يتحدثون عن طبيعة ثابتة للإنسان لا تتغير أبداً تتأسس على الأنانية ومفهوم التملك.
ومع ذلك فقد رفض الاشتراكيون بكل مدارسهم وتوجهاتهم أن تكون هذه القطيعة مع النظم السابقة على الاشتراكية من عبودية وإقطاع ورأسمالية مبرراً للجرائم الكبرى، ولا أقول مجرد الأخطاء التي وقعت فى التجربة الاشتراكية الأولى فى تاريخ البشرية، ودفع كل الاشتراكيين ثمنها.
الحقيقة الثانية التي يتجاهلها الشامتون بالاشتراكية هي أن الرأسمالية التي تسود العالم الآن يتجاوز عمرها الخمسمائة عام، ورغم كل ما أنجزته من تقدم فى مجال العلوم على نحو خاص فإنها تواجه صعوبات بالغة، وتتعثر فى سعيها لفرض الهيمنة على العالم كله، رغم أنها تحتكر كل مكونات الثروة من وسائل الاتصال للأسلحة، ومن منابع المواد الخام إلى التقدم العلمي.
وتتفاقم فى ظل الهيمنة الرأسمالية على العالم مشكلات الفقر والجوع والهجرة رغم كل الآفاق التي يفتحها التقدم العلمي لإسعاد البشرية جمعاء، وهو تفاقم آخذ فى الإزدياد حتى أن أحد المدافعين عن الاقتصاد الرأسمالي كتب يقول إن الرأسمالية فى حاجة إلى من ينقذها من نفسها، إذ أن النقاش بدأ يدور الآن بين رأسماليتين، واحدة تحسن أوضاع البشر، وتبنى مجتمعات وتوطدها، فيما تشبع سوقها وتتعاظم أرباحها، وأخرى تنهش البشر والمجتمعات، وتنتهي بنهش نفسها، وبذلك تجري عملية تحطيم الوعود التي بشرت بها الرأسمالية العالم، إذ أن هذا العالم أخذ يزداد تعاسة.
أما الحقيقة الثالثة فتتعلق بطبيعة العون النزيه الذي قدمه الاتحاد السوفيتي لحركة التحرر الوطني فى القارات الثلاثة وهي تكافح للخلاص من الاستعمار القديم، ومواجهة الشكل الجديد للاستعمار الاقتصادي بعد إزاحة الاحتلال العسكري حتى أن الزعيم الجزائري « أحمد بن بللا « قال لو لم يوجد الاتحاد السوفيتي لكان علينا أن نخلقه.
فإذا سلمنا جدلا بأن الرأسمالية لاتزال تقوم بإنتاج البروفات حتى تطلق ما تسميه مشروعها الموعود الذي بشرت به البشرية، فإن البروفة الأولى للإشتراكية قامت بعد أن إستدرجتها النظم الأمبريالية عشية إطلاق سياسات الليبرالية الجديدة والتي يسميها الاقتصاديون التقدميون الرأسمالية المتوحشة إستدرجت الاتحاد السوفيتي إلى حرب النجوم التي إستنزفته ماليا وعلمياً وعجلت بالسقوط.
هذه فقط بعض الحقائق الكبرى التي يحق للإشتراكيين أن يفخروا بها، وهم يقولون مع صن يات صن أحد قادة الثورة الوطنية فى الصين هذا مجرد فشلنا الأول ونحن نتعلم دروسه، ونتجرع مرارته.
أما على صعيد الأفكار والقيم فإن تراثا غنياً أصفه بالقارة الشاسعة قد راكمته البشرية التقدميه على امتداد السبعين عاما التي عاشتها الثورة الإشتراكية الأولى. ليكون بوسع المناضلين المفكرين أن يخوضوا الصراع ضد الاستغلال فى كل مكان وهم مسلحون بالخبرة والفهم العميق الذي تساعدهم عليه المادية الجدلية التاريخية جنبا إلى جنب إرتباطهم بأحلام شعوبهم وتطلعاتها.
يتهمنا الرجعيون والمحافظون نحن الإشتراكيين أننا إنما نتشبث باليوتوبيا.
فلتحيا اليوتوبيا.

التعليقات متوقفه