الإعلام الدينى وانتشار ظاهرة الإرهاب

199

بقلم: أسامة عبد الحميد

يعد الإعلام الديني امتداداً طبيعياً للتطور التكنولوجي فى الإعلام والاتصال، ونتيجة حتمية لتطور هذا القطاع سواء على المستوى التقني أو الاتجاه بفعل صعود النزعة الدينية التي برزت فى السنوات الأخيرة، ولقد أفرز هذا التكاثر فى عدد الفضائيات والقنوات الأرضية الدينية الإسلامية، عدداً من الإشكالات العلمية الدقيقة التي بدأت تسيطر على مخيلة وتفكير الباحثين فى علوم الإعلام والاتصال، لعل من أهمها وأبرزها مدى التأثير الذي بات يتهدد الخصوصيات والمقومات الوطنية أمام تنامي أعداد مهمة من جمهور المتلقين نحو قنوات دينية أجنبية، الأمر الذي يدعو إلى التساؤل حول الخلفية التي تحرك هذا الاتجاه، هل تعكس رغبة المجتمع فى البحث عن ما يعتبره البعض “جودة مفقودة” وما هي قيمة الفاتورة التي يتكبدها هذا السبق فى مجال الفضائيات لهوية ومكونات الأمة الوطنية؟
بعض التيارات الإسلامية تبالغ أحياناً فى الاعتماد على الممارسات الإعلامية كأداة استراتيجية فى إطار خطتها العامة، التي تريد من خلالها توسيع النفوذ على الفضاء الإجتماعي، تمهيداً لإنجاز مشاريعها المتصورة، فإن هذه التيارات لم تكمل إنجاز تصور شامل لمفهوم الإعلام فى حد ذاته، وإن كانت أدبياتها متفقة على الإطار المفاهيمي العام، فإن مفهوم الإعلام التي تتبناه الأدبيات الدينية، هو أداة ووسيلة نقل مضامين الوحي المعصوم، ووقائع الحياة البشرية المحكومة بشرع الله إلى الناس كافة.
الإعلام الديني الإسلامي حسب القائمين به وعليه، مقصود به الدين الذي ارتضاه الله سبحانه للعالمين ديناً لا يقبل سواه، وقد بدأت الموجة الأولى للإعلام الديني نهاية التسعينات بظهور عدد من الفضائيات المتخصصة فى الشأن الديني فكانت قناة “إقرأ” هي أول من ظهر للوجود وذلك عام 1998 من قبل شركة راديو وتلفزيون العرب بتمويل سعودي كبير، وبعدها ظهرت قناتا “الفجر” و”المجد” وكلتاهما بدأتا مرتبطتين بالتيارات الأيديولوجية المختلفة المنتمية للتيار الأصولي.
ووفقاً للإحصائيات التي قامت بها مجموعة المستشارين العرب “ Arab Advisors Group “ والتي تهتم بالدين والفن وثقافة البوب، فإن نسبة هذه القنوات الدينية ارتفعت إلى %60 عام 2004 فضلاً عن وجود ثماني قنوات إسلامية تبث عبر الأقمار الإقليمية أراب سات ونايل سات، وست قنوات مسيحية تبث باللغة العربية عبر الهوت بيرد الأوروبي، إضافة إلى زيادة عدد البرامج الدينية الحاضرة تقريبا على كل قناة عربية كبيرة.
لقد شهدت نهاية التسعينات من القرن الماضي ميلاد موجة الفضائيات التي عززت المشهد الإعلامي العربي، وبقدر ما حدت هذه الموجة من وطأة التحكم الذي يخضع له هذا المشهد من المؤسسات والحكومات، بقدر ما أفرزت وسائل وطرقاً جديدة لتدفق منتوج إعلامي ظاهره إنتاج الرسائل الإعلامية وباطنه الأفكار والآراء التي تستهدف فى كثير من الأحيان السيطرة على أفئدة وعقول الناس إن لم نقل تخديرها، وبات من الواضح استهداف الثوابت والخصوصيات الوطنية ومقوماتها وأسسها التي بنيت عليها، مما أثر على عملية التلقي عند مواطني الدولة الوطنية، التي أصبحت موجهة نحو فضائيات أجنبية.
ضمن هذا السياق، تقول المعطيات: إن عدد القنوات العربية ارتفع فى السنوات الأخيرة إلى مئات الفضائيات، أقل من ربعها تقريباً يعني بالشئون الدينية، أما القنوات الحكومية فتبلغ فقط حوالي %10 منها فيما تبلغ القنوات الخاصة %90 فضلاً عن أن %69 من الجمهور العربي يشاهدون الفضائيات يومياً لأكثر من 4 ساعات، ومن الخطأ النظر إلى هذا التطور على أنه مظهر من مظاهر التقدم فى مجال الإعلام والاتصال، إذ يجب أن ينظر إليه من ناحية أولى على أنه مظهر من مظاهر العولمة الاقتصادية واداة من أدوات انتشار قيمها، كما ينبغي النظر إليه كصناعة معلوماتية وجزء أصيل من السوق، بدليل أن الغرب أنفق عام 2002 على الأنشطة الثقافية والإعلامية حوالي 1200مليار دولار، أي ما يزيد على الدخل السنوي لـ 46 %من فقراء العالم، ومن وجهة ثانية يجب الإقرار بكونه أدخل العالم وبصفة خاصة المنطقة العربية فى خلافات سياسية وأخلاقية وأيضاً مالية وتنظيمية.
إن الحديث عن الإعلام الديني وموجته الجديدة لا يمكن أن يكون بمعزل عن هذه الرؤية، وهنا يجعلنا مطالبين بالوقوف عند عموم الإشكالات والظواهر التي يفرزها، خاصة أنه أصبح قوة إعلامية له فى السلطة والتأثير فى عقول الناس وأفئدتهم، مما يجعلهم فى نهاية المطاف يتلقون عدداً من الرسائل الإعلامية التي سرعان ما يحولونها إلى أحكام ومواقف يمنع معارضتها ويٌخوَن من يخالفها، وثمة العديد من الاختلافات الكثيرة التي تكمن وراء هذه القدرة على إحكام السيطرة على العقول بين القنوات الفضائية وخصوصياتها، وقد سجل المشهد الإعلامي الديني تطوراً عديداً ملحوظاً، ويلاحظ أن هذا التطور أن الانفجار فى القنوات الدينية ظهر بعد موجة الربيع العربي، وأن قلة قليلة من هذه القنوات الكثيرة تعني بالتعريف بالدين الحنيف، وأكثرها تستعمل طرقاً شتى للانتشار تثار حولها أكثر من علامة استفهام.
وإذا كان الباحثون يعتبرون أن المشاهد للمادة الإعلامية البصرية ما هو إلا متلقياً شأنه شأن بقية أصناف المتلقين الآخرين، فإن تحليله فى السنوات الأخيرة لم يعد يقتصر على هذا المفهوم أو اعتباره ظاهرة نفسية، بل أصبح المفهوم يتسع ليصبح المشاهد مراقباً، ومن ثم حقلاً موازياً ومهماً للدارسين، ومن ثم ميوله نحو مجموعة من الاتجاهات التي تتكون لديه وتحدد نوعية المعلومات التي يريد تلقيها، فما أحوجنا إلى فهم اتجاهات المشاهدين نحو التزود بالمعلومات والأخبار من مختلف القنوات الأرضية والفضائية العربية والأجنبية، فى عصر يتصف من جهة بثورة المعلومات، ومن جهة ثانية بالاضطرابات الاجتماعية والسياسية المتواصلة فضلا عن انتشار ظاهرة الإرهاب العابر للبلدان والقارات.

التعليقات متوقفه