مكاوى سعيد.. تغريدة البجعة الأخيرة

394

يبدو أن هذا العام هو من اصعب الاعوام التي مرت على الثقافة المصرية حيث ودعنا فيه عددا كبيرا من المبدعين فى الادب والثقافة والفكر والفن، كان اخرهم الروائي والقاص مكاوي سعيد صاحب الطلة المشرقة والابداع الرصين، صاحب الشخصية الطيبة الهادئة “مكاوي” المحب للحياة.. ينتمي مكاوي سعيد لجيل الثمانينيات ذلك الجيل الذي هضم حقه فى الثقافة المصرية والعربية بشكل عام على كل المستويات فى الادب والفن والسياسة، ربما لانه جيل جاء بعد جيل السبعينيات الذي غير كثيرا من المفاهيم السياسية والادبية والفنية، بتمرده الدائم، وتجديده لكثير من النظريات مما جعل الجيل التالي له فى مأزق كبير، رغم النماذج الجيدة التي تنتمي إليه فى كل المجالات.. بدأ “مكاوي” حياته الادبية قاصا مع مجموعة من ابناء جيله المميزين امثال ابراهيم فهمي ووفيق الفرماوي وخيري عبد الجواد والمفارقة أن جميعهم قد فارق الحياة كان ابناء هذا الجيل يجتمعون يوميا على مقهي زهرة البستان، الذي اصبح – بعد ذلك- المكان المفضل لمكاوي، فقد كان دائم الجلوس عليه يوميا، وكنا كجيل تالي له نلتف فى المساء من حوله لنسامر فى حال الثقافة المصرية والعربية.
ظل “مكاوي” لاكثر من ربع قرن يصدر اعمالا قصصية وروائية دون أن يلتفت اليه احد رغم ان هناك كثيرا من هذه الاعمال لها مميزة فنيا وتقنيا مثل رواية “فئران السفينة” التي عالج فيها التحولات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي مرت بها مصر منذ فترة السبعينيات من القرن الماضي.. ولم تقترب منه الشهرة إلا بعد وصوله للقائمة القصيرة لجائزة “البوكر” العربية فى الرواية منذ عشر سنوات فى نسختها الاولي من خلال روايته المميزة “تغريدة البجعة” والتي حققت نجاحا ملحوظا، وطبعت منها طبعات كثيرة- بعد ذلك، واصبحت من اشهر الروايات المصرية والعربية التي صدرت فى السنوات الماضية.
بعدها اصبح “مكاوي سعيد” من الروائيين الذين ينتظر القراء اعمالهم بترقب شديد، حتي اذا صدرت يقبلون عليها من مختلف الاجيال.
وتوالت اعماله وكان منها رواية “ان تحب جيهان” تميزت كتابة “مكاوي” الروائية بالانحياز الي ما يمكن ان اسميه بـ “سرد الشخصية”، فالشخصية هي البطل والمحور الرئيسي للعمل الروائي لديه، كان يحفر فى التاريخ الشخصي والوجداني والنفسي لكل شخصية يكتبها،وهذا ربما ما ميز روايته البديعة “تغريدة البجعة”، فالشخصيات بداخلها عابرة للازمنة والامكنة، رغم اقترابها من النهايات دائما، ورغم انها شخصيات تعيش على الحافة، إلا أنها قالت نفسها- بصدق-، اضف إلى ذلك اعتماده الدائم على وقائع حقيقية وشخصيات حقيقية، وقد لامست بنفسي ذلك فرأيت كثيرا من ابطال الرواية المهمشين على مقهي “زهرة البستان” خاصة من اطفال الشوارع، الذين كانت بينهم وبين مكاوي بعض الصداقات. فلم تكن مجرد شخصيات روائية، بل كان هناك دائما الحس الانساني والانحايز للهامش الذي كان يميز شخصية “مكاوي سعيد”.

التعليقات متوقفه