مصرع عبد الله صالح يفتح الباب لمأزق خليجى.. لعبة التوازنات التى أطاحت بصالح

289

فى سياق البحث عن توازنات جديدة فى اليمن خصوصا بعد الاختراقات التي سجلها الإخوان والسلفيون فى مناطق الشمال الزيدي وفى داخل صنعاء نفسها أوجد الرئيس اليمني الراحل على عبدالله صالح ما يعرف بـ”الأمن القومي” الذي كان بمثابة مقابل للأجهزة الأمنية الأخرى التي كانت فيها شراكة مع الإخوان المسلمين، كـ”الأمن السياسي” مثلا، الذي كان على رأسه العميد غالب القمش.
وبحثا عن التوازن أيضا، كان على عبدالله صالح وراء صعود الحوثيين منذ البداية. فهو الذي فتح لهم طريق «حزب الله» وإيران، وهو الذي حاول استخدامهم إلى أبعد حدود منذ حرب الانفصال فى صيف العام 1994 وذلك بعد انتصاره فى تلك الحرب بفضل الإخوان المسلمين والسلفيين خصوصا.
مكونات الجماعة
بقي على عبدالله صالح يمارس لعبة التوازنات باستمرار، كي يضع نفسه فى موقع الحكم، وكي لا يكون تحت رحمة طرف واحد قوي فى البلد. لذلك شجع الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر فى العام 1990 على تشكيل حزب “التجمع اليمني للإصلاح” بغية إيجاد توازن، يصب فى مصلحته، بين الحزب الاشتراكي الآتي من الجنوب بأفكاره العلمانية من جهة، والإسلاميين والقبليين من جهة أخرى. ما لا يمكن تجاهله أن “الإصلاح” فى أيام الشيخ عبدالله الذي توفى فى أواخر 2007، كان حزبا من ثلاثة مكونات هي: الإخوان، والقبيلة، والسلفيون بزعامة الشيخ عبدالمجيد الزنداني.
الهدف من تشجيع الحوثيين كان ثلاثيا، كان ثلاثة أهداف تصب فى تحقيق هدف واحد.
الهدف الأول هو الوقوف فى وجه العائلات الزيدية الكبيرة المعروفة بالعائلات الهاشمية، مثل آل المتوكل وآل حميدالدين، التي كان على عبدالله صالح ولا يزال لا يثق بها. هذه العائلات من محافظة حجة وليست من محافظة صعدة.
تمويل الحوثيين
الهدف الثاني هو أن يظهر للسعوديين، خصوصا بعد دعمهم للانفصال، أنه قادر على فتح خطوط ما مع إيران.
الهدف الثالث خلق قوة قادرة على التصدي للمدارس الدينية السلفية والإخوانية التي كانت السعودية تشجع عليها فى المناطق الشمالية، بما فى ذلك محافظة صعدة التي هي معقل الحوثيين.
بين هذه المدارس كانت مدرسة مقبل الوادعي (سلفي) والتي كان وجودها يزعج الزيود كثيرا. كانوا يعتبرون ذلك تحديا لهم فى عقر دارهم. وثمة من يقول إن على عبدالله صالح كان وراء الوادعي أيضا وذلك من أجل إيجاد أوراق له فى منطقة الحوثيين!
أكثر من مسؤول يمني يؤكد أن على عبدالله صالح كان يموّل الحوثيين وهو من أدخلهم إلى مجلس النواب فى الانتخابات الأولى التي جرت بعد انتهاء حرب الانفصال.
عشرات الحوثيين أقاموا فترات طويلة فى قم، وبدأوا يتحولون إلى الشيعة الاثني عشرية التي لا علاقة لها بالزيدية بشكلها التقليدي. وقد استطاع الإيرانيون، بمشاركة عناصر من «حزب الله» تغيير طبيعة قسم من المجتمع الزيدي.
حتى العام 2003، اعتقد على عبدالله صالح أن الحوثيين فى جيبه وأنهم ورقة من أوراقه. لكن حادثة وقعت فى تلك السنة جعلته يعيد النظر فى حساباته. اكتشف الرئيس اليمني السابق الذي كان يمرّ فى محافظة صعدة لتأدية فريضة الحج، أن الحوثيين صاروا شيئا آخر وأنهم انقلبوا عليه.
الموت لأمريكا
توقف على عبدالله صالح فى صعدة. كان فى طريقه إلى مكة برّا لتأكيد تطور العلاقات مع السعودية، بعد توقيعه اتفاق ترسيم الحدود مع الملك عبدالله بن عبدالعزيز. فوجئ على عبدالله صالح بعد انتهائه من إلقاء خطبة صلاة الجمعة فى المسجد الأهم فى صعدة، بوقوف شخص من الحوثيين وإطلاقه ما بات يسمى بـ»الصرخة». و»الصرخة» هي «الموت لأمريكا، الموت لإسرائيل، اللعنة على اليهود، النصر للإسلام».
فهم على عبدالله صالح أن إيران استوعبت الحوثيين وأنه لم يعد يتحكم بهم كما كان يعتقد. كان أوّل ما فعله أن أمر بحملة اعتقالات فى صفوف الحوثيين، ردا على تحدّيه فى صعدة. كانت تلك الإشارة الأولى لبدء ست حروب استمرت بين 2004 وأوائل 2010.
تواجه الجيش اليمني خلالها مع الحوثيين وسقط فيها آلاف الضحايا وقتل خلالها حسين بدرالدين الحوثي شقيق عبدالملك الحوثي الأكبر الذي يتزعم الحوثيين حاليا. على عبدالله صالح نفسه قال لي: «بيني وبين الحوثيين ست حروب وثلاثين ألف شهيد».
يوم للحسم
لم يدر على عبدالله صالح أن إيران متورطة أكثر بكثير مما يعتقد فى دعم الحوثيين وتوجيههم نحو الاثني عشرية. لم يدر أيضا أن «حزب الله» متورط إلى أبعد الحدود مع الحوثيين، إن من ناحية التدريب وإن من ناحية تزويدهم بالأسلحة، وحتى بالنسبة إلى بناء شبكة اتصالات لهم لا تخضع لمراقبة السلطات اليمنية.
أخطر ما فى الحروب الست التي وقعت، أنها كانت على خلفية التوريث فى اليمن. حاول على عبدالله صالح استغلالها للتخلص من خصمه اللدود اللواء على محسن صالح الأحمر، الذي كان يطمح إلى خلافته، والذي كان يعترض على توريث أحمد على عبدالله صالح. لم يرد على عبدالله صالح فى أي يوم حسم الحروب مع الحوثيين. ربما، لم يكن يستطيع ذلك ففضل توظيف تلك الحروب لتحقيق غايات محددة.
تمكن على عبدالله صالح من احتواء الحوثيين فى منطقتهم. لكنه لم يستطع فى أي وقت إلحاق هزيمة كاسحة بهم. وهذا عائد إلى أسباب عدة، بينها أنه لم يكن يريد انتصارا للحوثيين على على محسن صالح الأحمر أو انتصارا للأحمر على الحوثيين. كان يريد أن يستنزف كلّ منهما الآخر، كي يبقى صاحب الكلمة فى البلد وصولا إلى توريث نجله.
الاتجاه نحو الوسط
معروف أن على محسن صالح الأحمر وهو من قرية على عبدالله صالح وقريب منه عائليا، ينتمي إلى الإخوان المسلمين. وكان متحالفا مع الشيخ حميد الأحمر، نجل الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر. كان على محسن يمتلك نفوذا كبيرا فى الجيش بصفته قائد الفرقة الأولى/ مدرع، وتعتبر من بين الأقوى فى الجيش اليمني. وكانت بمثابة قوة موازية للحرس الجمهوري بقيادة أحمد على عبدالله صالح.
أدى انقلاب حميد الأحمر وعلي محسن على عبدالله صالح والذي نفذ مع انطلاق ثورة الشباب فى 2011 إلى فك الحصار عن الحوثيين الذين ما لبثوا أن تمددوا فى كل أنحاء البلد، بعد سيطرتهم على محافظة عمران، وصولا إلى صنعاء فى أيلول/ سبتمبر من العام 2014 ثم إلى محيطها. اتجهوا بعد ذلك إلى الوسط ثم إلى عدن قبل أن تجبرهم “عاصفة الحزم” على التراجع.
خلاصة الأمر أن الحوثيين انقلبوا على على عبدالله صالح الذي صنعهم وهم الآن متحالفون معه بسبب حاجة كل منهما إلى الآخر، فى مواجهة عدو مشترك هو السعودية والإخوان وآل الأحمر وكانوا حتى تموز/ يوليو 2014 زعماء حاشد التي تعتبر القبيلة الأكثر تماسكا فى اليمن.
حزب الله
كانت المرة الأولى التي تحدث فيها على عبدالله صالح عن الحوثيين فى حديث حصلت عليه منه فى صيف العام 2004. سألني أين ستنشر الحديث فأجبته: فى «المستقبل» الصادرة فى بيروت وفى “الرأي” الكويتية التي ربطتني صداقة بصاحبها جاسم بودي ومدير التحرير الزميل والصديق على الرز. أصرّ على نشر الحديث، الذي يلمح فيه إلى علاقة الحوثيين بإيران و»حزب الله» فى «المستقبل».
أراد فى ما اعتقد توجيه رسالة إلى الحزب عبر صحيفة لبنانية. لم يكن كلامه عدائيا تجاه “حزب الله”، لكن الواضح أنه كان يريد تمرير شيء ما عبر “المستقبل”، التي صدر الحديث فى صفحتها الأولى فى أحد أعداد شهر تموز/ يوليو، وذلك بعد الحرب الأولى التي خاضها الجيش اليمني مع “الشباب المؤمن”.
فى السنوات العشرين الأخيرة من عهده، عرف على عبدالله صالح كيف يستخدم الإعلام بشكل جيّد خدمة لمصالحه ولأهدافه.

خير الله خير الله
* كاتب لبناني

التعليقات متوقفه