شادية الوطن

154

كانت موجودة بيننا.. لانراها ولكن نستمتع بحضورها ووجودها المؤثر برغم سنوات الصمت عن الغناء والتمثيل.. لكن صمتها عن العمل تجاوزه عملها الطويل لأربعة عقود من الزمن قامت فيها بغناء مئات الأغنيات والتمثيل فى أفلام تجاوز عددها المائة فيلم، لم تكن المسألة مجرد الإعجاب بها، ولكن إدراك الكثيرين منا أنها زميلة الصبا، وصديقة الأيام الخوالي، والمغنية التي ألهمت الكثيرين والكثيرات معانى متعددة فى زمن الحب بدون غدر، والمحبة الواضحة، والمؤامرات الصغيرة البريئة بين الصديقات وداخل الأسرة، أنها مغنية « القلب معاك ثانية بثانية، « و»عاجباني وحشته» و» الو الو إحنا هنا « قبل أن تغني بعد مرحلة من النضج « يادي العذاب» و» تلات شهور ويومين اثنين « فى مرحلة قدمت فيها
أدوارا درامية صعبة كانت فيها الفتاة المغرورة والمرأة التي تعرضت للخداع، والتي سلب منها ابنها كما فى « المرأة المجهولة» والطفلة التي عذبتها زوجة الأب قبل أن تهرب وتعمل خادمة فى « نحن لا نزرع الشوك».. شادية لم تكن مغنية كبيرة الفن برغم صغر السن فقط، ولكنها كانت النموذج الأنثوي الذي صدر لنا عبر شاشة السينما كل الملامح المبهجة والألم، السعادة والحزن، الشقاوة والغدر، وفى المرحلة الأخيرة من رحلتها الفنية ثبت للكثيرين الذين تشككوا فى حجم موهبتها الفنية أنهم أخطأوا، فقد انتقلت من الكوميديا الاجتماعية فى « مراتي مدير عام» و»عفريت مراتي» وأفلام أخرى إلى التراجيديا التي تتجاوز المألوف من قصص الأفلام لتقديم معان أكثر شمولا وتترك أسئلة مهمة حول ما يحدث فى عوالم السياسة وتحولاتها الاجتماعية وهو ماقدمته عبر أربعة أفلام مأخوذة من روايات لنجيب محفوظ « زقاق المدق» و»اللص والكلاب»، و»ميرامار» ثم» الطريق» وبرغم أنها تعاملت فى هذه الأفلام مع مخرجين مختلفين كثيرا مثل كمال الشيخ وحسين الإمام وحسام الدين مصطفى، إلا أن موهبتها الساطعة وقدرتها العالية على استجماع ملكاتها فى الأداء جعلتها فى قلب هذه الأعمال وليست مجرد مؤدية لأدوار مهمة فى سياق الدراما.. ولهذا كان أداؤها مقنعا بقدر ما كان ممتعاً، حتى لو كان الدور صعباً فى تصديقه على مستوى الواقع وهو ما يصدق على فيلم « شئ من الخوف» المأخوذ عن قصة الأديب ثروت أباظة وإخراج حسين كمال والذي قامت فيه شادية بدور «فؤادة» إبنة القرية التي وقفت أمام سطوة وجبروت»عتريس» بأداء محمود مرسي، حين توحش وقام هو وعصابته بقطع المياه عن الجميع.. كان خطيبها ولكنها فعلت ما لايجرؤ غيرها أن يفعله، ومع التكوين الجسماني وملامحها الرقيقة إلأ أنها استطاعت أن تعبر بجدية وصرامة عن التمرد والرفض والتحدي للظالم فى آن واحد، وبحضور طاغ.. وربما جاء وداعها معبرا عن هذه القوة التي منحتها للملايين عبر ادوارها التي قدمت خلالها ألف وجه للحياة، بدون افتعال وبدون آفورة لذلك تقبلت الملايين منها ما قدمته، بحب وود شديدين ومن هنا جاءت الأيام الأخيرة لها لتوقظ عند هؤلاء المحبين مخزون المحبة تجاهها حين تم الإعلان عن إصابتها بجلطة دماغية مفاجئة يوم الجمعة 3 نوفمبر الماضي ونقلت إلى المستشفى للعلاج وبعد أربعة أيام غادرت إلى منزلها وتمكن الأطباء من إذابة الجلطة التي تعرضت لها إُثر هبوط حاد بالدورة الدموية، وفى أثناء وجودها بالمستشفى زارها الرئيس السيسي تقديرا لها وأهداها مهرجان القاهرة السينمائي دورته رقم 39 التي انطلقت يوم 21 نوفمبر، وفى بيان إدارة المهرجان الذي صدر يوم 5 نوفمبر أن إهداء الدورة إليها هو تعبير عن مسيرة حافلة بالكثير من العلامات الإبداعية الرائعة التي جعلت منها ثروة قومية وفنية لم تبخل يوما بعطائها الكبير على بلدها، وأعطت من روحها الكثير من الجهد والحب لفنها ولجمهورها ولوطنها، نعم.. هذه هي الفنانة.. النموذج، مثل قليلين وقليلات ممن وضع نفسه فى محبة الوطن وناسه بالجهد المتواصل والاجتهاد الكبير واحترام النفس والفن والإبداع اللامتناهي.. أنها شادية الوطن بالفعل.

التعليقات متوقفه