بعد إحالته للجنة الشئون الدستورية والتشريعية.. مشروع قانون «حماية الرموز» .. عودة إلى زمن محاكم التفتيش

208

أثار مشروع قانون حماية الرموز والشخصيات التاريخية، الذى أحاله البرلمان للجنة الشئون الدستورية والتشريعية تمهيدا لمناقشته.. حالة من الجدل بين عدد من اساتذة التاريخ والقانون حيث اعتبره البعض انه يكرس لمناخ معادٍ لحرية الإبداع، ويسئ للتاريخ بدلا من أن يحميه، ويعيدنا إلى عصور محاكم التفتيش مؤكدين أن تهمة إهانة الرموز التاريخية ستكون مثل تهمة ازدراء الأديان، وتفتح الباب لتصفية الحسابات بدعوى حماية التاريخ، كما أن مشروع القانون يعود بنا الى الخلف والى تقديس الأشخاص ويذكرنا بقوانين عفا عليها الزمن مثل العيب فى الذات الخديوية وفى الذات الملكية وفى مسند الملكية ونهاية بإهانة الرئيس.. فى حين رأى البعض الاخر أن القانون ضرورى لحماية الرموز التاريخية والوقوف ضد الحرب المعلنة على البعض منهم لأنها تشوه تاريخ الأمة وتؤثر سلبا على رؤية الشباب للماضى وللمستقبل.

وكان د.”على عبد العال” رئيس مجلس النواب، قد أحال مشروع قانون مقدم من د”عمر حمروش” أمين سر لجنة الشئون الدينية والأوقاف و59 نائبا آخرين، بشأن تجريم إهانة الرموز والشخصيات التاريخية، إلى لجنة مشتركة من لجنتى الشئون الدستورية والتشريعية والإعلام والثقافة والآثار.
وأوضح النائب “عمر حمروش”أن القانون يهدف لحماية الرموز والشخصيات التاريخية من العبث وعدم خداع الشعب بتشوية صورتهم، والإضرار بالمجتمع وزعزة الثقة لدى الشباب فى الرموز والشخصيات التاريخية، والتى تسعى قوى الشر لخلقها فى نفوس الشعب، وإثارة الجدل حول شخصيات ورموز تاريخية والتى قد تؤدى إلى آثار خطيرة على المجتمع.
ويتضمن مشروع القانون فى مادته الأولى: يحظر التعرض بالإهانة لأى من الرموز والشخصيات التاريخية، وذلك وفقا لما يحدده مفهوم القانون واللائحة التنفيذية له.
المادة الثانية: يقصد بالرموز والشخصيات التاريخية الواردة فى الكتب والتى تكون جزء من تاريخ الدولة وتشكل الوثائق الرسمية للدولة، وذلك وفقا لما اللائحة التنفيذية له.
المادة الثالثة: يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن 3 سنوات ولا تزيد على 5 سنوات وغرامة لا تقل عن 100 ألف جنيه ولا تزيد على 500 ألف كل من أساء للرموز الشخصيات التاريخية، وفى حالة العودة يعاقب بالحبس بمدة لا تقل عن 5 سنوات ولا تزيد على 7 وغرامة لا تقل عن 500 جنيه ولا تزيد على مليون جنيه.
المادة الرابعة: يعفى من العقاب كل من تعرض للرموز التاريخية بغرض تقييم التصرفات والقرارات وذلك فى الدراسات والأبحاث العلمية.
المادةالخامسة: ينشر القانون فى الجريدة الرسمية ويعمل به فى اليوم التالى بتاريخ نشره.
فلسفة التجريم
من جانبه اكد”عصام الاسلامبولى” الفقيه القانونى، أننا لدينا فى قانون العقوبات المصري 32 مادة تدور فى فلك السب والقذف والإهانة وبالتالى لسنا فى حاجة الى مزيد من القوانين التى تتعلق بالاهانة، موضحا أن مشروع القانون المقدم لا يحدد من هو الرمز التاريخى، ومن المخول به الدفاع عنه والذى يستحق أن يحصل على لقب المحكم التاريخى.
وأشار “الاسلامبولى”، الى أن فلسفة التجريم تتطلب تحديد الجرم بدقة ووضوح، وبالتالى لابد من تحديد معنى الاهانة ومن هم الشخصيات التاريخية المنوط بها القانون على وجه الدقة وألا ستتعارض مع فلسفلة التجريم، التى يترتب عليها توقيع عقوبة سالبة للحرية وتوقيع غرمة مالية.
قانون العيب
أما “حمدى الاسيوطى “ المحامي بالنقض، ومؤلف كتاب “ازدراء الأديان”، فأكد أن لدينا قانون عقوبات متخم بنصوص تجريمية عديدة وبخاصة فيما يتعلق بجرائم الرأى، وبالرغم من ذلك يقفز على الساحة كل فترة من يتحفنا بمشاريع قوانين عفا عليها الزمن وهجرتها دول تقدمت كثيرا فى مجال حرية الراى فمشروع قانون اهانة الرموز التاريخية هو عودة الى الخلف والى قوانين تقديس الأشخاص والقوانين التى اضيفت الى قانون العقوبات المصرى فى 1884 وما بعدها بينما الغتها دول مثل فرنسا فى 1831 مثل العيب فى الذات الخديوية وفى الذات الملكية وفى مسند الملكية الذى تطور الى مواد إهانة الرئيس.
واضاف، أن مشروع قانون مشروع قانون إهانة الرموز والشخصيات التاريخية فى مصر… لو طُبّق سيكون أداة لمنع تنقية التراث وللتعرض لشخصياته التاريخية وسوف يتردد أي باحث فى كتابة بحث تاريخي خوفاً من العقوبات.
واضاف “الاسيوطى”، لا يصح اعتبار ان المنوط بالحماية القانونية هم الأشخاص التاريخية او الوطنية او حتى الدينية على اساس مكانتهم سواء كان فى التاريخ او المجتمع او حتى ما قدموه للوطن ( فالمواطنون امام القانون سواء)،وفى حماية هؤلاء تفرقة امام القانون دون مبرر، فلا قداسة للاشخاص سواء كانت اشخاص وطنية او سياسية او تاريخية او دينية.
وأوضح، أن نصوص هذا المشروع ستبقى مجالا للطعن عليها بعدم الدستورية خاصة فى تحديد من هم الرموز ومن الذى يحددهم ؟،مشيرا الى وجود نص فى قانون العقوبات يحمى تلك الشخصيات سواء اكانت على قيد الحياة فارقت الحياة وهو نص المادة 308 من قانون العقوبات المصرى والتى جاء فيها : -اذا تضمن العيب او الاهانة او القذف او السب الذى ارتكب باحدى الطرق المبينة فى المادة ( 171 ) طعنا فى عرض الافراد او خدشا لسمعة العائلات تكون العقوبة الحبس والغرامة معا فى الحدود المبينة فى المواد 179 و 181 و 182 و 303 و 306 و 307 على الا تقل الغرامة فى حالة النشر فى احدى الجرائد او المطبوعات عن نصف الحد الاقصى والا يقل الحبس عن ستة شهور “.،مع الوضع فى الاعتبار الغاء عقوبة الحبس فى المادة 179 عقوبات.
وينهى حديثه مؤكدا اننا فى حاجه الى ان يكون اعضاء مجلس النواب اكثر وعيًا بالقانون كضرورة اجتماعية.
تصفية حسابات
واعترض د” عاصم الدسوقى” أستاذ التاريخ الحديث بجامعة حلوان، على مشروع القانون، مشيرًا الى انه لا يوجد معيار لشكل الإهانة وسببها، وأن تهمة إهانة الرموز التاريخية ستكون مثل تهمة ازدراء الأديان، وتفتح الباب لتصفية الحسابات بدعوى حماية التاريخ.
وقال :أن مشروع القانون يذكرنا بمحاكم تفتيش العصور الوسطى، ويعطى لأى شخص الحق فى أن يكون محكما تاريخيا يرعى لجنة القيم والأخلاق،خاصة انه لا يوجد تعريف واضح للرمز التاريخى وهل هو سياسى ام دينى ام ادبى..، ومن هؤلاء الذين يحددون الرموز التاريخية ؟.
واوضح ان التصدى لتشوية الرموز التاريخية، لا يكون عبر تشريع من مجلس النواب، ولكن يكون عبر دعوة للمنهج العلمى فى الكتابة التاريخية، مشيرا الى أن الدراسة العلمية لا تهين الشخصيات ولكن تذكر الظروف المحيطة بالشخص وراء الخطوة أو القرار الذى اتخذه.
وأشار إلى أنه ينبغى أن يكون من يتصدى لكتابة التاريخ متخصص فى كتابة التاريخ، ومحصن بالمنهج العلمى فى دراسة التاريخ ولا يوظف نفسه فى خدمة السياسة ولا الدين، وهذه مسألة يتعلمها الطلاب الذى يدرسون التاريخ أما الذى يتجاوز هذا فهو يدخل مجال التاريخ من خارج منطقة التاريخ، وأن الذين يهنون الشخصيات التاريخة ليسوا متخصصين فى دراسة التاريخ وليس خريجوا أقسام تاريخ.
حماية التاريخ
ويتفق معه د”عطية القوصى”استاذ التاريخ، مشددًا على اهمية ان يكتب فى التاريخ المتخصص فحسب، ولكنه يرى ايضا ضرورة صدور قانون لحماية الرموز التاريخية والوقوف ضد الحرب المعلنة على البعض منهم، لأنها تشوه تاريخ الأمة وتؤثر سلبا على رؤية الشباب للماضى وللمستقبل.
واكد انه من الضرورى حماية التاريخ من التشويه بأن يتم النص فى القانون على الاستعانة بالمؤرخين واساتذة التاريخ فى الجامعات المصرية والرجوع الى المصادر المتخصصة لمعرفة رأيهم فى الشخصية التاريخية ومعرفة الظروف التى تحيط بالاحداث حتى نستطيع اصدار حكما عادلا عليها،ولابد ان يراعى كتاب السيناريو فى السينما والتليفزيون توصيات الجمعية المصرية للدراسات التاريخية التى يتم الرجوع اليها عند تأليف اى عمل تاريخى ولكن للاسف يتم تجاهل توصياتها ويقوم المؤلف فى كثير من الاحيان بالتجاوز وتحريف الأحداث.

التعليقات متوقفه