مهرجان القاهرة السينمائى وبوابات جديدة للأمل

219

ابتداء من اليوم الاربعاء تبدأ عروض مهرجان القاهرة السينمائي الدولي فى دورته رقم 39.. وبعيدا عن “اللقب” فإنه مهرجان القاهرة الذي يحمل اسم عاصمة مصر، وهو مهرجان بلد عرفت السينما مبكرا جدا إذ كانت البلد الثاني بعد فرنسا التي عرضت فيها افلام الاخوان “لومبير” الاولي التي بدأ بها اختراع فن السينما، وهي البلد التي وصل تواجد السينما بها إلى مائة واحد وعشرين عاما، ففى 1996 احتفل نفس المهرجان بمرور مائة عام على وجود السينما فى مصر كفن وكانتاج، وقام رئيس المهرجان فى ذلك الوقت الكاتب الكبير سعد الدين وهبة بالتشاور مع اللجنة الاستشارية المكونة من ممثلين لكل فئات العاملين بالسينما، وللسينما مثل النقاد، وجآء الاحتفال فريدا.. ففضلا عن البرنامج الذي قدم على هامش دورة 1996 عن مختارات من الافلام المصرية فى مائة عام، فقد اجري المهرجان استفتاء بين العاملين بالسينما والنقاد المتخصصين حول أهم وافضل الاعمال التي قدمتها السينما المصرية فى مائة عام وصدر هذا فى كتاب ومعه كتاب آخر يؤرخ ويفسر لمسيرة السينما المصرية على مدي مائة عام فيما يخص اساليب الانتاج، والكتابة.. من اين جاء مؤلفو السينما المصرية.. وكيف كان الادب المصري اتحد عناصر التأثير المهمة على صناعة السينما وعلي فن كتابة السيناريو، وكذلك مخرجو السينماالمصرية، وممثلوها، ومصوروها ومونتيروها والعاملون بها فى كل المهن فهي – اي الفن السابع- المهنة التي تستوعب عشرات المهن بداخلها حتي يصل إلينا المنتج النهائي، أي الفيلم، ايضا تعرض الكتاب لعلاقة الافلام المصرية على مدي مائة عام بالواقع والحياة المصرية فى كل صورها الاجتماعية والسياسية، وصورة المرأة فى هذا الاطار، كل هذا بدأ من خلال مهرجان القاهرة السينمآئي الدولي المصنف كواحد من أهم عشرة مهرجانات فى لائحة الاتحاد الدولي للمهرجانات السينمائية. لكن المهرجان بعدها تعرض لهزات عديدة، متنوعة، منها ما يخصه اقتصاديا من حيث عجز ميزانيته عن احتواء احتياجاته فى ظل ارتفاع فى اسعار كل شيء، وتردد رجال الاعمال فى دعمه وابتعاد الدولة عن الاهتمام الحقيقي به أو فلنقل عدم قدرتها المادية على رفع ميزانيته مع ارتفاع احتياجاته وعدم رغبتها فى جعله احد اهدافها السياسية للنجاح كما تفعل فرنسا مع مهرجان (كان) وكما تفعل الامارات مع مهرجان (دبي) فهناك كل المؤسسات تدعم المهرجان وتدخل شريكا فى هذا.. هناك ايضا اسباب اخري من اهمها الجمهور، فالجمهور المصري الذي كان يهرع الي دور العرض لرؤية اعمال المهرجان القادمة من كل مكان فى العالم، كان احد الملامح الهامة للمهرجان وكانت دور العرض العامة، خاصة فى “وسط البلد” بالقاهرة مزدحمة دائما بمن يريد أن يري الافلام، بعدها بدأت مرحلة الحرب ضد الفن مع صعود لغة التطرف فى الشارع ومفرداتها فى الحياة مع الثمانينيات وحقبة التسعينيات، وبدأ البعض من الجمهور يستجيب لحرمانية الفن خاصة وهو يري العديد من نجوم ونجمات التمثيل يبتعد لنشاط اخر، او تتحجب، وبدأ جمهور اخر يسأل عن الفيلم المعروض قبل ان يدخله: هل هو “قصة” ولا “مناظر”.. وقد ترافق هذا مع صعود ثورة البث الفضائي والانترنت والقنوات الخاصة والقنوات السرية على الشبكة العنكبوتية الخ.. بعدها… جاءت قضية البنية الاساسية لاغلب دور العرض (كما هو الحال مع بيوت وقصور الثقافة) جاءت تعلن اهمية تجديد وترميم دور العرض السينمائية، ولكن لان الجمهور كان قد اختلف فكريا وبالتالي قل عدديا فقد وجد الكثيرون من اصحاب هذه الدور أن هدمها واغلاقها افيد لهم وبيعها كأرض لمن يريد بناء عمارة شاهقة! مع أن هناك فى القانون ما يمنع هذا.. المهم اوشكت دور العرض القديمة بجمهورها العائلي على الاختفاء لتظهر بدلا منها دور عرض المولات، وتقدم لجمهور آخر، اغلبيته من الشباب وجبات متناسقة تجمع بين الاكل السريع والشوبنج والسينما، وغالبيتها افلام امريكية لتصبح قضية السينما المصرية مزمنة، خاصة مع انسحاب شركات الانتاج الكبيرة بسبب “القرصنة” وسرقة الافلام، وانسحاب الدولة إلا من مسابقة لدعم جزئي لا يسهم حقيقة فى اخراج اي فيلم للنور، ثم هجوم برامج اخبار السينما “علي الشاشات الخاصة تقدم للملايين احداث المهرجانات السينمائية العالمية ووقوف النجوم الكبار على السجادة الحمراء ولقاءات مع هذا النجم، ايا كان جمه، باعتباره ملكا متوجا طالما القواعد مفقودة.. وهكذا وجد مهرجان القاهرة نفسه فى ورطة (التمويل المتزايد) لشراء الافلام فقط وليس احضار النجوم، وفى ورطة (دور العرض) التي حلت من خلال قاعات دار الاوبرا المصرية وفى ورطة (التشويق والدعم الاضافي) برغم زيادة دعمه من وزارة الثقافة خاصة مع جهد جهيد قامت به رئيسته الدكتورة ماجدة واصف لحل هذه الازمات، ليس فى هذه الدورة رقم 39 فقط، وانما كان الجهد متواصلا منذ الدولة السابقة، وبلا فارق زمني للراحة، وهو نفس الحال ايضا مع المدير الفني للمهرجان الناقد اللامع يوسف شريف رزق الله والذي فاق جهده كل حد واساء لصحته لكنه لا يشكو، فحب السينما جزء من تكوينه ولهذا استطاع بخبرته الكبيرة ومع فريق محترف من النقاد والناقدات احضار 175 فيلما من 53 دولة منها 16 فيلما فى المسابقة الرسمية لم يسبق عرضها فى أي مكان وفقا لمكانة المهرجان فى لائحة الاتحاد الدولي، إلى جانب بقية البرامج وبرنامج خاص للسينما الاسترالية المكرمة هذا العام باعتبارها سينما جديدة على محبي السينما فى مصر مع احتفاظ المهرجان بالبرامج الثلاثة المهمة على هامشه وهي برنامج النقاد الدوليين الذي يديره الناقد رامي عبد الرازق وبرنامج (سينما الغد) للافلام القصيرة ويديره الناقد محمد عاطف وبرنامج (السينما العربية الجديدة) ويديره الناقد احمد شوقي وهو ما يعني مساحة عريضة من الابداع السينمائي امام الجمهور الذي سيتوافد منذ صباح اليوم الي قاعات العروض بساحة الاوبرا، وسينما اوديون بوسط البلد وايضا مول العرب بمدينة 6 اكتوبر وحين طالب البعض بمد العروض الي اماكن اخري وقفت امامه شروط العرض فى المهرجانات الدولية والتي تحدد عرض الفيلم الجديد بعرضين فقط.. غير أن هذه الدورة التي تنطلق اليوم سوف يشار إليها بأنها الدورة التي اهديت إلى فنانة مصر والعرب الكبيرة شادية، المغنية الكبيرة والممثلة الكبيرة واحد أهم من قدم اعمال نجيب محفوظ على شاشة السينما، وهي الدورة التي تكرم واحد من أهم واكبر فنانين مصر والعرب على مدي يتجاوز نصف قرن وهو الفنان سمير غانم، الذي سرقته الكوميديا من الترايجديا ولكنه فى اعمال فنية متعددة، قدم ادائها لا ينسي، مؤثرا ويصل للقلب مباشرة.. بعيدا عن الضحك، وهو ماس وف اتناوله فى مقال اخر.. ايضا تكرم هذه الدورة اثنان من المتفوقين فى فن التمثيل على مدي العقد الاخير، ولدرجة ملفتة، خاصة مع تنوع ادوارهما وهما الفنانة هند صبري والفنان ماجد الكدواني، ومع التكريمات تأتي مناقشات ضرورية لقضايا السينما الآن سواء المباشرة مثل ندوة (السينما وقضايا الانتاج) التي يديرها الناقد خالد محمود و(صعود الانتاج عبر الفنتفلكس وهل يؤثر على الانتاج السينمائي) ويديرها الناقد اسامة عبد الفتاح والمعروف ان شركة انتفلكس الامريكية تقوم الان بدعم كبير لانتاج افلام تعرض على شاشات الانترنت فقط وهو ما يعتبره السينمائيون فى امريكا واوربا خطرًا على صناعة السينما.. اما الندوة الثالثة للمهرجان والتي سيكون موعدها السبت القادم بالمجلس الاعلي للثقافة فهي عن (السينما ومناهضة العنف ضد المرأة) ويشارك فيها ممثلون لكل الاطراف التي يخصها هذا العنوان.. الي جانب بعض من ضويف المهرجان الاجانب.. وتأتي المفاجأة الكبري للمهرجان هذاالعام وهي دخول DMC شبكة التليفزيونية الخاصة الصاعدة كراع رئيسى للمهرجان هذا العام واعلاناتها المتعددة على كباري العاصمة وفى الشوارع وهو ما بدا واضحا فيما ينقص المهرجان من دعم، أي الدعم الاعلامي الضروري وسط غابة من القنوات والبرامج التي تشير بالمشاهد فى اتجاهات متعددة، اغلبها لا يقترب من لثقافة والسينما الا عبر رغبات مقدمي البرامج او المساحات الفارغة على الخرائط، رعاية DMC اسفرت عن اختيار قاعة جديدة، رائعة هي (المنارة) لتكون مقرا للافتتاح الذي اقيم مساء امس الثلاثاء. ومقرا للختام، ويكفى هذا الان مع انها- اي القاعة بملحقاتها من قاعات اخري تصلح للعروض ولكن..بعد حل قضية الجمهور وكيف يصل إلى التجمع الخامس احد اهم احياء القاهرة الآن باتساعه الكبير وهو ما يحتاج إلى نقلة حقيقية فيما يخص وسائل النقل والمواصلات لربط الجمهور الكبير بالمكان الجديد المجهز والمبهر.. فإذا ما حدث هذا لاحقا، فسوف يصبح مهرجان القاهرة السينمائي هو الرائد وقتها فى فتح المزيد من ابواب العاصمة المصرية لجمهوره الكبير.

التعليقات متوقفه