النظام الخاص ودولة الإخوان.. «الميليشا المسلحة» تقود الجماعة من «الإحياء» إلى السقوط الأخير.. تنظيم 65: سيد قطب يتزعم النظام الخاص الجديد

561

كأس من السم، أعده بيده، وأذاق الخصوم مرارته، فما كان للكأس إلا أن يدور ويعود إلى طباخه، ليتجرع ما صنعت يديه. سبع رصاصات سكنت جسد حسن البنا، على عتبات جمعية الشبان المسلمين، مساء يوم 12 فبراير عام 1949م، ليلقى مصيره على الطريقة التي اعتاد تصفية خصومه بها. هكذا على الباغي تدور الدوائر.
“النظام الخاص ودولة الإخوان المسلمين”.. فى الجزء الثاني من هذا الكتاب القيم، للكاتبة والإعلامية سوزان حرفي، نستعرض كيف ترك حسن البنا، ميليشيا الإخوان المسلحة “النظام الخاص”، تشكل تحديا صعبا لمن خلفه، حيث بدأ النظام يمثل مشكلة للإخوان فى المحيطين العام والخاص على حد سواء، ففى المحيط العام كان شرط تصفية النظام أحد البنود المطروحة على مائدة مفاوضات الإخوان مع حزب الوفد، لإعادة الجماعة ونشاطها، وكان ذلك شرطا من شروط القصر.
أما على المستوى الخاص داخل الجماعة، دب الصراع بقوة على خلافة البنا، وحاول النظام الخاص أن يكون صاحب الكلمة الأولى والأخيرة فى حسم الأمر، فى حين تصدى لهم رجال الدعوة العامة، واستمر الصراع على من يخلف البنا لمدة عامين تقريبا دون حسمه بشكل نهائي، حتى جاء الحل خارج المعادلة لإنقاذ الجماعة واستمرار مسيرتها، فتم اختيار أحد الاشخاص غير المحسوبين على الطرفين، وهو المستشار حسن الهضيبي.
“الهضيبي” والنظام الخاص
تزامنت قيادة حسن الهضيبي للإخوان مع إعلان حكومة الوفد إلغاء اتفاقية 1936 مع الإنجليز، وبدء أعمال المقاومة المسلحة ضد قوات الإحتلال بمنطقة قناة السويس، وانطلاق الأعمال الفدائية التي شارك فيها شباب التيارت السياسية المختلفة، بدعم من الحكومة، لكن المرشد الثاني للإخوان فاجأ الجميع بتصريحه لمجلة الجمهور “المصري” فى 15 أكتوبر 1951، بأن اعمال العنف لا تخرج الإنجليز من البلاد، وأن واجب الحكومة اليوم هو أن تفعل ما يفعله الإخوان المسلمون من تربية للشعب وإعداده، فذلك هو الطريق لإخراج الإنجليز.
ما أن تم الإفراج عن عدد من المتهمين فى قضية “السيارة الجيب” بعد الأحكام المخففة التي صدرت ضدهم فى إبريل 1951، حتى بدأ قادة النظام الخاص فى السعي لتجمع شتاته من جديد، فى ذلك الوقت كان عبدالرحمن السندي لا يزال محبوسًا بمستشفى قصر العيني، لكنه شجع زملائه على ضرورة المبادرة بلملمة شتات وإعادة تشكيل النظام الخاص، وبدأت الاجتماعات لهذا الهدف بمنزل جمال فوزي بحي الروضة وبعيادة الدكتور أحمد الملط، وتحرك فى هذا الاتجاه كل من المهندس حلمي عبدالمجيد، اسماعيل عبيد، أحمد عادل كمال، محمد شديد، سيد أبوسالم، تحت إشراف أحمد زكي حسن.
سرعان ما دب الخلاف مجددا بين رجال النظام الخاص ورجال الدعوة، باعتبار أن الإخوان فكر وعقيدة، والعقيدة تنتشر بالدعوة وابلاغ الناس وتبصيرهم بها، وافهامهم اصولها ومقاصدها، ولا يمكن ان تنتشر بالقوة والإنقلاب. وكان الحل للخروج من ذلك المأزق توحيد قيادة الجماعة لتكون مسئوله عن الدعوة العامة والنظام الخاص، وذلك بإدماج أعضاء النظام فى مكاتب الجماعة العلنية واخضاعهم لها، وفى محاولة من جانب المرشد الثاني للتعامل مع “جيش المسلمين” والسيطرة عليه قام “لهضيبي” بتشكيل لجنة مكونة من محمد خميس حميدة، وعبدالعزيز كامل، وحسين كمال الدين، لدراسة وضع هذا الجهاز السري.
أقرت اللجنة بتعذر حل النظام الخاص لارتباطه بفكرة الجهاد من جهة ولان طبيعة التنظيم تجعله مما يخشى بأسه من جهة أخرى، وأوصت بالعمل على إزالة الثنائية بين التنظيم العام والتنظيم الخاص، وذلك عن طريق إدماج المجموعات التي تنتمي للتنظيمين فى قسم واحد وهو قسم الأسر وأن يبقى قسم الأسر خاضعا لتوجيه واحد، وأوامر واحدة تصدر من مكتب الإرشاد، واتفقت اللجنة على إزالة السرية تدريجيا عن النظام الخاص، عن طريق إدخال أكبر عدد ممكن من الإخوان فيه، وكان ذلك اقتراح الدكتور حسين كمال الدين، لكنها أوصت بتعيين حلمي عبدالمجيد رئيسا للجهاز، لتحقيق هذه الأهداف، مع الإبقاء على عبدالرحمن السندي عضوا فيه، وبذلك لم تتم تصفية النظام الخاص.
تنحى عبد الرحمن السندي عن الجهاز تماما، وتولى رئاسته أحمد حسنين، لكنه لم يتمكن من التغيير أو فرض الرؤية الجديدة داخل الجيش الإسلامي، وعلى الأرض تجاهل قادة النظام الخاص بالقاهرة ما يحدث، واستمروا فى عملهم بشكل طبيعي بعيدا عن ما اعتبروه صراعا على القيادة قد لا يعنيهم فى هذه المرحلة، أو ربما كان دافعا لهم للاستمرار فى مسيرتهم، فوضعوا البرنامج التدريبي السنوي للخلايا والأعضاء، وتم توزيعه والعمل به فى مايو 1952، كما تم تطبيقه بالمحافظات والأقاليم، بل وعبر الى سوريا والعراق، وكأن شيئا لم يصبه تغيير.
وعرضت “حرفي” ما قاله الدكتور عبدالعظيم رمضان : هذا الحال الجديد حول الجماعة الى جهاز سري علني، أو أن العمل السري قد أصبح جزءا من نشاط الجماعة العلني. فهذا التطور جعل الجماعة أخطر بكثير مما كانت أثناء حياة حسن البنا، فلم يعد هناك فصل بين العمل السري والعمل العلني، واتسعت اختصاصات رئيس الجهاز السري لتشمل رؤساء الجهاز العلني، طبقا لما أورده رمضان فى كتاب “الإخوان المسلمون والتنظيم السري”.
كما أوردت الكاتبة ما قاله عبد المنعم منيب فى كتاب “دليل الحركات الإسلامية المصرية” يقول: بعد اغتيال الحكومة للبنا، وضربها لجماعة الإخوان، فإن خليفة البنا، حسن الهضيبي، سعى لإيهام الجميع بأنه يعمل على حل التنظيم الخاص، بينما كان يسعى لإعادة بنائه على أسس جديدة تتلاءم مع طبيعة المرحلة الجديدة فى ضوء تجربة الإخوان السابقة.
وأكدت “حرفيا” أن قول محمد مهدي عاكف، بإلغاء حسن الهضيبي للنظام الخاص لايطرح الحقيقة كاملة، فلقد كان هناك سعي حثيث فى البداية من جانب الهضيبي لتغيير رؤية وهيكلة عمل النظام الخاص، لكن الصدام بين قادة الإخوان ورجال ثورة يوليو جعل الهضيبي يحيد عن هذا الهدف، بل على العكس كان هو أول الساعين لتمكين واستخدام آلية الجهاز الخاص فى هذا الصراع، فسعى لتكوين نظام خاص تحت إمرته.
دب الصراع بين الهضيبي، وعبد الرحمن السندي، بعد أن عاد الأخير لقيادة النظام الخاص منتصف عام 1953، حيث حاول المرشد الاتصال برجال النظام القديم، لتشكيل عناصر نظامه الجديد، وهو ما جعل السندي يقف فى وجه الهضيبي وأكد له سيطرته على التنظيم وأعضائه، وأنه لا يجب عليه الاتصال بهم إلا من خلاله. وعلى الجانب الآخر، أخذ سيد فايز عبدالمطلب، نائب السندي الاتصال بأفراد النظام ليؤكد لهم خروج عبدالرحمن السندي عن طاعة المرشد ويدعوهم للارتباط به، وهو ما اعتبره السندي إذكاء للفتنة بين أعضاء النظام الخاص ومسئوليه والمرشد.
وفى يوم الخميس 19نوفمبر 1953م، وصل طرد من الديناميت فى شكل هدية من الحلوى بمناسبة المولد النبوي، لبيت سيد فايز وما ان فتح فايز العلبة حتى انفجرت فيه وفى شقيقه وأصيبت بقية الأسرة، وكان هذا بتدبير وأوامر السندي والتي اعترف بها بعد ذلك، لتكن تلك هي المرة الأولى التي يتم فيها تصفية أحد جنود الجماعة على يد جنود آخرين من داخلها، وبذلك انتقل جيشها من مواجهة أعداء الخارج لمواجهة زملاء الداخل، وتغير اتجاه السلاح فبدلا من توجيهه ضد الآخر المعادي، اتجه الى جزء من الذات الإخوانية، وارتفع صوت المسدسات والمتفجرات لحسم الخلاف الداخلي بين الإخوان المسلمين.
النظام الخاص وثورة يوليو
مع اتساع هوة الخلاف بين ثورة يوليو ممثلة فى جمال عبدالناصر وبين جماعة الإخوان متمثلة فى المرشد العام، تمت ترقية عبدالمنعم عبدالرؤوف عضو الإخوان فى الجيش لرتبة لواء جوي، وإحالته للتقاعد فى الأول من ديسمبر عام 1953م. وذكر عبدالرؤوف بمذكراته “أرغمت فاروق على التنازل عن العرش” الصادرة عن الزهراء للإعلام العربي عام 1988؛ أنه زار المرشد بمنزله فى منيل الروضة واشتكى له ظروف إحالته للمعاش، كما أوضح له وضع دعوة الإخوان داخل صفوف الضباط فى الجيش المصري، وأكد له انهم سيبطشون بأفراد الجماعة عسكريين ومدنيين، فقال له الهضيبي: إذا كان الجيش قد فصلك فالإخوان يرحبون بك، ثم اقترب منه برأسه وقال له : “أكلفك بحصرالضباط والصف والعساكر والإخوان وتنظيم وتدريب النظام الخاص”.
بدأ النظام الخاص بإعادة تنظيم صفوفه وتشكيلاته بهدف الإنقلاب على ثورة يوليو وتولي الإخوان المسلمين للسلطة فى البلاد. وكان يسير التخطيط على قدم وساق، فقام عناصر النظام بالاتصال بمحمد نجيب، والذي اتفق مع رؤية الإخوان فى ضرورة الإطاحة بضباط الثورة من الحكم، لكن لم يمر اسبوعان على محاولة الإخوان للتنسيق مع “نجيب” والتحرك من جانب “الهضيبي” لإعادة صياغة النظام الخاص فى تنظيم سري، حتى كان جمال عبدالناصر ينزل ضربته بالإخوان، لستبق أي تحرك مضاد من قبل الجماعة، وذلك بعد أن وصلت إليه معلومات عن تحرك ضباط الإخوان داخل الجيش لإعادة صفوفهم، واستعداد الهضيبي لبدء المواجهة معه واتصاله بمحمد نجيب، وقد ساعد عبدالناصر فى ذلك عضويته السابقة فى النظام الخاص وصلته الوثيقة بقياداته السابقين.
قرر مجلس قيادة الثورة فى 14 يناير 1954، حل جماعة الإخوان المسلمين، واعتقال حسين الهضيبي وابنه وعدد آخر من قيادات الجماعة وأفراد النظام الخاص، إضافة لفصل بعض الطلبة والموظفين المنضمين للجمعية، لكن هذا القرار جاء فى مصلحة الهضيبي، فالتف حوله خصومه، وبعد خروجه من السجن استأنفت الجماعة نشاطها وكذلك اعادة تشكيل النظام الخاص تحت قيادة يوسف طلعت، لمواجهة رجال الثورة بالقوة.
وضع الرئيس الجديد للنظام الخاص كل الترتيبات لمواجهة ضباط الثورة، حيث أكد إبراهيم الطيب، رئيس مناطق القاهرة بالتنظيم السري أن طلعت أخبره بوجود قوات للإخوان بإقليم الشرقية وشرق منطقة القنال، وانها مستعدة للقيام بحرب عصابات ضد الإنجليز فيما لو فكروا فى التدخل أثناء الإشتباك بين الإخوان والحكومة، وأن خطة العرقلة تقوم على نسف طرق المواصلات، ونسف المنشآت التي يحتلونها وتقطيع امداداتهم، وعلى جانب الاستعداد بالقاهرة ذكر محمود الحكواتي رئيس فصيلة الجيزة أن المسئول عن السلاح بالقاهرة كان محمد مهدي عاكف وهو ضابط اتصال فني يتبع يوسف طلعت، قائد النظام الخاص، وأن مخزن السلاح الرئيسى كان يقع فى عرب جهينة، بمقابر أسرة المرشد حسن الهضيبي، وأن التدريب تم فى بداية الأمر بمعسكر كرداسة الذي يقع على حدود الزراعة وجبل كرداسة.
بدأت الاشتباكات وتعددت المواجهات بين الإخوان ورجال الشرطة، منها ما حدث فى 27 أغسطس 1954 بالروضة بالقرب من منزل المرشد، وفى يوم 19 أكتوبر من نفس العام، تم التوقيع النهائي على اتفاقية الجلاء وفى يوم 26 أكتوبر، وأثناء إلقاء الرئيس جمال عبدالناصر خطابه بميدان المنشية بالأسكندرية احتفالا بالاتفاقية، غطى على صوته صوت طلقات الرصاص المصوبه نحوه، والتي أصابته فى يده وأوقعت سبعة أشخاص من الموجودين بالمنصة مصابين، وكان مطلق الرصاص محمود عبداللطيف أحد أعضاء التنظيم السري لجماعة الإخوان.
سيد قطب وتنظيم 65
أكد أحمد عبد المجيد، أحد قيادات التنظيم الرئيسيين فى كتابه: “الإخوان وعبدالناصر.. القصة الكاملة لتنظيم 1965” أن التنظيم بدأ مع خروج الإخوان من السجون عام 1957، وكانت نواته فى شقة بمنطقة الزيتون بالقاهرة، وكانت هذه الشقة أشبه بمنتدى، كما يصفها، ويرتاده طائفة ذات صبغة معينة وهم الإخوان الشبان، أو من هم قريبي الصلة بهم. ومع العام 1962 أخذت المجموعة فى التوسع وتكون لها شبه تنظيم؛ فبدأ قادته ولمدة عامين رحلة البحث عن من يقود التنظيم، على أن يكون له بريق وثقل لدى الإخوان.
تلقى التنظيم كتابات سيد قطب من داخل السجن ومنها “خيوط خطة” كما وصلتهم مذكرات محمد يوسف هواش عن مواصفات “حزب الله” و”حزب الشيطان” وحدوده وكيفية التعامل معه، وفيها باب بعنوان “من نحن” وآخر “من الناس”، والغريب طبقا لما يؤكده أحمد عبدالمجيد فى كتابه أن مذكرات “هواش” وما تحمله من أفكار تكفيرية كانت تذهب أولا للمرشد حسن الهضيبي لقراءتها ومراجعتها ثم تصلهم بعد منه.
رتب التنظيم، أمر التدريب على إستخدام الأسلحة، وبدأ فى ممارسته وكان المشرف على التدريب صبري عرفة الكومي، ومجدي عبدالعزيز، حيث كانا ضابطين سابقين بالجيش، ويعاونهما فى ذلك على عشماوي. وبعد خروج سيد قطب، عضو مكتب الإرشاد ومسئول قسم الدعوة من السجن عام 1964، ذهب إليه عبدالفتاح اسماعيل وبعض قادة التنظيم، وطلبوا منه أن يتولى مسئولية التنظيم، فأجابهم قطب بالموافقة بعد استفساره عن التنظيم وعناصره، وإذن المرشد العام.
انتظم العمل بعد ذلك فى التنظيم الذي التئم تحت قيادة سيد قطب، ووضع قطب منهجا دراسيا وتربويا للسير عليه يركز أساسا على العقيدة، ثم الحركة بهذه العقيدة فى تجمع حركي، ثم الدراية والمعرفة بالمخططات الصهيونية والصليبية وأعوانهم لضرب الإسلام ووسائلهم فى ذلك.
المدهش والغريب، حسب ما ذكرت “حرفيًا” فى كتابها؛ أن التنظيم الذي يعد أخطر التنظيمات فى حركة الإخوان؛ والذي ترك أثره الواضح على كل الحركات الإسلامية المسلحة فيما بعد؛ جاء اكتشافه من خلال قضايا بعيدة تمام البعد عن التنظيم نفسه، لكن كان بعضها جرس إنذار للحكومة وبعضها الآخر على تلامس وتقاطع مع أعضاء فى الإخوان على صلة بتنظيم 65. وقد كشفت نيابة أمن الدولة العليا أن جماعة الإخوان المنحلة قامت بإعادة تنظيم نفسها تنظيما مسلحا للقيام بعمليات اغتيال للمسئولين، تعقبها عمليات نسف وتدمير للمنشآت الحيوية بالبلاد، هادفة من وراء ذلك الاستيلاء على الحكم بالقوة، وأن التنظيم يشمل جميع مناطق الجمهورية ويتزعمه سيد قطب.
الإحياء والنظام الخاص
ما كان أشد المتفائلين يتوقع أن تقوم للإخوان قائمة بعد الضربة القاضية، التي وجهت للجماعة عام 1965م، عقب اكتشاف نظام عبدالناصر للتنظيم الذي تزعمه سيد قطب، الذي كان يخطط للانقلاب على النظام والقيام بثورة إسلامية فى مصر، لكن انقلاب من نوع آخر أحيا الجماعة من تحت الركام، إنه الانقلاب الأبيض الذي قام به الرئيس السادات على توجهات وسياسات سلفه جمال عبدالناصر، بما فى ذلك حظر نشاط الإخوان، حيث استدعى السادات الجماعة من الموت إلى الحياة، ومن السجون الى النشاط العام وترك لهم الساحة واسعة للتحرك فى المحيطين السياسي والاجتماعي العام.
يقول دكتور كمال الهلباوي، عضو مكتب الإرشاد العالمي، وعضو مجلس شورى الإخوان، إن السادات لم يستدع الإخوان من جديد للوجود العام حبا فيها، وانما رغبة منه لمواجهة الشيوعيين والاشتراكيين، ويضيف “الهلباوي” فى حديثة لـ”حرفيا”: “بدأ عقد السبعينيات بالإفراج عن المعتقلين من الإخوان، وكانت البداية بخروج رأس الجماعة حسن الهضيبي، فى 1971، الذي خرج ولم يكن للجماعة خارج السجن إلا عدد قليل من القيادات، ولم يكن حول المرشد ويلزم صحبته ممن يمثلون هيئة مكتب الإرشاد وقتها إلا الدكتور أحمد الملط وحسني عبدالباقي، والشيخ مرزوق.. أما القيادي والكاتب أحمد رائف فى تقديمه لكتاب الدكتور السيد عبدالستار، بعنوان تجربتي مع الإخوان، فيحكي عن هذه المرحلة ويؤكد أن التحرك لإعادة التنظيم للحياة من جانب مجموعة النظام الخاص كان قد بدأ بالفعل أثناء فترة السجن، وتحديدا بعد النكسة التي تعرض لها جمال عبدالناصر، فى يونيو 1967. ويسرد رائف ما عاصره من تفاصيل هذه المرحلة قائلا: “عرفت مصطفى فى معتقل ابي زعبل بعد عودتي اليه من معتقل القلعة، وهناك رأيت مكانته بين الإخوان القدامى، وكنا فى أوقات ما قبل هزيمة يونيو ألحظ اعتبارا له بين الإخوان، وبعد الهزيمة زاد هذا الاعتبار الى ما يشبه المسئولية.
وأضاف رائف، عندما انتقلت الى معتقل طرة السياسي، ومكثنا فيه حتى تم الإفرج عنا؛ صار من الواضح للمراقب أن تنظيما سريا يدير الجماعة داخل المعتقل؛ وعلى رأسه مصطفى مشهور، وعرفت من بعض الأصدقاء فى ذلك الوقت أن هناك شبه تنظيم وتحديد للمسئولين فى البلدان المختلفة، ويؤكد رائف، ان هذا التنظيم السري انقطع لمدة عامين فقط ثم عاود العمل من جديد واشتد عوده عام 1969 وأصبح هو الذي يدير الإخوان فى المعتقل، ويقبل فى الجماعة من يشاء ويرفض من يشاء بشكل قد لا يخلو من الهوى.
وعن قادة هذا التنظيم يقول رائف: “ كان يقوم بقيادة هذا التنظيم الحاج حسني عبدالباقي، واحمد الملط، ومصطفى مشهور، والذي سرعان ما سار هو فى المقدمة، وأصبح يستخدم زميليه فى حل المشكلات، ويرسلهم هنا وهناك للكلام والتفاهم أو لأخذ البيعة”، ويختم رائف قائلا : “ كان النشاط واضحا للمدقق والمراقب، ولكن خفى عن أعين المباحث، والعملاء الذين يقومون بتبليغ الأخبار.
النظام الخاص والمرشد السري للجماعة
بموت المرشد الثاني وخلو المنصب الأول داخل الجماعة فى مرحلة الإنشاء الثانية أو ما عرف بالإحياء، كان لابد من التحرك لمبايعة مرشد جديد، وهنا ظهر أول أثر لتصدر مجموعة النظام الخاص مسيرة الإخوان على مستوى مكتب الإرشاد، متمثلا فيما عرف بـ “المرشد السري”، ففى الوقت الذي كان فيه أنور السادات ونظامه يتفاوض ويتحدث مع عمر التلمساني بصفته أكبر أعضاء الهيئة التأسيسية وآخر مكتب إرشاد سنًا، وباعتباره قائدا وممثلا للإخوان كان يقود الجماعة فى ذلك الوقت مرشد سري. فالمرشد الثالث للإخوان كان لا يعرف شخصه أو اسمه إلا عدد قليل من خاصة الأعضاء، وقد جاء هذا المرشد من قلب النظام الخاص، وظل يقود الجماعة مايزيد عن ثلاث سنوات، بعد أن نجحت مجموعة النظام الخاص المتصدرة للمشهد بالحصول له على البيعة.
بعد حسن البنا، وحسن الهضيبي، جاء حسن عدنان، وهو الإسم الكودي أو اسم التنكر الذي عرف به المرشد بين الإخوان، وهو مرشد لا يعرف شخصيته الحقيقية إلا من بايعه من القادة، بل ويجهل بعض أعضاء مكتب الإرشاد والهيئة التأسيسية للإخوان من يكون هذا المرشد السري الذي كان أحد رجال النظام الخاص ذوى الخلفية الأزهرية وهو الشيخ مرزوق. رضا الشيخ مرزوق أن يتحمل عبء إدارة الجماعة وتولي مسئوليتها فى فترة ميلادها الجديد، دون أن يكون له أي ذكر فى تاريخها، ولم يحظ حتى بأن يصبح رقما بين من تولوا مسئولية رئاسة مكتب الإرشاد.. لم تقف مجموعة النظام الخاص عند ترتيب شئون الجماعة على مستوى القيادة فقط، وتحركت لملء فراغ التنظيم على مستوى الكوادر والقواعد، فلم يكن فى منتصف السبعينيات تنظيم إخواني بالمعنى الذي تعنيه الكلمة. ونجح سعي الإخوان وانضم للتنظيم الآلاف من شباب الجامعات بعد مبايعة القيادات الطلابية لقادة الجماعة، وكان فى مقدمة هؤلاء القيادات الطلابية والذي يعتبره كثيرون الأب الشرعي للنشأة الثانية لتنظيم الإخوان هو الدكتور عبدالمنعم أبو الفتوح، والذي يقول فى كتابه “شاهد على تاريخ الحركة الإسلامية فى مصر” إن الجماعة كان بها تياران رئيسيان فى ذلك الوقت؛ التيار الأول تمثله مجموعة النظام الخاص وامتداداته فى تنظيم 1965 الذي تزعمه سيد قطب، أما التيار الثاني فهو الأكثر تأثرا بمنهج حسن البنا الذي كان إصلاحيا معتدلا، وأكد أبو الفتوح فى كتابه: “أن المنهج القطبي وأفكار النظام الخاص هي التي كانت تسيطر على الجماعة فى هذا الوقت، فقد كانت لديهم منهجية الانقلاب والثورة. مضيفا ان اخوان النظام مثل الاستاذ مصطفى مشهور وكمال السنانيري وحسني عبد الباقي وأحمد الملط، كانت لديهم منهجية قريبة منا، وانهم حين خرجوا من السجون كانوا يحملون نفس الافكار التي نحملها.
العمل المسلح فى مرحلة الإحياء
اجتاحت الجيوش السوفيتية أراضي أفغانستان نهاية عام 1979 لدعم الحكومة الشيوعية فى كابول، فقامت جماعة الاخوان فى مصر بتنظيم عدد كبير من الفعاليات الشعبية والجماهيرية تضامنا مع الافغان، ودار النقاش داخل الجماعة حول الشكل الأنسب للعمل فى افغانستان، وكانت مجموعة النظام الخاص ومعهم القيادات الطلابية والشباب المنضم للجماعة تؤيد المشاركة المسلحة والعمل الجهادي، فى حين عارضها القيادات التاريخية للجماعة.
مرت السنوات وكشف المهندس أبو العلا ماضي، القيادي بالإخوان سابقا ورئيس حزب الوسط، عن الدور الذي لعبته الجماعة أثناء حرب افغانستان، حيث أكد على قيام أحد الأطباء التابعين للجماعة بنقابة الأطباء بتجنيد شباب وارسالهم للمشاركة فى الحرب، وانهم اكتشفوا ذلك فى اواخر الثمانينيات وأكد انه علم بذلك الأمر بعد عودة جثمان شاب من الشيشان لبلدته بمحافظة الشرقية وحضر جنازة الشاب قادة الاخوان، وهو ما كشف عن وجود تنظيم مسلح للاخوان.. أما الحادثة الأخرى التي تؤكد مشاركة الإخوان بالقتال والجهاد المسلح فى افغانستان تبدأ وقائعها عندما سافر عبدالله عزام الى باكستان حيث كان المسئولون بجامعة الملك عبد العزيز ممن ينتمون للاخوان أو ممن يدعمون التيار الاسلامي، فأصدروا قرارا بإرسال عزام على قوة الجامعة مبعوثا للجامعة الاسلامية فى باكستان وكان عزام يذهب ثلاثة أيام للجامعة الاسلامية فى اسلام اباد، وأربعة ايام فى بيشاور، حيث التقى اسامة بن لادن، وعملوا سويا لدعم حركة الجهاد بتدريب المجاهدين الاسلاميين الى جانب مدها بالاموال والسلاح عبر حملة التبرعات، الى ان اختلف عزام وبن لادن فى العام 1986 وخرج اسامة بن لادن عن تنظيم الإخوان ليؤسس تنظيم القاعدة.

التعليقات متوقفه